يرى البعض أن هناك صعوبة في فهم أزمة تغير المناخ العالمية لكونها مسألة علمية معقدة، لكن هذا غير صحيح، يمكن للجميع بمختلف أعمارهم وفئاتهم وخلفياتهم الثقافية فهم الأمور الرئيسة المتعلقة بظاهرة التغير المناخي، بل ويجب عليهم فهمها لما لها من تأثير كبير على حياتهم.
قبل أن نتحدث عن المقصود بـ تغير المناخ، لا بد أولًا أن نفرق بين مصطلحين، البعض يخلط بينهما، رغم أنهما مختلفان عن بعضهما البعض، وهما الطقس والمناخ.
الفرق الأساسي بين الطقس والمناخ هو في المدة الزمنية التي يتم الإشارة إليها. الطقس يعرف بظروف الغلاف الجوي على مدى فترة زمنية قصيرة (ساعة أو يوم أو أسبوع) بينما يشير مصطلح المناخ إلى كيفية “تصرف” الغلاف الجوي على مدى فترات زمنية طويلة نسبيًا (سنوات أو حتى مئات السنين).
أما مصطلح المناخ الإقليمي فهو يعبر عن متوسط نموذج الطقس في مكان ما على مدى فترات طويلة من الزمن، بما فيها التغيرات الموسمية. ويشمل المناخ الإقليمي درجة الحرارة والرطوبة وهطول الأمطار وعدد الجزيئات في الغلاف الجوي وعوامل جوية أخرى عديدة في منطقة معينة. ويتأثر مناخ كل منطقة حسب خط العرض الذي تقع عليه وطبيعة تضاريسها وارتفاعها وكذلك قربها من المحيطات وتياراتها البحرية ووجود غطاء جليدي أو ثلجي دائم وغيرها من العوامل.
من جهة أخرى، يمكننا أن ننظر إلى المناخ على نطاق الكوكب بأسره. فالمناخ العالمي هو وصف مناخ الكوكب ككل لمتوسط الاختلافات بالمناخات الإقليمية. ويعتمد هذا المناخ بشكل عام على مقدار الطاقة التي يتلقاها من الشمس وكمية الطاقة المختزنة في النظام.
اقرأ أيضًا.. 10 اجراءات يمكنك اتباعها لتقليل البصمة الكربونية والحد من تغيرات المناخ
تغير المناخ
يقصد بتغير المناخ، وفق الأمم المتحدة، التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. قد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث، على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية. وقد تكون غير طبيعية، تحدث نتيجة للممارسات البشرية المضرة بالبيئة، فمنذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيس لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز.
ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، ما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس التي تعكسها الأرض ليلًا، فترتفع درجات الحرارة، هذا الارتفاع في درجة الحرارة العالمية يسمى بـ الاحتباس الحراري، وأحيانًا الاحترار العالمي.
غازات الدفيئة (ويشارُ إليها أحياناً برمز GHG اختصاراً) هي غازاتٌ توجد في الغلاف الجوي لكوكب الأرض، وتتميز بقدرتها على امتصاص الأشعةِ تحتِ الحمراءِ التي تطلقها الأرضُ فتحتفظ بها وترفع درجة حرارة الهواء، بذلك يقلل من ضياع الحرارةِ من الأرض إلى الفضاء ما يجعلها تساهم في تسخين جوِّ الأرض.
من دون غازات الاحتباس الحراري سيكون متوسط درجة حرارة سطح الأرض حوالي (-18) درجة مئوية بدلاً من المتوسط الحالي البالغ (15) درجة مئوية، وهو أمر جيد عندما تكون تركيزات تلك الغازات في الغلاف الجوي في معدلها الطبيعي، لكن زيادة تركيزاتها يرفع درجة حرارة الأرض وبالتالي يتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي.
تركيزات غازات الدفيئة بلغت أعلى مستوياتها منذ مليوني سنة والانبعاثات مستمرة في الارتفاع. ونتيجة لذلك، أصبحت الكرة الأرضية الآن أكثر دفئًا بمقدار 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر. وكان العقد الماضي (2011-2020) الأكثر دفئًا على الإطلاق.
تشمل أمثلة انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب تغير المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان. تنتج هذه الغازات، على سبيل المثال، عن استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني. يمكن أيضا أن يؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون. وتعتبر مدافن القمامة مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات غاز الميثان. ويعد إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين مصادر الانبعاث الرئيسية.
