منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

هل قمة المناخ في مصر هي الفرصة الأخيرة؟ “5 طرق لنستعد”

لا شك أن قمة المناخ في مصر 2022، سيكون لها دورًا كبيرًا في أزمة المناخ العالمية، ولعلها، وفق الخبراء، أخر فرصة حقيقية للعالم كي يمضي قدمًا في مسيرته الطويلة لمقاومة التغيرات المناخية وأثارها على الكوكب أو يتعثر للأبد.

في أحدث تحليل نشرته المنصة الرسمية لبرنامج الأمم المتحدة لتجديد إفريقيا، يتدث المحلل الاقتصادي جان بول آدم، مدير قسم التكنولوجيا وتغير المناخ والموارد الطبيعية في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا (ECA)، عن أهمية قمة المناخ في مصر (COP27)، والمزمع إجرائها في نوفمبر 2022، ودورها في معالجة الثغرات والأخطاء التي حدثت في قمة جلاسكو (COP26) نوفمبر الماضي، واضعًا “روشتة” عاجلة من خمسة بنود، يمكن من خلالها أن تستعد دول إفريقيا جيدًا للقمة المقبلة.

يقول أدم إن الجميع كان يعتبر مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغير المناخ (COP26) في جلاسكو نوفمبر الماضي، بمثابة الفرصة الأخيرة لحل مشكلة تغير المناخ، لكنه لم يحقق القدر المأمول منه، وفشل ميثاق القمة في أن يكون نقطة تحول حاسمة في ملف التغيرات المناخية العالمية.

وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدم في القضايا الفنية طويلة الأمد خلال المؤتمر، مثل الالتزام بخفض استخدام الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى؛ والإقرار بالخسارة والأضرار التي تتعرض لها الدول النامية جراء ارتفاع درجات الحرارة وتغيرات المناخ؛ والاتفاق على خطوات فنية لمعالجة الضرر؛ ومضاعفة تمويل التكيف مع التغيرات المناخية للدول النامية؛ والالتزام بوقف إزالة الغابات؛ والانتهاء من تعديل القواعد المنصوص عليها بالمادة 6 من اتفاقية باريس لتسهيل تداول الكربون.

إلا أن القمة لم تحرز تقدمًا ملحوظًا فيما يخص المسألتين الرئيسيتين، وهما إلزام الدول بالوصول إلى صافي صفر كربون لإبطاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية، وتقديم الدعم والتمويل للتنمية من أجل خفض الكربون في الدول النامية والمتضررة.

ويؤكد أدم أن اخفاقات جلاسكو تركتنا عرضة لارتفاع درجات الحرارة بمقدار 2.4 درجة مع نهاية القرن. وهو ما يمثل كارثة كبرى، خاصة بالنسبة للبلدان الأفريقية، حيث أن ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من درجتين يعني خسارة في الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا بنحو 5٪ سنويًا بحلول عام 2030، وفقًا لتحليل أجراه المركز الأفريقي لسياسات المناخ.

كما أن ما حدث في جلاسكو أكد للجميع صعوبة إحراز تقدم في ملف التمويل، حيث لم تلتزم الدول الكبرى بدفع التمويل المستهدف وفق اتفاقية باريس والبالغ 100 مليار دولار لمواجهة أثار تغيرات المناخ، وسجل المؤتمر عجزًا قدره 20 مليار دولار سنويًا من إجمالي التمويل المستهدف، على الرغم من أن قيمة التمويل الذي وعدت به الدول الكبرى ولم تلتزم به، لا يمثل أصلًا سوى 0.4 ٪ من إجمالي التمويل العالمي الذي أنفق في أقل من عامين للتصدي لوباء COVID-19.

وأصبح السؤال الملح الأن، هل ستفي الدول الكبرى بوعودها والتزاماتها فيما يخص التمويل؟

يرى آدم أن الفرصة لم تضع بعد، وهناك بعض الأبواب لا تزال مفتوحة، ويمكننا العبور منها، حيث سيعقد مؤتمر الأطراف المقبل في مصر بعد أقل من عام، وهي فرصة يجب أن نغتنمها، فالزخم العالمي للعمل المناخي في تسارع، حتى لو كان العمل السياسي لا يزال بطيئًا.

وبناء على الثغرات والإخفاقات التي حدثت في COP26، يقترح أدم أن نضع في الاعتبار خمسة أمور رئيسة يمكن أن تساعدنا في التحضير لمؤتمر COP27 في مصر، والذي يهدف بشكل رئيس إلى تأسيس استراتيجية عملية لمساعدة دول إفريقيا على مقاومة المناخ.

 

1. تمويل مناسب لتحقيق انتعاش أخضر في إفريقيا

بُني نهوض أفريقيا ونموها المذهل في مطلع القرن على خلفية صادرات السلع وفرص التجارة العالمية الجديدة.

ومع ذلك، لم يؤد هذا النمو إلى بناء سلاسل قيمة مستدامة ومرنة، وهناك حاجة إلى تجديد عاجل لإفريقيا بالكامل لتعوض ما لم تحققه خلال 10 سنوات مضت.

أجرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا (ECA) تحليلًا اقتصاديًا أظهرت خلاله أن الاستثمار في القطاعات الخضراء في إفريقيا بدلاً من الاستثمار في القطاعات القائمة على الوقود الأحفوري، حقق طفرة في إجمالي القيمة المضافة في الاقتصاد وتوفير فرص العمل.

أظهرت الدراسة أن الاستثمار في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والزراعة الذكية مناخيًا والسياحة البيئية القائمة على الطبيعة في البلدان المستهدفة وصل إلى 420٪ عوائد أفضل في إجمالي القيمة المضافة وعائدات أفضل بنسبة 250٪ في خلق فرص العمل مقارنة بالاستثمار في قطاع الوقود الأحفوري وباقي القطاعات القائمة.

ويؤكد أدم أن الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة يعد أمرًا بالغ الأهمية لدول إفريقيا حيث أن الكهرباء لم تصل إلى نصف سكان 24 دولة إفريقية من أصل 54.

ويضيف: لن يكون هناك انتعاش أخضر عالمي ما لم تكن إفريقيا جزءًا من حزمة الاستثمار.

اقرأ أيضًا.. حملة عالمية لـ تجريم الإبادة البيئية وضمها لاختصاصات المحكمة الجنائية الدولية

 

2. تمويل للاستثمار مقدمًا خلال قمة المناخ في مصر

تحتاج البلدان الأفريقية إلى خيارات تمويل موثوقة لتكون قادرة على الاستثمار مقدمًا لتعظيم عائد الاستثمار.
يوضح تحليل اللجنة الاقتصادية أيضًا أن إفريقيا ربما فقدت ما يصل إلى 5 نقاط مئوية في النمو بسبب تأخر الاستثمار في التحفيز في عام 2020.

وتعتمد البلدان الأفريقية بشكل مفرط على التمويل الخارجي، مدفوع من المانحين أو من الاستثمار الأجنبي المباشر، وإن لم يصبح لديها قدرة على تطوير أسواقها ورأس مالها المحلي، سوف تظل في حاجة إلى التمويلات الخارجية للأبد.

لذا توجيه الاستثمار إلى مجالات مثل مصادر الطاقة المتجددة والبنية التحتية للنقل، من الممكن أن يضاعف نمو الاقتصاد ويؤدي إلى دورة استثمار فعالة.

فيما يتعلق بالهدف المالي العالمي الشامل، دعا المفاوضون الأفارقة إلى هدف سنوي قدره 700 مليار دولار في جلاسكو.

ويقدر بنك التنمية الأفريقي (AfDB) أن المساهمات المحددة وطنيا للبلدان الأفريقية (NDCs) ستمثل فرصة استثمارية تزيد عن 3 تريليونات دولار بحلول عام 2030.

لذا من المفيد أن نستهدف مقدار محدد من التمويل الذي ينبغي تقديمه للدول الإفريقية، على أن يكون متاحًا كمنح وقروض ميسرة، مع أهداف أكثر مرونة وغير محدودة.

هذا مهم حيث أن توفير السيولة المناسبة لأفريقيا وبقية العالم النامي سيكون مفتاحًا لتعافي COVI9-19 والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.

كما أن الدعم المباشر لإفريقيا في ملف التمويل، سوف يساعد على تقديم تمويلات مناخية فعالة من القطاع الخاص العالمي، حيث أن إفريقيا تجتذب حتى اللحظة أقل من 3 ٪ من تمويل المناخ للقطاع الخاص العالمي، وهي نسبة قليلة جدًا.

وتصدر إفريقيا والشرق الأوسط مجتمعين أقل من 1٪ من إجمالي عدد السندات الخضراء على مستوى العالم. سيكون فتح أسواق السندات الخضراء والزرقاء خطوة مهمة لأفريقيا.

 

3. شبكة الطاقة في أفريقيا هي المفتاح للنمو السريع

فيما يتعلق بتخفيف أثار التغيرات المناخية، أصبحت إفريقيا في وضع إيجابي، لكونها موطنًا لـ 17 ٪ من سكان العالم بينما هي مسؤولة عن أقل من 4 ٪ من الانبعاثات العالمية فقط.

لكن استنادًا إلى التقنيات المتاحة حاليًا، وبناءً على التركيبة السكانية لأفريقيا، من المحتم أن ترتفع الانبعاثات في القارة.

هذا هو السبب في أن اتفاقية باريس تقر بأن البلدان النامية سوف تستغرق وقتًا أطول للوصول إلى ذروة الانبعاثات مقارنة بالدول المتقدمة، التي يجب أن تقوم بدورها العادل للتخفيف من أثار تغير المناخ.

أفضل طريقة لتجنب ارتفاع الانبعاثات في إفريقيا والنهوض اقتصاديًا هي اعتماد مسارات الطاقة المتجددة وتطوير سلاسل القيمة الوطنية والإقليمية حول تصنيع ونشر هذه التقنيات.

تأثرت إفريقيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة من تقلب أسعار الوقود الأحفوري، سواء من البلدان المنتجة أو المستوردة على حد سواء.

