منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

بعد زلزال اليوم.. هل ثمة علاقة بين هزات الأرض وتغيرات المناخ؟

أثار زلزال اليوم،  حالة من الرعب والقلق في جميع مناطق البلاد، وزاد من حالة الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن أسبابه، التي ربطها البعض بتغير المناخ.

كالعادة، وبعد كل ظاهرة طبيعية تحدث، يطفو على السطح سؤالًا مهمًا حول علاقة تلك الظواهر بتغيرات المناخ، خاصة أن العديد من الدراسات أثبتت أن المناخ وتغيراته مسؤولون بشكل أو بأخر عن العديد من الأحداث المتطرفة والكوارث الطبيعية حول العالم، كما أنه من المتوقع أن يتسببوا في كوارث أكبر في العقود المقبلة، إذا استمر الاحترار العالمي في التصاعد دون مواجهة.

إذاً هل الاحتباس الحراري يؤدي لمزيد من الزلازل والبراكين؟

لعقود طويلة استقر العلماء على اعتبار ظواهر الطبيعة من البراكين والزلازل أمراً خاصاً بحدوث تغيرات داخل القشرة الأرضية، المثير الآن أن هناك فرضية تؤكد وجود علاقة ما تربط بين زيادة نسبة حدوث الزلازل والبراكين مؤخراً، و بين ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهذه الفرضية تثبت صحتها مع الوقت.

لكن كيف؟.. الإجابة عند الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأمريكية، والمعروفة اختصارًا بـ “ناسا”

تقول وكالة ناسا في تقرير صادر عام 2019 إن هناك الكثير من الأساطير حول الزلازل، وهناك أساطير عدة تربط بين الطقس والزلازل، أو ما يسمى بـ”طقس الزلزال”، والمقصود به أنواع معينة من الظروف الجوية التي تسبق الزلازل عادةً، مثل الطقس الحار والجاف، أو الجاف والغائم.

مصدر تلك الأسطورة هو الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي اعتقد في القرن الرابع قبل الميلاد أن الزلازل نتجت عن هروب الرياح من الكهوف الجوفية، وأن كميات الهواء المحبوسة تحت الأرض ستجعل الطقس على سطح الأرض قبل الزلزال حارًا وهادئًا.

مع ظهور علم الزلازل، سقطت كل تلك الأساطير، واتضح أن معظم الزلازل ناتجة عن عمليات تكتونية.

كما توصل العلم أيضًا إلى أن معظم الزلازل تحدث تحت سطح الأرض بعيدًا عن تأثير الطقس، ودرجات حرارة السطح وظروفه. بمعنى أن الظروف الجوية لا تؤثر بأي شكل على التوزيع الإحصائي للزلازل.

وفقًا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكي، فإن الارتباط الوحيد الذي لوحظ بين الزلازل والطقس هو أن التغيرات الكبيرة في الضغط الجوي الناتجة عن العواصف الكبرى مثل الأعاصير ثبت أنها تؤدي أحيانًا إلى ما يُعرف باسم “الزلازل البطيئة”، والتي تطلق الطاقة على مدى فترات زمنية طويلة نسبيًا ولا تؤدي إلى اهتزاز الأرض بشكل كبير مثل الزلازل التقليدية.

لكن الطقس شيء والمناخ شيء، ماذا عن المناخ إذن؟ هل هناك ارتباط بين الظواهر المناخية والزلازل؟

للإجابة على هذا السؤال، لا بد أن نعرف أولًا كيف يحدث الزلزال؟

كيف يحدث الزلزال؟

تتكون الكرة الأرضية من 4 أجزاء رئيسة وهي، القشرة، الوشاح، النواة الخارجية، والنواة الداخلية.

تمتد القشرة الأرضية من سطح الأرض إلى 8-32 كم داخلها، بدرجة حرارة تصل إلى 870 درجة مئوية، وتحتوي القشرة الأرضية على سطح الأرض الذي نعيش عليه، هذا السطح مثبت على ما يطلق عليه “الصفائح التكتونية”، وهي عبارة عن ألواح صخرية تطفو على المواد المنصهرة من “الوشاح”، الجزء الثاني للكرة الأرضية، وبسبب ذلك تتحرك هذه الصفائح بشكل دائم، على الرغم من حجمها الكبير.

يتسبب تحرك هذه الصفائح في ثورة البراكين، وتشكيل الجبال، وحدوث الزلازل من مناطق الضعف والانكسار المفاجئ في الغلاف الصخري، أو القشرة الأرضية؛ بسبب الجاذبية أو التفاعلات الكيميائية داخل صخور الوشاح المنصهرة، وتسمى كل تلك ما ينتج عن تحرك هذه الصفائح بـ “العمليات التكتونية”.

