في يوم البيئة العالمي.. كيف يحاصر البلاستيك كوكبنا؟

شارك:

تتصدر أزمة التلوث البلاستيكي المحادثات البيئية العالمية، باعتبارها واحدة من أخطر التحديات التي يتعرض لها كوكبنا. فمع كل دقيقة تمر، تُستهلك آلاف العبوات والأكياس البلاستيكية التي ينتهي بها المطاف في المحيطات والأنهار والتربة، لتتفاقم الأزمة بوصول الجسيمات البلاستيكية الدقيقة إلى أجسامنا، ما يزيد من المخاطر البيئية والصحية المترتبة عليها.

ويأتي يوم البيئة العالمي هذا العام، والذي يقام تحت شعار “القضاء على التلوث البلاستيكي”  ليجدد الدعوة إلى مجابهة هذا الخطر المتنامي، حيث تحولت المناسبة التي يحتفل بها العالم سنويًا في الخامس من يونيو، إلى منصة لحشد الجهود الدولية، خاصةً مع اقتراب استئناف مفاوضات “المعاهدة العالمية لإنهاء التلوث البلاستيكي” في أغسطس القادم بجينيف.

البلاستيك والمناخ.. وجهان لعملة واحدة

يتجاوز الإنتاج العالمي للبلاستيك 500 مليون طن سنويًا، فيما لا تتعدى نسبة إعادة التدوير 9% من الكميات المنتجة، وفقًا تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وتكمن خطورة الاستهلاك المُفرط للمواد البلاستيكية، في كونها غير قابلة للتحلل البيولوجي في الطبيعة.

 حيث تشير الأبحاث إلى أن البلاستيك، بمجرد وصوله إلى البيئة يبقى ثابتًا، وقد يستغرق تحلله ما بين 100 و1000 عام أو أكثر، حسب الظروف البيئية.

ويمكن اعتبار التلوث البلاستيكي أحد الأوجه غير المباشرة لتغير المناخ، بوجود علاقةٍ طردية بينهما. فبحسب تقريرٍ لمركز القانون البيئي الدولي، يصنع البلاستيك من مواد كيميائية مشتقة من الوقود الأحفوري، بنسبة تصل إلى 99%، ما يجعل البلاستيك امتدادًا لسلسلة الكربون الأحفوري.

ويلفت التقرير إلى أن استمرار اتجاهات الإنتاج الحالية يعني أن قطاع البلاستيك في طريقه لاستهلاك 20% من إنتاج النفط العالمي بحلول عام 2025. الأمر الذي يجعل مكافحته أيضًا، في صميم جهود التخفيف من آثار التغير المناخي.

وتمثل المواد البلاستيكية ما بين 60% و80% من النفايات الموجودة في البيئة البحرية و90% من النفايات العائمة على البحار والمحيطات، بحسب دراسة منشورة في دورية Marine Pollution Bulletin. بينما تُقدّر كمية النفايات البلاستيكية التي تتسرّب سنويًا إلى النظم المائية، بما فيها الأنهار والبحار، بما يتراوح بين 19 و23 مليون طن.

الميكروبلاستيك.. التلوث الخفي

يتعرض البلاستيك الموجود في البيئة المحيطة إلى التفكك أو التآكل بسبب التعرّض إلى العوامل البيئية والمناخية، وينتج عن هذا التفتت جسيمات متناهية الصغر، تعرف باللدائن الدقيقة أو “الميكروبلاستيك”، وهي جزيئات صغيرة ذات أبعاد ميكرونية تقل عن 5 مليميتر.

هذه الجسيمات تجد طريقها إلى النُظم البيئية والسلسلة الغذائية للكائنات الحية وكذا جسم الإنسان، حيث تم رصد الميكروبلاستيك في مختلف أعضاء الجسم البشري، ما يُثير أبعادًا مقلقة لتأثيرها على الصحة.

وتُشير الدراسات إلى أن الإنسان يتعرض للميكروبلاستيك عبر ثلاث مسارات رئيسية، تتضمن الابتلاع والاستنشاق والتعرض الجلدي، ويُقدر الباحثون أن الإنسان يستهلك سنويًا ما بين 74,000 و121,000 جسيم من الميكروبلاستيك عبر الطعام والماء والهواء، تتراكم في أعضاء مثل الكبد والكلى والأمعاء.

