مونتريال- كندا
من المقرر أن يختتم مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، أو COP15، غدًا الاثنين في مونتريال، بعد وضع اللمسات الأخيرة على صفقة عالميةــ تأخرت كثيراًــ بشأن حماية التنوع البيولوجي العالمي.
يسعى الأطراف في الاتفاقية لوضع نص نهائي وتنفيذي لما يسمى بالإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020 (GBF) وهو ركيزة لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي، ويشبه لحد كبير اتفاق باريس وأهميته بالنسبة للاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ.
يعتبر الإطار مهمًا لمصير الكوكب مثل اتفاقية باريس، حيث يشمل خطة لحماية ما لا يقل عن 30 في المائة من الأراضي و30 في المائة من المحيط، على مستوى العالم، بحلول عام 2030، وهو ما يعرف بهدف 30×30 للأرض والمحيطات، وتدعمه 116 دولة من إفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكتين، وجميعهم تقريبًا أعضاء في تحالف الطموح العالي للطبيعة والناس.
في الأسبوع الأول من Cop15، حث رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، الدول “الخمس الكبرى”، روسيا وكندا والصين والولايات المتحدة والبرازيل، على اعتماد هدف 30×30 لجعله فعالًا قدر الإمكان، وهو ما تحقق خلال المؤتمر.
حتى الآن، لا تزال المفاوضات حول النص النهائي الداعم لـ هدف 30×30، متعثرة نوعًا ما، ومن المرجح أن ينتهي المؤتمر الخامس عشر للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي دون تقدم يذكر.
اقرأ أيضًا.. في يومه بـ COP27.. اعرف ما هو التنوع البيولوجي وأهميته؟ وكيف يتأثر بتغير المناخ؟
ما هو هدف 30×30 للتنوع البيولوجي؟
في قلب الصفقة المطروحة للتفاوض، هناك هدف جديد وطموح يتجاوز الالتزامات الفاشلة السابقة لحماية التنوع البيولوجي.
أطلق على هذا الهدف اسم مختصر ومثير للانتباه، “30×30″، وهو يعني إلزام دول العالم بحماية وتخصيص نسبة 30% من أراضي وبحار الكوكب لتبقى مناطق طبيعية بحلول عام 2030.
يسعى هدف 30×30 إلى وقف الخسارة المتسارعة للأنواع وحماية النظم البيئية الحيوية التي تشكل مصدر أمننا الاقتصادي.
يعد الهدف أحد أبرز الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات في المؤتمر الخامس عشر للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي 2022، والمنعقد الآن في مونتريال كندا، حيث يسعى الأطراف لاتفاق حول الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020 (GBF)، والذي يشمل خطة شاملة لحماية ما لا يقل عن 30 في المائة من الأراضي و30 في المائة من المحيط، على مستوى العالم، بحلول عام 2030.
يعتمد هدف 30 × 30 الذي يحركه العلم، على ضمان الحقوق الكاملة للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية والتمويل الكافي من مجموعة من الممولين.
أقرت هدف 30×30 حتى الآن أكثر من 100 دولة حول العالم، ومؤخرًا، صدقت مجموعة الدول السبع، كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، على الهدف العالمي.
اقرأ أيضًا.. كل ما تريد معرفته عن مؤتمر التنوع البيولوجي للأمم المتحدة COP15 في مونتريال
من أين جاء هدف 30×30؟
كان هدف 30×30 بالنسبة إلى العديد من علماء الأحياء المختصين بشؤون الحفاظ على الطبيعة بمثابة الحلم بعيد المنال، حتى تحول إلى خطة مطروحة على طاولة البحث والتفاوض بالفعل بين الأطراف الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي.