تنتج الفوالق والتصدعات الكبيرة داخل قشرة الأرض عن تحرك الصفائح التكتونية، والفالق أو الصدع في الجيولوجيا هو واحد من التشوهات التكتونية المنتشرة على سطح الأرض، وهو عبارة عن مستوى أو كسر منحني برفق في صخور قشرة الأرض، حيث تسبب قوى الضغط أو الشد في النزوح النسبي للصخور على جانبي الانكسار، ويتراوح طول الفوالق من بضعة سنتيمترات إلى مئات الكيلومترات، وقد تكون الفوالق رأسية أو أفقية أو مائلة بأي زاوية، وعلى الرغم من أن زاوية ميل مستوى صدع معين تميل إلى أن تكون موحدة نسبيًا، إلا أنها قد تختلف اختلافًا كبيرًا بطولها من مكان إلى آخر.

يوجد في الكرة الأرضية عدد من هذه الفوالق، أو الأحزمة التي تحوي العديد من الزلازل والبراكين.

تعتبر هذه الفوالق مناطق ضعف في القشرة الأرضية؛ وعندما تشعر الأرض بنوع من الضغط الداخلي نتيجة عمليات الغليان والتفاعلات الشديدة داخلها؛ فإن هذه الفوالق تكون هي المتنفس للأرض؛ وتنطلق البراكين والزلازل من خلالها.

 

اقرأ أيضًا.. كل شيء عن “فلورونا” الإسرائيلي وحقيقة انتشاره في مصر

ما علاقة الزلزال بتغيرات المناخ؟

الجيوفيزيائي بول لوندغرين من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في باسادينا، كاليفورنيا، يرد على هذه المسألة بشكل علمي، ويقول إنه من أجل الربط بين المناخ والزلازل، يجب أولاً تحديد أنواع العمليات التكتونية التي قد تكون مرتبطة بالظواهر المناخية.

يعرف العلماء أن حدوث الزلازل من عدمه مرتبط بالتغيرات في مقدار الضغط على الصدع أو الفالق، وبحسب لوندغرين فإن العديد من الدراسات أكدت أن أكبر متغير مناخي يمكن أن يسبب الضغط على الفالق هو المياه السطحية التي تسقط على شكل مطر وثلج.

ويضيف: “هناك ارتباط فعلًا، ويحدث بشكل متكرر، لكن نتائجه لا تتعدى الزلازل الصغيرة، بمقادير أقل من الصفر، أي أقل بكثير مما يمكن أن يشعر به البشر”.

ويعطينا مثالًا: “خلال أشهر الصيف، تسقط كميات كبيرة من الأمطار على سهل الغانج الهندي، الذي يشمل المناطق الشمالية من شبه القارة الهندية، يؤدي هذا إلى زيادة أحمال الضغط على قشرة الأرض هناك ويقلل من عدد الزلازل في جبال الهيمالايا المجاورة.

على العكس من ذلك، خلال فصل الشتاء الجاف، عندما يكون وزن الماء في السهول أقل على قشرة الأرض، تصل الهزات الخافتة أو الصغيرة التي تُعرف باسم microseism، في جبال الهيمالايا إلى ذروتها”.

أن السبب يعود إلى تسرب مياه الامطار ببطء إلى مناطق تحت القشرة الأرضية ما يرفع الضغط بين الصخور بشكل كافٍ، ليحرك الصخور ويجعلها أكثر عرضة للتفتت، فتحدث الهزة الأرضية.

ويستطرد: “نرى أيضًا أن المد والجزر يمكن أن يتسبب في حدوث هزات أرضية خافتة، لكن لم يثبت حتى الأن هل هناك أي علاقة على المدى الطويل بين تلك الهزات الخافتة والزلازل الكبرى التي تحدث فجأة، لازلنا ندرس.

ثم يحسم الأمر: ” قد تؤدي تغيرات الضغط على الفوالق المرتبطة بالمناخ إلى حدوث زلزال وقد لا تؤدي لذلك، وفي حال حدوثه ليس لدينا حتى الأن طريقة لمعرفة مقداره”.

لكن ماذا عن الجفاف؟

نحن نعلم أن الآثار الموسمية يمكن أن تسبب تغييرات على الفوالق، ولكن ماذا عن الظواهر المناخية الأقل دورية، مثل الجفاف على المدى الطويل؟ هل يمكن أن تسبب ضغوط أيضا؟

كما اتضح، فإن التغيرات في الضغوط على قشرة الأرض في فترات الجفاف يمكن أن تكون كبيرة.