يمكن للاستثمار المتماسك طويل الأجل في مصادر الطاقة المتجددة درء هذه المخاطر وإطلاق العنان لإمكانات الشركات الصغيرة والمتوسطة (MSMEs) من أجل نهضة إفريقية شاملة.

سيتطلب الأمر زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة في إفريقيا بشكل سريع. على سبيل المثال، إذا كانت إفريقيا ستضاعف توليد الكهرباء باستخدام الغاز الطبيعي فقط، فإن ذلك سيسمح بمضاعفة استثمارات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بمقدار 38 مرة، مع زيادة بنسبة 1٪ فقط في الانبعاثات العالمية.

اقرأ أيضًا.. 10 أطعمة تضر المناخ وتزيد الغازات المسببة للاحتباس الحراري

 

4. المرونة من خلال التكيف مهمة للجدوى الاقتصادية

تعاني إفريقيا من نقص مزمن في موارد التكيف مع تغيرات المناخ، لذا حرصت الأطراف في مؤتمر جلاسكو على الالتزام بمضاعفة تمويل التكيف مع المناخ.

يقلل الاستثمار المسبق في التكيف من تكاليف الخسائر التي يمكن أن تتحقق من أثار التغيرات المناخية طويلة الأجل.

وكما هو موضح في تقرير الحالة والاتجاهات لعام 2021 الصادر عن المركز العالمي للتكيف، تُقدر تكلفة مشاريع التكيف الخاصة بالزراعة عالميًا بحوالي 15 مليار دولار سنويًا، وهو ما يمثل أقل من 10٪ من التكلفة السنوية البالغة 201 مليار دولار التي تدفع من أجل الإغاثة والتعافي من الكوارث بعد الفيضانات والجفاف والكوارث البيئية المماثلة.

تُظهر دراسات الحالة التي أجرتها اللجنة الاقتصادية لأفريقيا أن الاستثمار في المشاريع المتعلقة بالتكيف والمرتبطة بالقطاعات الحيوية مثل الزراعة يمكن أن يحقق عوائد رائعة من حيث القيمة المضافة في جميع مجالات الاقتصاد وخلق فرص العمل.

في جنوب إفريقيا، يمكن تحقيق عائد يزيد عن 150٪ من خلال إعادة التأهيل والاستثمار في المتنزهات الخضراء، في حين تحقق مبادرات الحراجة الزراعية وإعادة التحريج عائدات تزيد عن 100٪.

في جمهورية الكونغو الديمقراطية، يمكن تحقيق عائد يصل إلى 450٪ من خلال الاستثمار في الري وتدابير التكيف المرتبطة به.

في كينيا، يمكن تحقيق عائد يزيد عن 200٪ من استخدام البذور المرنة في الزراعة، كما يمكن تحقيق عوائد مماثلة من خلال إعادة تأهيل المتنزهات الطبيعية والاستثمار فيها.

 

5. ينبغي أن تكافأ أفريقيا لكونها إيجابية صافية

لدى البلدان الأفريقية فرصة جيدة قبل COP27 للاستفادة من أصولها الطبيعية الكبيرة ذات القدرة على امتصاص الكربون العالمي، وحماية هذه المناطق الحساسة.

حيث تمتص أراضي الخث في حوض الكونغو وحده ما يعادل ثلاث سنوات من الانبعاثات العالمية.

وفي الوقت نفسه، ثبت أن مروج الأعشاب البحرية وأشجار المانجروف التي تظهر على سواحل المحيط الأطلسي والمحيط الهندي في إفريقيا تمتص ثلاثة أضعاف الكربون مقارنة بالغابات الاستوائية المطيرة.

لكن رغم أن إفريقيا لديها أعلى غطاء حرجي متبقي في العالم، إلا أن لديها أيضًا أسرع معدل لإزالة الغابات في جميع القارات.

وبالتالي، بدون العناية والاهتمام بتلك المسألة، يمكن أن تتحول المناطق التي تمتص الكربون في إفريقيا إلى مصادر للانبعاثات.

كما يمكن أيضًا ربط الاستثمار في حماية المناطق الممتصة للكربون هذه بخلق فرص عمل مستدامة.

يعد برنامج غرس الأشجار الخضراء في إثيوبيا مثالًا جيدًا على كيفية استخدام إعادة التأهيل البيئي، الذي يهدف إلى الحد من التعرية وتأثير الفيضانات، مع توليد سبل للعيش. على سبيل المثال، زراعة أشجار الفاكهة التي تجلب عوائد للمجتمعات، مع تلبية احتياجات الطاقة.

تطمح الجابون أيضًا في زيادة القيمة المضافة لمواردها الخشبية المستدامة، وتوفير الحماية للغابات مع زيادة سبل العيش للمجتمعات.

تحدثت العديد من البلدان الأفريقية أيضًا بعد COP26 عن الرغبة في تطوير سوق كربون أفريقي مع توافق أسعار الكربون مع أهداف اتفاقية باريس، ما يسمح للبلدان الأفريقية بالاستفادة من رأس مالها الطبيعي وتوجيه تدفقات قد تصل إلى 30 مليار دولار، وفق تقييم اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، نحو التكيف والمرونة.

 

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.