يعد هذا الهدف مهم لنا كبشر، فالتنوع البيولوجي هو أمر مهم لحياتنا اليومية بشكل عام، حيث توفّر الطبيعة السليمة مجالاً من “خدمات النظام الإيكولوجي”، بدءاً من دعم الحياة، مثل الهواء والماء النظيف، والتربة الخصبة والتأبير، إلى الفوائد النفسية، والحماية من تغير المناخ، والطقس المتطرف والكوارث الطبيعية، فضلاً عن انخفاض خطر انتشار الأمراض مثل كوفيد19.
وُضِعَت اتفاقية التنوع البيولوجي (اختصارا: الاتفاقية CBD) في ختام قمة الأرض التي عقدت في عام 1992، في مدينة ريو دي جانيرو، بهدف تنسيق الجهود لحفظ التنوع البيولوجي، ومنذ ذلك الحين جرى التوقيع عليها من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باستثناء الولايات المتحدة والفاتيكان.
لكن حتى الآن لم تحقق الاتفاقية معظم أهدافها التي تأسست من أجلها، وينطبق ذلك على جميع الأهداف العشرين التي اتفق على تنفيذها لمدة عقد بدءاً من عام 2010.
ويطلق عليها هذه الحزمة الأخيرة من الأهداف “أهداف آيتشي للتنوع الحيوي”، نسبة لمدينة آيتشي اليابانية التي احتضنت نسخة المؤتمر في 2010، وهي تشمل كل ما هو مهم لاستعادة الطبيعة، بدءاً من منع المساعدات عن الأنشطة الضارة بالتنوع البيولوجي إلى خفض فقدان الموائل البيئية بنسبة النصف، وتبني أساليب زراعية مستدامة.
قُدّمَ اقتراح مفهوم “المناطق المحمية” أو ما عرف بمناطق السياج الدائري أول مرة في العام 1972 من قبل عالمي الإيكولوجيا الأخوين يوجين وهاوارد أودوم، اللذان أكدا أنه من الصواب السعي إلى الحفاظ على 50 % من الأرض.
ومنذ ذلك الحين صار هذا حجر الزاوية في سياسة الحفاظ على الطبيعة.
يقول بول ليدلي من جامعة باريس ساكلاي في فرنسا: “نحن نعلم أن المناطق المحمية، عندما تطبق بنحو صحيح، تكون مهمة فعلاً للحفاظ على التنوع البيولوجي”.
ركّزت المحاولات الأولى لحماية المناطق الطبيعية أو ما نسميه “الحفظ المستند إلى المنطقة”، على حفظ “عينات تمثيلية” لجميع النظم الإيكولوجية المعروفة، على أساس أن هناك واجباً أخلاقياً وعملياً بعدم ترك الأنواع تنقرض، ولكن هذه المساحة كانت مطلوبة أيضاً من أجل التنمية البشرية.
وقد أدى ذلك إلى اقتراح مبدئي حددته اتفاقية التنوع البيولوجي، بترك ما يقرب من 10 إلى 12 % من سطح الأرض لأدوات الطبيعة.
بحلول 2010، لم يتمكن العالم من تحقيق هذا الهدف، بيد أن العلم اكتشف أيضًا أن هذا الهدف لا يكفي لحماية الأرض.
في مؤتمر آيتشي اليابانية 2012، رفع الهدف جزئياً إلى نسبة 17 % على اليابسة و10 % في المحيطات بحلول عام 2020.
وفي عام 2020، أمكن حماية 15 % فقط من الأراضي و7% فقط من البحار، وأعلنت أمانة اتفاقية التنوع البيولوجي أن الهدف قد “تحقق جزئياً”.
حتى وقت مبكر من عام 2010، كان الكثير من علماء الأحياء يطالبون بأهداف أبعد من ذلك بكثير، وذلك بناءً على إدراك أن العينات التمثيلية لم تكن كافية.
وكانت عملية الحفظ الفعّال تعني إبقاء الأنواع الحية ضمن توزعها الطبيعي ووفرة أعدادها، وتأسيس حواجز تحول دون انقراضها، وتمكين النظام الإيكولوجي بكامله من أن يؤدي عمله، مع الحفاظ على فعالية خدمات النظام الإيكولوجي وخلق مرونة في مواجهة التغيرات البيئية مثل الاحترار العالمي.