وجدت الأبحاث التي أجراها عالم مختبر الدفع النفاث دونالد أرغوس وآخرون في عام 2017 باستخدام بيانات من شبكة من محطات GPS عالية الدقة في كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن أن فترات الجفاف وهطول الأمطار الغزيرة بالتناوب في “سييرا نيفادا” بين عامي 2011 و 2017 تسببت في ارتفاع سلسلة الجبال بنحو بوصة ثم انخفاضها بمقدار نصف هذا الرقم،  كما فقدت الصخور الجبلية المياه خلال فترة الجفاف ثم استعادتها.

لم تبحث الدراسة على وجه التحديد في الآثار المحتملة على الفوالق، ولكن يمكن الشعور بمثل هذه التغييرات الإجهادية على الفوالق في النطاق أو بالقرب منه.

بالمثل، تبين أيضا أن استخراج البشر للمياه الجوفية بكثافة في فترات الجفاف من طبقات المياه الجوفية، يؤثر على أنماط أحمال الإجهاد عن طريق “فك وزن” قشرة الأرض.

قال لوندغرين: ” الضغوط التي يسببها استخراج المياه الجوفية ضعيفة، بالمقارنة بما تسببه العمليات التكتونية، ولكن تكرار استخراج المياه على مدى فترة طويلة من الزمن، يؤدي إلى ضغوط أكبر وبالتالي نتائج أكبر “.

 

اقرأ أيضًا.. 3 نبوءات لـ ستيفن هوكينغ عن مصير الأرض في حال استمر الاحتباس الحراري

الزلازل المستحثة

بالإضافة إلى الآثار المتصلة بالظواهر المناخية المتعلقة بالمياه، على الزلازل، يمكن أن تتسبب كافة أشكال إدارة المياه من قبل البشر في حدوث الزلازل من خلال ظاهرة تعرف باسم الزلازل المستحثة.

تشير الزلازل المستحثة إلى الزلازل والهزات الطفيفة التي تنتج عن النشاط البشري الذي يغير الضغوط والإجهاد على قشرة الأرض.

معظم الزلازل المستحثة ذات حجم منخفض، عدد قليل فقط من المواقع التي تواجه زلازل أكبر بشكل منتظم، حيث أشارت نتائج البحث المستمر متعدد السنوات حول الزلازل المستحثة من قبل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) التي نُشرت في عام 2015 إلى أن معظم الزلازل الكبيرة في أوكلاهوما، مثل زلزال إلرينو الذي بلغت قوته 5.7 درجة عام 1952، قد يكون سببها الحقن العميق للنفايات في المياه من صناعة النفط.

يمكن أن تحدث الزلازل المستحثة أيضًا عن طريق حقن ثاني أكسيد الكربون لتخزينه، والتي تهدف إلى عزل ثاني أكسيد الكربون الذي يتم التقاطه من إنتاج الوقود الأحفوري أو مصادر أخرى في قشرة الأرض كوسيلة للتخفيف من تغير المناخ.

كما قدمت مجلة نيو ساينتيست تقريراً يبحث في مدى صحة تأثير النشاطات البشرية المتعلقة بـ إدارة المياه على الزلازل.

وفق التقرير، غالباً ما ارتبط بناء السدود بالزلازل، ويرجح بعض العلماء ان سبب حدوث زلزال سشوان في الصين 2008 الذي راح ضحيته 80 ألف شخص كانت عمليات بناء سد زيبينقبو الذي يبعد 5 كيلومترات فقط من مركز الزلزال .

يضاف إلى ذلك عمليات استخراج المعادن والتنقيب التي تتطلب الحفر. فإذا كان مشروع كهذا تسبب في حدوث الزلزال فلا يستبعد أن يكون لتغير المناخ أثر على حدوث زلازل أخرى.

كما ارتبطت المياه المخزنة في السدود الكبيرة بنشاط الزلازل في مواقع مختلفة في جميع أنحاء العالم،  في عام 1975، بعد حوالي ثماني سنوات من إنشاء بحيرة أوروفيلي في شمال كاليفورنيا، خلف سد أوروفيلي، ثاني أكبر خزان من صنع الإنسان في الولاية، وقعت سلسلة من الزلازل في مكان قريب، أكبرها سجل قوة 5.7. وبعد وقت قصير من سحب المياه فى الخزان إلى أدنى مستوى لها منذ ان تم ملؤها في الاصل من اجل إصلاح بعض التلفيات فى محطة توليد الطاقة بالسد ثم اعادة تعبئتها وقعت الزلازل .