يعتقد الكثير من الناس أن تغير المناخ يعني أساسًا ارتفاع درجات الحرارة، ولكن ارتفاع درجة الحرارة ليس سوى بداية القصة، ولأن الأرض عبارة عن نظام، حيث كل شيء متصل، فإن التغييرات في منطقة واحدة قد تؤدي إلى تغييرات في جميع المناطق الأخرى.
وهنا يجدر الإشارة إلى أمر أخر يحدث التباسًا لدى البعض، وهو الفرق بين التغير المناخي والاحتباس الحراري.
عادة ما يستخدم الناس المصطلحين بالتبادل، على افتراض أنهما يدلان على الأمر نفسه. لكن هناك فرق بين الاثنين: إذ يشير الاحتباس الحراري إلى ارتفاع متوسط درجة الحرارة قرب سطح الأرض، أما التغير المناخي فيشير إلى التغيرات التي تحدث في طبقات الغلاف الجوي منها ارتفاع درجة الحرارة بجانب تغيرات أخرى مثل هطول الأمطار وغيرها من التغيرات التي يتم قياسها على مدار عقود أو فترات أطول.
يفضل استخدام مصطلح التغير المناخي عند الإشارة إلى تأثير عوامل أخرى غير ارتفاع درجة الحرارة.
اقرأ أيضًا.. Don’t Look Up صرخة نجوم هوليوود لتحذير العالم من تغيرات المناخ
كيف عرفنا أن المناخ يتغير؟
يتغير مناخ الأرض باستمرار، حتى قبل وقت طويل من ظهور البشر في الصورة. على مدى ملايين السنين، ارتفعت درجة حرارة مناخ الأرض وهبطت عدة مرات. ومع ذلك، فإن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض اليوم أسرع بكثير مما كانت عليه في تاريخ البشرية.
بدأت وكالة ناسا إطلاق أقمار صناعية لمراقبة طقس الأرض في عام 1960، وقامت ناسا وشركاؤها الدوليون بتشغيل الأقمار الصناعية لرصد أمور مهمة، منها على سبيل المثال:
كيف تتغير الأرض؟ سبب هذه التغييرات؟ كيف يمكن إدارة مواردنا الطبيعية بشكل أفضل؟ هل يمكن تحسين استجاباتنا للكوارث الطبيعية؟ وماذا يحمل المستقبل؟
درس العلماء مناخ الكوكب باستخدام أدوات عدة في الأرض و الهواء والفضاء، مثلًا، تدور أقمار ناسا حول الأرض لتقيس ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي وترصد ذوبان الجليد وتقيس ارتفاع مستوى البحار. تساعد هذه المعلومات في معرفة المزيد عن مناخ الأرض المتغير.
ظل العلماء يراقبون الأرض لعشرات السنين منذ ذلك الوقت. واستخدموا أقمار ناسا الصناعية وأدوات أخرى لجمع أنواع عديدة من المعلومات حول الأرض والغلاف الجوي والمحيط والجليد.
كشفت هذه المعلومات أن مناخ الأرض يزداد دفئًا، ولاحظ العلماء تغييرات غير عادية في الآونة الأخيرة. على سبيل المثال، كان متوسط درجة حرارة الأرض يرتفع بسرعة أكبر بكثير مما كان متوقعًا خلال الـ 150 عامًا الماضية.
على سبيل المثال، تُظهر لنا المعلومات المستقاة من أقمار الأرض التابعة لناسا أنه في كل صيف، يذوب بعض جليد القطب الشمالي وينكمش، ويصبح أصغر بحلول سبتمبر. ثم، عندما يأتي الشتاء، ينمو الجليد مرة أخرى. ولكن منذ عام 1979، أصبح الجليد في شهر سبتمبر أصغر وأصغر، والطبقة الجليدية أصبحت أرق. لذلك، يمكن أن يكون لمقدار صغير من الاحترار تأثير كبير على مدى عدة سنوات.
الأنهار الجليدية هي شكل آخر من أشكال ذوبان الجليد وتقلصه، والأنهار الجليدية هي أنهار متجمدة، تتدفق على الأرض مثل الأنهار العادية، إلا أنها تتحرك بشكل أبطأ بكثير، تؤدي درجات الحرارة الأكثر دفئًا إلى تدفقها بسرعة أكبر، ما يجعل الكثير من الجليد يتدفق نحو المحيطات، وينقسم إلى قطع ضخمة تسقط في الماء.
مع ذوبان المزيد من الأنهار الجليدية في المحيط، يرتفع مستوى سطح البحر العالمي، وهو دليل آخر يخبرنا أن مناخ الأرض يزداد دفئًا.
لكن ذوبان الجليد ليس هو السبب الوحيد لارتفاع مستوى سطح البحر، عندما يصبح المحيط أكثر دفئًا، يتمدد الماء بالفعل، حيث لاحظ العلماء أن مستوى سطح البحر قد ارتفع بمقدار 7 بوصات في المائة عام الماضية.
اقرأ أيضًا.. نعم.. التغيرات المناخية هي السبب في ثلوج الإسكندرية “3 خبراء يؤكدون”
عواقب تغير المناخ
تشمل عواقب تغير المناخ، من بين أمور أخرى، الجفاف الشديد وندرة المياه والحرائق الشديدة وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي.
يمكن أن يؤثر تغير المناخ على صحتنا وقدرتنا على زراعة الأغذية والسكن والسلامة والعمل. البعض منا أكثر عرضة لتأثيرات المناخ، مثل الأشخاص الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة والبلدان النامية الأخرى. لقد ساءت الظروف مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وتسلل المياه المالحة إلى درجة اضطرت فيها مجتمعات بأكملها إلى الانتقال، كما أن فترات الجفاف الطويلة تعرض الناس لخطر المجاعة. في المستقبل، من المتوقع أن يرتفع عدد “اللاجئين بسبب المناخ”.
في تقرير أعدته الأمم المتحدة عام 2018، أقر آلاف العلماء والجهات المستعرضة الحكومية على أن الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية سيساعدنا على تجنب أسوأ التأثيرات المناخية والحفاظ على مناخ صالح للعيش.
تأتي الانبعاثات التي تسبب تغير المناخ من كل منطقة من العالم وتؤثر على الجميع، لكن بعض البلدان تنتج أكثر بكثير من غيرها، حيث أن المائة دولة التي تنتج أقل قدر من الانبعاثات تولد 3 في المائة فقط من إجمالي الانبعاثات، بينما البلدان العشرة التي تنتج أكبر قدر من الانبعاثات تولد 68 في المائة من الانبعاثات. يجب على الجميع اتخاذ إجراءات بشأن المناخ، لكن البلدان والأشخاص الذين يتسببون في أكبر قدر من المشكلة يتحملون مسؤولية أكبر لمباشرة العمل بشأن المناخ.
اقرأ أيضًا.. الهندسة الجيولوجية الشمسية.. محاولات علمية للتدخل في نظام المناخ على الأرض
الحلول لمواجهة تغيرات المناخ
يمكن أن تحقق العديد من حلول تغير المناخ فوائد اقتصادية مع تحسين حياتنا وحماية البيئة، بالإضافة إلى ذلك، تم إبرام اتفاقيات عالمية لإرشاد التقدم، مثل الاتفاقية الإطارية بشأن تغیر المناخ واتفاقية باريس. هناك ثلاث فئات عامة من الإجراءات ينبغي اتخاذها، وهي: خفض الانبعاثات، والتكيف مع تأثيرات المناخ، وتمويل التعديلات المطلوبة.
سيؤدي تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، إلى تقليل الانبعاثات المسببة لتغير المناخ. لكن علينا أن نبدأ الآن. يلتزم تحالف متنام من البلدان بالوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050، ومع ذلك يجب أن يتم خفض الانبعاثات بحوالي النصف بحلول عام 2030 للحفاظ على الاحترار بأقل من 1.5 درجة مئوية، ويجب أن ينخفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 6 في المائة تقريبًا سنويًا خلال العقد 2020-2030.
من جهة أخرى، فإن التكيف مع العواقب المناخية يحمي الناس والمنازل والشركات وسبل العيش والبنية التحتية والنظم البيئية الطبيعية، بحيث يشمل التأثيرات الحالية والتي يحتمل أن تحدث في المستقبل. يجب أن يتم التكيف في كل مكان، ويجب إعطاء الأولوية الآن للأشخاص الأكثر ضعفًا الذين لديهم أقل الموارد لمواجهة مخاطر المناخ، إذ أن معدل العائد قد يكون مرتفعًا. على سبيل المثال، أنظمة الإنذار المبكر للكوارث تنقذ الأرواح والممتلكات، وقد تمكن من تحقيق فوائد تصل إلى 10 أضعاف التكلفة الأولية.
يتطلب العمل المناخي استثمارات مالية كبيرة من قبل الحكومات والشركات، وهو ما يطلق عليه “التمويل المناخي”، لأن التقاعس عن العمل المناخي قد يكلف العالم ثمنا باهضاً. تتمثل إحدى الخطوات الحاسمة بشأن تمويل تغير المناخ في وفاء البلدان الصناعية بالتزامها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا إلى البلدان النامية حتى تتمكن من التكيف والتحرك نحو اقتصادات أكثر اخضرارًا.