هناك العديد من الدراسات التي أظهرت أنه إذا أراد العالم حماية التنوع البيولوجي وجميع فوائده التي يمنحها للبشرية، بما في ذلك عزل الكربون وتخزينه، وتوفير المياه العذبة، فنحن بحاجة إلى حماية نصف الكوكب تقريباً وأن يكون في حالته الطبيعية.
تستشهد اتفاقية التنوع البيولوجي بثمانية أبحاث رئيسية تقول إن العالم بحاجة للحفاظ على الحالة الطبيعية لحد أدنى 30% من الكوكب.
بينما تستقر معظم الدراسات على نسبة تزيد على 50 %، وبعضها يذهب إلى 80 %. وقلة منها تتراجع إلى أقل من 30 %، ولكن دوماً مع إخلاء المسؤولية.
هذا هو السبب في أن الطموح العالمي، تركز قبل عامين، على خطة 30×30، للحفاظ على الحالة الطبيعية لـ 30 % من الكوكب.
صار الهدف محورياً جداً قبل انعقاد الجزء الأول من مؤتمر الأطراف COP15 في كونمينغ بالصين، وأصبح محل نقاش لآليات تنفيذه في الجزء الثاني من المؤتمر في مونتريال، المنعقد الآن.
يؤكد الخبراء أنه لتحقيق هدف 30×30 على الأطراف مضاعفة مساحة الأراضي المحفوظة ومضاعفة المناطق البحرية المحمية أربع مرات تقريباً.
اقرأ أيضًا.. في مؤتمر التنوع البيولوجي COP15.. محاولات إنقاذ مليون نوع من النباتات والحيوانات مهددة بالفشل
المخاوف والعوائق
يقول الخبراء أيضًا إن هدف 30×30 هو ضرورة مطلقة لنجاح الاتفاقية وcop15، ورغم ذلك، هناك بعض المخاوف والعوائق التي تواجه المفاوضات بشأن الهدف.
تتمثل المخاوف المطروحة من الخبراء، في أن يجري تمييع خطة 30×30 أو إسقاطها من النص النهائي؛ أي إنه إذا نص على تقليصها، فلن يمكن الوصول إليها؛ وإذا أمكن بلوغها، فلن تحقق هدفها المعلن المتمثل بحماية التنوع البيولوجي بشكل فعّال.
من المرجح أن تأتي هذه المقاومة من البلدان منخفضة الدخل حيث يوجد معظم التنوع البيولوجي المتبقي على الكوكب. ويتمثل اعتراضهم بأن الدول مرتفعة الدخل قد دمرت بالفعل تنوعها البيولوجي في سعيها إلى تحقيق نموها الاقتصادي، والآن يريدون منهم أن يقاوموا فعل الشيء نفسه.
لذا من المحتمل جداً أن تتوقف المفاوضات عند نقطة شائكة مألوفة في مفاوضات المناخ: استعداد البلدان ذات الدخل المرتفع لتعويض البلدان الأقل دخلاً والغنية بالتنوع البيولوجي عن القيام بالجزء الأكبر من المهمة. فالأمر كله يتعلق بالمال.
يقول الخبراء إنه إذا أمكن التوصل إلى اتفاق ما بشأن التمويل، فهناك ما يكفي تقريباً من الطبيعة البكر لحماية نسبة 30 %.
وعلى الرغم من جميع المخاطر، ثمة حماسة متزايدة لخطة 30×30: فقد انضم أكثر من 100 دولة، بما في ذلك العديد من الدول منخفضة الدخل، إما إلى تجمع تحالف الطموح العالي من أجل الطبيعة والناس، الذي يلتزم بخطة هدف 30×30 للبر والبحر، أو إلى خطة التحالف العالمي للمحيطات 30×30 في البحر، أو إلى كليهما.
لكن بعض البلدان الكبيرة التي تحتوي على الكثير من التنوع البيولوجي، بما في ذلك البرازيل والصين وروسيا وإندونيسيا، لم تنضم إلى الخطة بعد.
يجدر الإشارة هنا إلى أن المعنى الذي ستبلغه خطة 30×30 مفتوح، فالخطة أُطّرت حالياً كهدف عالمي، ولكنها يمكن أن تصير سلسلة من الأهداف الوطنية، حيث تبقي فيها كل دولة على نسبة 30 % من مساحتها البرية والبحرية.
في نهاية المطاف، تحقيق خطة هدف 30×30 هو مجرد هدف واحد من 21 هدفاً في مسودة المعاهدة. إنه جزء مهم، لكنه غير كاف إلى حد كبير لتحقيق الأهداف العامة. نحتاج أيضاً إلى التأكد من إدارة الأسباب الأخرى لخسارة التنوع البيولوجي، مثل تغيّر المناخ، والتلوث، والأنواع الحية الغازية التي لا تحترم حدود المناطق المحمية.
اقرأ أيضًا.. في مؤتمر التنوع البيولوجي COP15.. بارومتر IUCN يوثق استعادة النظم البيئية في 18 دولة
أراضي السكان الأصليين
تعد الكثير من مناطق سطح الأرض الأكثر تنوعاً بيولوجيا محمية بنحو جيد جداً ــ لكن لم يعترف رسمياً أنها كذلك.
ذكرت منظمة ريزلوف Resolve غير الحكومية في واشنطن، إن ما يقرب من نصف مساحة اليابسة إما أنه لم يمس بالتأثير البشري، أو أنه لم يمس نسبياً، وخاصة في مناطق الصحراء الكبرى وحوض الأمازون والمناطق الأسترالية النائية وغابات التندرا والغابات الثلجية في القطب الشمالي.
وعندما نضيف مواطن الشعوب الأصلية، وهي مناطق عالية التنوع البيولوجي بنحو عام، فربما نكون قد بلغنا تقنياً خطة هدف 30×30 بالفعل.
ففي معظم أنحاء العالم، من القطب الشمالي إلى المحيط الهادئ الجنوبي، يُعتقد أن نسبة 80 % تقريباً من التنوع البيولوجي المتبقي على كوكب الأرض هي موجودة في مناطق يديرها ويمتلكها سكان أصليون.
إن ما يقرب من 7% من الأراضي المدرجة في قاعدة البيانات العالمية للمناطق المحمية التي يحتفظ بها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP هي طبيعية محلية، ولكن نسبة 17 % أخرى من سطح الأرض هي مملوكة، يشغلها أو يديرها سكان أصليون ومجتمعات محلية، كما يذكر إريك دينرشتاين، كبير العلماء السابق في الصندوق العالمي للطبيعة.
ويقول: “تعمل مجموعات السكان الأصليين في حماية التنوع البيولوجي بنحو أفضل مما تفعله الحكومات”. إذا جمعنا كل شيء يخصهم، كما يقول، فقد تجاوزنا بالفعل الهدف الحاسم المتمثل بحماية نسبة 30 % من سطح الأرض.
تكمن المشكلة في أن الحكومات لا تعترف في معظم الأحوال بمطالبات السكان الأصليين بالأرض. ويقول دينرشتاين: “يجب أن نفعل كل ما بوسعنا لتمويل وتمكين مجموعات السكان الأصليين من السيادة على أراضيهم. سيكون هذا أرخص شيء يمكن فعله حتى الآن، وسيكون له أكبر تأثير”.
غالباً ما يكون تمثيل السكان الأصليين في مؤتمرات القمم البيئية العالمية منخفضا، وكثيرا ما تُهمَّش مشاركاتهم.
لذا كانت مشاركة الشعوب الأصلية أيضاً ركناً أساسياً من أهداف آيتشي للتنوع البيولوجي، التي امتدت من عام 2010 إلى عام 2020.
اطمح لأن يكون إتفاق على ٦٧٪ من مساحة الكوكب للحياة الطبيعية