 

اقرأ أيضًا.. Don’t Look Up صرخة نجوم هوليوود لتحذير العالم من تغيرات المناخ

ذوبان الجليد وزلزال اليوم

تشير الدراسات أنَّ ذوبان الكتل الثلجية الضخمة وارتفاع مستوى سطح البحر يغير توزيع كميات هائلة مِن الماء مما يؤدي إلى محاولة تنفيس الضغط وزيادته عبر باطن الأرض، ومثل هذه التغيرات في الضغط تؤدي إلى تصدعات وشقوق أرضية ونشاط زلزالي وبركاني.

في العصور الجليدية الماضية تراكمت الصفائح الجليدية التي بلغت سماكتها عدة كيلومترات كما في جنوبي أوراسيا وشمالي أمريكا، هذه الصفائح بغاية الضخامة لدرجة أن مستوى سطح البحر ارتفع بمعدل 50 سنتيمترا بعد ذوبانها، وبهذا فإن أدنى تغيير في مستوى الماء كافٍ لإطلاق العنان للزلازل والبراكين.

يقول ستيف ماكنات من وحدة مراقبة البراكين في ألاسكا إنه غالباً ما يثور بركان (ماوت باولو) النشط في شبه جزيرة ألاسكا شتاء، نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر بنسبة 30 سنتمتراً بعد نشاط العواصف، وهذا الارتفاع يضغط على الحمم البركانية تحت سطح الأرض من كل جوانب شبه الجزيرة مسبباً ثورته وفورانه.

وبحسب اجيني سوبير من مركز جودارد التابع لوكالة ناسا، في ميريلاند، وناتالي روبيرت من جامعة ألاسكا في فايربانكس، فإن الكتلة الجليدية تقلصت بشكل سريع خلال موجة ارتفاع الحرارة التى حدثت بين 2002 و2006 و خلال هذه الفترة ازداد عدد الهزات الأرضية الخفيفة. وكذلك زلزال (الياس) 1979 الذي بلغت قوته 2 .7 على مقياس ريختر، عقب ذوبان كمية كبيرة من الجليد، ولحسن الحظ انه وقع في منطقة غير مأهولة .

استمرار ذوبان الكتلة الجليدية يؤدي الى ارتفاع مستوى سطح البحر بنسبه 17 .0 متر، ويتوقع العلماء بحلول القرن المقبل ارتفاع المعدل إلى متر كامل.

هذه العوامل تؤهل لحدوث الزلازل في صدوع البحر، والذي سينتقل تأثيره إلى الساحل، كما حدث في صدع سان اندرياس في ولاية كاليفورنيا، صدع شمالي انطاليا في جنوب تركيا، وأخيراً صدع البيني في نيوزلندا .

يمكن أن نطبق ذلك على حالة الزلزال الذي تعرضت له مصر و5 دول أخرى في 11 يناير 2022، حيث أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن الزلزال بقوة 6.6 ريختر رب عمق البحر المتوسط، على بعد 48 كيلومتر من مدينة بافوس القبرصية، وتأثرت به 6 دول شملت مصر والأراضي الفلسطينية المحتلة وقبرص وتركيا واليونان والمملكة المتحدة.

تشير البيانات أن مستوى سطح البحر المتوسط ارتفع خلال القرن الماضي حوالي من 16 إلى 20 سم، وازداد مؤخرا منذ 1993، ليصبح حوالي 3 مم/سنة، طبقا للقياسات بالأقمار الصناعية، وقد يصل هذا الارتفاع في القرن المقبل (2100) ما بين 30 سم (12 بوصة) و100 سم (39 بوصة)، والسبب في ذلك هو ذوبان الجليد بفعل الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض.

لم يعد هناك شك أن تغير المناخ وأثاره، أصبح لهم تأثير في وقوع ك=الزلازل، التي تستمد قوتها من تحرك الصفائح التكتونية تحت أعماق سطح الأرض، ويمكن لهذه الصفائح أن تتأثر بما يحدث على السطح.

يقول لوندغرين إنه عندما بدأ دراسة الزلازل لأول مرة، كان كل شيء يركز على فهمها في سياق تكتونيات الصفائح والعمليات التي تحدث داخل قشرة الأرض، ولكن هذا يتغير الآن.

وأضاف: “في العقد الماضي أو نحو ذلك، ومع اعتماد تكنولوجيات جديدة على نطاق واسع مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) التي لها توزيع وحساسية مكانية أكبر، بدأ الناس أيضا في النظر في آثار أخرى من الدرجة الثانية، وهي عوامل أخرى قد يكون لها تأثير على الزلازل.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.