ووجدت دراسة نشرت في دورية Nature Medicine  عام 2025 أن هذه الجسيمات خاصة المصنوعة من البولي إيثيلين، قادرة على اختراق الحاجز الدموي الدماغي والنفاذ إلى أنسجة الدماغ البشري.

تأثيرات متزايدة على البيئة البحرية

يشكل التلوث البلاستيكي تهديدًا متزايدًا للاقتصاد الأزرق والقطاعات الحيوية التي تعتمد على الموارد البحرية، كما تؤكد الدكتورة علا عبدالوهاب مدير فرع المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد للبحر المتوسط والبحيرات الشمالية. حيث يتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة تقدر بمليارات الدولارات سنويًا، نتيجة تأثيره على قطاعات مثل الصيد والسياحة، كما تُشير.

وتوضح في حديثها لـ”أوزون” أن هذا التلوث يؤثر على البيئة البحرية بطرقٍ عدة، من بينها اختناق الكائنات البحرية وتسممها بسبب ابتلاع البلاستيك أو تشابكها به، مما يؤدي إلى اضطراب السلسلة الغذائية. كما يمتد التأثير إلى النظم البيئية البحرية، ومنها الشعاب المرجانية والنباتات البحرية والطحالب الدقيقة.

هذه النظم تتضرر بشكلٍ كبير بسبب حجب البلاستيك لضوء الشمس وتعطيله لدورة المغذيات. لافتةً إلى أن الجسيمات الدقيقة ذاتها تُطلق موادًا كيميائية ضارة مثل الفثالات وثنائي الفينول أ، مما قد يغير من خصائص المياه ويؤثر على الكائنات البحرية الحساسة.

ووفقًا تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، يحد ابتلاع الأسماك للجسيمات البلاستيكية من جودتها، ويعرّض صحة المستهلكين للخطر بسبب انتقال السموم عبر السلسلة الغذائية.

من جانبها تلفت الدكتورة سهى شبكة الباحث بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد بالإسكندرية، إلى الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها السياحة الشاطئية أيضًا جرّاء هذا التلوث، حيث تفقد الشواطئ الملوثة جاذبيتها للسياح، خاصة في الدول المطلة على البحر المتوسط. كما يؤدي تدمير المناظر الطبيعية البحرية مثل الشعاب المرجانية، إلى تقليص فرص ممارسة الأنشطة السياحية المائية.

وتشير التقديرات إلى أن المناطق الأكثر تضرراً قد تشهد انخفاضًا في الإيرادات السياحية يصل إلى 30%، إضافةً إلى التكاليف الباهظة لعمليات تنظيف الشواطئ وإدارة المخلفات.

المتوسط في قبضة البلاستيك

تبدو الأزمة جليّة في البحر المتوسط بسبب طبيعته شبه المغلقة، ما يؤدي إلى تراكم النفايات البلاستيكية بمعدلات أعلى مقارنةً بالبحار المفتوحة، كما تؤكد شبكة في حديثها لـ”أوزون”، مضيفة: هناك أكثر من 134 نوعًا بحريًا في المتوسط، بعضها مهدد بالانقراض، تتأثر بشكل مباشر بالتلوث البلاستيكي.

تشير تقارير الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) إلى أن المتوسط يتلقى حوالي 229 ألف طن من البلاستيك سنويًا، مما يجعله أحد أكثر البحار تلوثًا في العالم. وتتنوع مصادر هذا التلوث كما توضح، لكن أهمها يأتي من المخلفات البلدية التي تصل إلى البحر عبر الممرات المائية والالقاء العشوائي، حيث تشكل حوالي 80% من إجمالي البلاستيك في المتوسط.

وتوضح الدكتورة علا أن المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد في مصر يعمل على مجابهة هذه المشكلة البيئية، على أكثر من مسار، حيث نُجري أبحاثًا ومسوحات دورية لرصد مستويات البلاستيك في المياه والسواحل المصرية، ودراسة تأثيره على الكائنات البحرية والأسماك.

كما يقوم المعهد بحملات توعوية بالتعاون مع الجهات المعنية باجهزة الدولة  لتنظيف الشواطئ وتثقيف الصيادين والمجتمعات المحلية حول مخاطر التلوث البلاستيكي، كما تُشير عبدالوهاب.

