كشف تقرير حديث صادر عن مؤسسة “Bee: wild” بمناسبة اليوم العالمي للنحل أن مناطق الحروب، والجسيمات البلاستيكية الدقيقة، والتلوث الضوئي تشكل مخاطر جديدة وخطيرة على النحل والملقحات الأخرى خلال العقد المقبل. تؤثر هذه التهديدات بشكل مباشر على بقاء هذه الكائنات الحيوية التي تلعب دورًا أساسيًا في الطبيعة وسلسلة الإمداد الغذائي.
وأوضح التقرير أن الملقحات، مثل النحل والفراشات وبعض أنواع الطيور والخفافيش، ضرورية لما يقرب من 90 بالمئة من النباتات المزهرة وأكثر من ثلاثة أرباع المحاصيل الأساسية في العالم. ومع ذلك، فقد أدّت عوامل مثل فقدان الموائل، والمبيدات الحشرية، وتغير المناخ إلى تراجع حاد في أعدادها، بما في ذلك انقراض بعض أنواع النحل.
تهديدات متصاعدة عالميًا
حذر التقرير أيضًا من التهديدات الناشئة التي تواجه الملقحات العالمية، مشيرًا إلى أن هناك فرص لحمايتها. من أبرز هذه التهديدات الحروب والنزاعات، مثل الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى تقليص تنوع المحاصيل، مما أثر سلبًا على تنوع الغذاء الموسمي المتاح للملقحات.
كما كشف التقرير عن تلوث خلايا النحل في أوروبا بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة، حيث عُثر على مواد بلاستيكية صناعية في غالبية الخلايا التي جرى اختبارها. إضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن الضوء الاصطناعي يؤثر سلبًا بشكل كبير، إذ يقلل زيارات الملقحات الليلية للأزهار بنسبة 62 بالمئة، مما يعيق عملية التلقيح التي تقوم بها الحشرات الليلية والعث.
ثمة تهديدات أخرى بالغة الخطورة أشار إليها التقرير، منها: تلوث خلايا النحل بالمضادات الحيوية. هذا التلوث يؤثر على صحة النحل ويغير من سلوك الملقحات، مثل تقليل حركاتها وزياراتها للأزهار. بالإضافة إلى ذلك، فإن تلوث الهواء يحدّ بشكل مباشر من بقاء وتكاثر ونمو هذه الكائنات الحيوية المهمة.
كما شدد التقرير على أن الملقحات تواجه خطرًا متزايدًا بسبب خليط المبيدات التي تضعفها، خاصة في الدول النامية حيث تنتشر مبيدات متعددة. هذا فضلاً عن الحرائق البرية المتكررة التي تزيد من تدمير موائل الملقحات، مما يصعب بشكل كبير عملية استعادتها والحفاظ عليها.
في هذا السياق، شدد البروفيسور سايمون بوتس، رئيس مركز الأبحاث الزراعية والبيئية بجامعة ريدينغ ورئيس المجلس العلمي لحملة “Bee: wild”، على أن التعرف المبكر على التهديدات الجديدة وتطوير آليات للحماية الاستباقية يشكلان مفتاحًا لتفادي المزيد من التدهور في أعداد الملقحات.
وأوضح أن التدخل في الوقت المناسب يقلل من الأضرار، ويُمكّن الملقحات من مواصلة أداء دورها الحيوي في النظام البيئي وفي إنتاج الغذاء.
وأضاف أن المسألة لا تقتصر على البُعد البيئي فحسب، إذ تُعد الملقحات ركيزة أساسية لأنظمتنا الغذائية، ومرونتنا في مواجهة التغيرات المناخية، وأمننا الاقتصادي. وبالتالي، فإن حماية الملقحات تعني في جوهرها حماية مستقبلنا.
اقرأ أيضًا: انخفاض مقلق في أعداد الحشرات عالميًا بسبب التعدي على الغابات وتغير المناخ
حلول واستجابات
وأشار التقرير إلى تهديدات ناشئة غير مقصودة مرتبطة ببعض إجراءات مكافحة تغير المناخ، والتي يمكن تحسينها للحفاظ على التنوع البيولوجي، لذلك أوصى بزراعة مزيج من الأشجار المزهرة وغير المزهرة ذات النمو السريع لاحتجاز الكربون، مما يعزز فرص التلقيح ويحافظ على التوازن البيئي.
ولفت إلى أهمية تجنب المناطق الغنية بالملقحات أثناء تنفيذ المشاريع المناخية، والعمل على استعادة الموائل الطبيعية بعد عمليات التعدين الخاصة بمواد بطاريات السيارات، تهدف هذه الخطوات إلى تقليل التأثيرات السلبية طويلة الأمد على التنوع البيولوجي وضمان استمرارية وظائف النظم البيئية الحيوية.
رصد التقرير مجموعة من الإجراءات الحيوية الهادفة إلى حماية الملقحات، وفي مقدمتها تشديد القوانين المتعلقة بتقليل التلوث الناتج عن المضادات الحيوية، لما له من تأثير سلبي مباشر على صحة النحل. كما أشار إلى أهمية التحول إلى المركبات الكهربائية، لما يوفره من تقليص لتلوث الهواء الذي يضر بالحشرات الملقحة.
وأوصى التقرير بتوسيع زراعة المحاصيل المحسّنة والغنية بحبوب اللقاح والرحيق، بهدف تحسين تغذية الملقحات وتعزيز قدرتها على البقاء. كما دعا إلى إنشاء موائل طبيعية مزهرة داخل محطات الطاقة الشمسية، ما يساهم في تعزيز التنوع البيولوجي ودعم النظم البيئية.
ومن بين الحلول المقترحة أيضًا، تطوير علاجات بيولوجية تعتمد على تقنية RNAi، التي تستهدف الآفات الزراعية بدقة دون أن تُلحق ضررًا بالملقحات المفيدة، وهو توجه يعكس التقدم في استخدام التكنولوجيا الحيوية لخدمة النظم البيئية.
وشدد التقرير على أهمية حماية النحل عديم اللدغ، الذي يعد جزءًا أساسيًا من النظام البيئي في المناطق الاستوائية. يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء حدائق حضرية وإعادة تأهيل الموائل الطبيعية لضمان بقائه. في الوقت نفسه، أكد التقرير على ضرورة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تتبع الملقحات وتحسين مراقبتها بشكل دقيق، مما يسهم في تحسين استراتيجيات الحماية والتدخل المبكر.
دعوات للتحرك
من جهتها، ترى الدكتورة ديبا سينا باتي، رئيسة قسم إدارة الأراضي المستدامة في جامعة ريدينغ، وأحد المساهمين في إعداد التقرير، أن حماية النحل ليست مجرد هدف مستقبلي، بل قضية آنية تتوفر لها حلول قابلة للتنفيذ الفوري، وتظهر المزيد منها باستمرار.
وأكدت باتي في بيان صحفي أن الفرص الأكثر واعدة هي تلك التي تعالج عدة مشكلات في آنٍ واحد، مشددة على أن العمل المنهجي والموجّه يمكنه إبطاء تراجع أعداد الملقحات، بل وعكس هذا التراجع، مع تعزيز البيئات المفيدة للطبيعة والإنسان معًا.
وتضيف أن الحفاظ على المواطن الطبيعية وتحسينها لتوفير ملاذات آمنة للملقحات يتطلب تضافر الجهود، لافتة إلى أن المبادرات الفردية، مثل توفير الغذاء ومناطق التعشيش في الحدائق، يمكن أن تُحدث أثرًا ملموسًا.
ومع ذلك، تشدد على أن الإجراءات الفردية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تتكامل مع تغييرات سياسية شاملة لتهيئة بيئات صديقة للملقحات في مختلف الأماكن، من الحدائق والمزارع إلى الفضاءات العامة والمناظر الطبيعية.
من جانبها، قالت إيفا كروز، المديرة التنفيذية لمنظمة Bee: wild، إنهم دقّوا ناقوس الخطر مرارًا بشأن التراجع المتسارع في أعداد الملقحات، مؤكدة أن التهديدات تتفاقم بوضوح.
وأوضحت في بيان صحفي أن هدف المنظمة يتمثل في رفع الوعي، وتعزيز الشعور بالإلحاح، وتمكين الجميع من اتخاذ خطوات ملموسة لحماية الملقحات.
وأشارت إلى أن هناك العديد من الخطوات التي يمكن لكل فرد القيام بها للمساهمة في إنقاذ الملقحات ضمن بيئتهم اليومية، مثل زراعة النباتات المزهرة، وتوفير الملاجئ الخارجية، واتباع أنماط غذائية صحية، نباتية وخالية من المبيدات.
وأضافت أن التحديات التي تواجه الملقحات تزداد حدة، إلا أن بمقدور الجميع لعب دور حاسم في حمايتها، وبناء مستقبل مستدام لجميع الكائنات الحية.
واختتمت رزان خليفة المبارك، رئيسة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) وعضو مجلس إدارة منظمة Re:wild، الراعية لحملة Bee: wild، بالتأكيد على أن القرارات التي نتخذها اليوم سترسم ملامح المستقبل، ليس فقط للملقحات، بل لجميع أشكال الحياة على كوكب الأرض.
وأوضحت أن التعاون المشترك هو السبيل لضمان استمرار هذه الأنواع المدهشة في أداء دورها الحيوي، والحفاظ على العالم الطبيعي الذي نعتمد عليه جميعًا.