مضيفةً: نحن بصدد إقامة وحدة لتنظيف الملوثات البلاستيكية وتهيئتها لإعادة التدوير، فمشكلة المخلفات القادمة من البحر والتي تجمع من خلال حملات التنظيف، أنها تكون مليئة بالشوائب والرمال والطمي، ما يتطلب عمليةً متخصصةً لتنظيفها وجعلها قابلة لإعادة التدوير.

تحركات المجتمع المدني

يبرز دور منظمات المجتمع المدني بقوة في مواجهة التلوث البلاستيكي، من خلال حملات ضغط ومساءلة قانونية استهدفت كبرى شركات إنتاج المشروبات والسلع الاستهلاكية. وأصبحت شركات مثل كوكاكولا وبيبسيكو ونستله هدفًا مباشراً لهذه الحملات، حيث وُصفت بأنها من أبرز مسببي التلوث البلاستيكي عالميًا.

في عام 2023 تم تصنيف شركة كوكاكولا كأكبر ملوث بلاستيكي في العالم للسنة السادسة على التوالي. وفقًا لتقرير تدقيق العلامات التجارية الصادر عن منظمة “Break Free From Plastic”.

ومن المتوقع أن يصل استخدام الشركة للبلاستيك إلى 4.1 مليون طن متري سنويًا بحلول عام 2023، بحسب منظمة “Oceana” مع احتمال تسرب 602 ألف طن متري من هذه العبوات إلى البحار والأنهار.

تحديات إعادة التدوير

يذهب الاتجاه العالمي لمجابهة هذا التلوث إلى الحد من عمليات الإنتاج بالأساس، وخاصة منتجات البلاستيك أحادي الاستخدام، فضلاً عن مضاعفة عملية إعادة التدوير الذي يُسهم بدوره في تقليل الإنتاج.

ويشدد المهندس أيمن محمود، خبير إعادة تدوير البلاستيك بمركز تكنولوجيا البلاستيك التابع لوزارة الصناعة المصرية، على أن مواجهة هذه الأزمة، يجب أن تتم بإدخال تغييرات جذرية على جميع مراحل سلسلة قيمة البلاستيك، التي تبدأ من عملية التصنيع والإنتاج إلى الاستهلاك، وكيفية التعامل مع المخلفات وإعادة التدوير.

لا يرى محمود أن المواد البديلة للبلاستيك مثل المواد القابلة للتحلل حلاً للمشكلة، فهناك تجارب عديدة في إنتاج البلاستيك القابل للتحلل لكن التجربة أثبتت فشلها، كما يقول في حديثه لـ”أوزون”.

ويؤكد أن منظومة إعادة تدوير البلاستيك، خاصة في الدول النامية ومن بينها مصر، تواجه تحدياتٍ عدّة تحد من فاعليتها. فوفقًا للمهندس أيمن يمثل غياب الوعي البيئي وثقافة التعامل مع المخلفات والفصل من المنبع، عائقًا كبيرًا أمام التوسع في منظومة إعادة التدوير.

كما أن كثير من العاملين في هذه المنظومة، لا يزالون يعملون بصورة بدائية ودون اتباعٍ للمواصفات القياسية للصناعة، ما ينعكس على جودة المنتجات البلاستيكية المُعاد تدويرها. ما يستلزم ضرورة تأهيل هذا القطاع ورفع كفاءة العاملين.

ليست جميع المنتجات البلاستيكية قابلة عمليًا لإعادة التدوير، كما يُشير، إما لنوع المواد المصنوعة منها أو لصعوبة جمعها، حيث يوضح محمود أن الأزمة الحقيقية تكمن في الأكياس الخفيفية أحادية الاستخدام، التي تُنتَج وتُستهلك بصورة هائلة، هذه الأكياس تتطاير لتستقر في التربة أو المجاري المائية، ومن الصعب جدًا إخضاعها لمراحل الجمع والفرز.

ويشير إلى أن هناك تحدٍ آخر يرتبط بالعمر الحراري للبوليمرات، والذي يتأثر نتيجة لإخضاع الخامات البلاستيكية لإعادة التدوير أكثر من مرة، نتيجة الإجهاد الناتج عن عملية التسخين، فكلما زادت عملية إعادة التدوير كلما قلت جودتها وكفاءتها.

شارك:

Picture of ندى البدوي

ندى البدوي

صحفية مصرية متخصصة في قضايا البيئة والمناخ والاستدامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

logo-oxary
Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore