منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

الجزائر وتغير المناخ.. هل الفيضانات والزلازل المدمرة تهدد البلاد فعلًا أم البنك الدولي يكذب؟

تعد الجزائر من البلدان التي تنخفض فيها نسبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون، حيث تنتج 4.1 طن للفرد اعتبارًا من عام 2008، أي أقل من المتوسط ​​العالمي في ذلك الوقت، وتساهم البلاد في انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 39ر0 %  من الانبعاثات العالمية، وهي نسبة ضئيلة جدا  بالمقارنة بدول عديدة.

رغم ذلك، يتسبب تغير المناخ في آثار واسعة النطاق على البلاد. مثلها كمثل البلدان الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تقبع في الخطوط الأمامية لمواجهة تأثيرات تغير المناخ رغم أنها لم تساهم فيه حدوثه.

نظرًا لأن جزءًا كبيرًا من البلاد يقع بالفعل في مناطق جغرافية حارة وجافة، بما في ذلك جزء من الصحراء، فمن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بشدة، وتزداد تحديات الوصول إلى موارد المياه.

منذ عام 2014، يؤكد العلماء أن موجات الحرارة الشديدة التي تعرضت لها الجزائر سببها الرئيس تغير المناخ، واحتلت البلاد المرتبة 46 بين الدول في مؤشر أداء تغير المناخ لعام 2020، الذي يرتب البلدان وفق تأثرها بالتغيرات.

كانت الجزائر على موعد مع تقرير صادم للبنك الدولي نهاية العام 2021، أثار العديد من الجدل، ونال هجومًا واسعًا من وسائل إلاعلام جزائرية، اعتبرت التقرير مكذوب وغير دقيق ويسعى لنشر الفزع في البلاد، مؤكد أنه بمثابة “مؤامرة” على البلاد بتوجيه من القصر الملكي المغربي، وبتنفيذ نائب رئيس البنك المكلف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج، وهو تونسي الجنسية.

حذر التقرير من التهديدات واسعة النطاق التي سوف تواجهها البلاد بسبب المخاطر المناخية والجيولوجية جراء تغير المناخ، والتي تبدأ من الفيضانات والزلازل وحرائق الغابات، وصولًا إلى الجفاف وتآكل السواحل والتربة.

تقرير البند الدولي الأخير، يكشف أنه خلال الستين عامًا الماضية في الجزائر، شكلت الفيضانات 60% من الأحداث الكارثية في البلاد؛ ما تسبب في أضرار وتأثيرات كارثية على أكثر من 800 ألف شخص في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى خسائر اقتصادية تجاوزت 1.5 مليار دولار أمريكي.

أشار تقرير البنك الدولي إلى أن المراكز الحضرية الكبيرة ذات النمو السكاني السريع، وذات النشاط الاقتصادي الواسع، تواجه أزمات شديدة التعقيد بسبب تغير المناخ، حيث تتعرض هذه المناطق لاحتمالية وقوع كوارث ذات عواقب وخيمة. ما يضع 86% من السكان، يتمركزون في المناطق الحضرية بالمناطق الساحلية الشمالية، التي لا تمثل سوى 12.6% من إجمالي مساحة البلاد، في دائرة الخطر، بيد أن هذا الرقم قد يتضاعف بحلول 2030، ما يعني زيادة أعداد السكان المهددين.

وقد أدى تمركز معظم السكان على مساحة صغيرة من أراضي البلاد، إلى انتشار العشوائيات وتهميش الأحياء الفقيرة والمساكن المؤقتة، فضلاً عن الازدحام في وسائل النقل والتلوث والتعرض لمخاطر كبيرة.

ووفق التقرير، تعتبر العاصمة أكثر مناطق البلاد عرضة لخطر تأثيرات المناخ، ومهددة بشكل كبير بالفيضانات والزلازل بسبب الكثافة السكانية العالية، ومعدل التحضر المرتفع، بجانب نشاطها الزلزالي العالي.

حذر التقرير من أن زلزال مدمر قد يضرب العاصمة في أي وقت ما قد يزيد فرص وقوع انهيارات أرضية، وأنها معرضة أيضًا لأمواج تسونامي والفيضانات ما يهدد بتآكل السواحل ونقص المياه.

يؤكد التقرير أن 53% من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في الجزائر العاصمة معرضة لخطر الفيضانات، وأن حي القصبة وبعض الأحياء الفقيرة هي الأكثر عرضة للنشاط الزلزالي، فضلًا عن شمال الجزائر الذي يتعرض بالفعل لسلسلة قوية من الهزات الأرضية.

يتوقع التقرير زيادة عدد العواصف الاستثنائية التي سوف تضرب الجزائر بنحو 41%، وقد تسبب فيضانات وانهيارات أرضية وأضرار جسيمة.

ما يعني أن البنية التحتية الأساسية معرضة للتهديد بسبب الفيضانات، حيث أن 42% من الطرق السريعة الرئيسة، و19% من المدارس، و21% من المستشفيات، و41% من محطات الإطفاء في العاصمة، تقع في مناطق معرّضة لخطر الفيضانات.

يحذّر التقرير من خطر نشوب حرائق في أكثر من 99% من المناطق الغنية بالأشجار في الجزائر، حيث ازدادت وتيرة الحرائق التي انطلقت منذ عام 2010، مع خسائر سنوية تُقدر ما بين 15-19 مليون دولار.

السؤال الآن: هل كان تقرير البنك الدولي مغلوطًا بالفعل؟

 

اقرأ أيضًا.. التغيرات المناخية في السعودية.. درجة الحرارة ستصل إلى رقم مرعب في 2050

 

الجزائر والبنك الدولي.. أيهما على صواب؟

تصريحات الدكتور جابه رابح، عالم جزائري في الجيولوجيا والأبحاث واستغلال المعادن، تؤكد ما ذهب إليه تقرير البنك الدولي فيما يخص الزلازل، حيث قال إن كل المدن الجزائرية الكبرى معرضة للهزات الأرضية، مؤكدًا ضرورة إعادة النظر في طرق توسيع التجمعات السكانية والحرص على استعمال مواد بناء مضادة للزلازل.

وأكد رابح أن الجزائر تقع في منطقة جيولوجية معرضة للزلازل تحت اسم “جيوسيليكال” تفصل بين وحدة القارة شمال الخط الرابط بين مدينة قابس التونسية، مرورا بولايات بسكرة والأغواط وجنوب البيض بالجزائر وتصل إلى غاية مدينة أغادير بالجهة الجنوبية للجزائر، وجنوب الخط الذي يفصل القارة الأوروبية مرورا بشمال مرسيليا وألمانيا، وعليه يقول العالم جابه رابح، أن كل المدن الجزائرية الكبرى تقع في مناطق مصنّفة ضمن المواقع ذات النشاط الزلزالي.

الخبير في الهندسة المقاومة للزلازل والكوارث الطبيعية والصناعية ورئيس نادي المخاطر الكبرى، عبد الكريم شلغوم قال عقب الهزة الأرضية بمنطقة كاب كربون ببجاية مارس 2021،  إن العدد المعتبر من الهزات الأرضية التي عرفتها مناطق شرق البلاد خلال شهري يناير وفبراير 2021 فقط مشكلة كبيرة. ولذلك أفاد بأنه طلب من مركز البحث في علم الفلك الواقع بالجزائر العاصمة بوضع دراسة لحالة النشاط الزلزالي في تلك الجهة للوصول إلى استنتاجات علمية دقيقة عن طبيعة زلازل المنطقة.

كما تشير البيانات الرسمية الصادرة عن جهات بـ الجزائر، إلى أن البلاد تعاني من ندرة المياه، علاوة على ذلك، فقد استغلت البلاد بالفعل المياه الجوفية بشكل مفرط.

ما يعني أن الجفاف يشكل خطرًا كبيرًا بالفعل على موارد المياه الشحيحة بالأساس، حيث تكررت فترات الجفاف بشكل ملحوظ منذ أن بدأت في البلاد قبل 45 عام.

تتعرض الأراضي الزراعية والمياه بالفعل لضغوط من كل من النشاط البشري والتصحر والتعرية وفقدان الغطاء النباتي، من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تسريع هذه العملية وإضعاف التربة والتنوع البيولوجي في الأراضي الزراعية.

ووفق دراسة محلية، هناك ما لا يقل عن 13 مليون هكتار من الأراضي الوطنية متضررة بسبب تآكل التربة، ما يفقد الجزائر حوالي 400 ألف هكتار سنويًا، ويهدد التصحر أكثر من 17 مليون هكتار في مناطق السهوب، وهي مناطق محددة مناخيًا وجغرافيًا تتميز بوجود سهول المراعي، بينما تصل التكاليف المباشرة لتآكل السواحل إلى 313 مليون دولار سنويًا.

تشير العديد من الدراسات أيضًا إلى قرب نضوب الثروة الطبيعية في الجزائر قريبا جدا بفعل الاستهلاك اللاعقلاني وظاهرة الاحتباس الحراري. هذا التأثير المباشر على الموارد الاقتصادية المتاحة سيؤدي بالضرورة إلى التأثير على مختلف القطاعات الاقتصادية من سياحة، صناعة، صحة، زراعة…إلخ.

لذا ركزت الاستراتيجية الأولية التي وضعتها الجزائر، اعتبارًا من 2013، على أربعة مجالات: التعزيز المؤسسي، والتكيف مع تغير المناخ، والتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، وبناء القدرات البشرية.

عملت الجزائر خلال الأعوام الماضية على حل مشكلة تخصيص الموارد الطبيعية وعقلنة استهلاكها في البلاد، والتي تعتبر حجر زاوية في تحقيق التنمية الاقتصادية أولا، ومواجهة الأثار المعتبرة للتغيرات المناخية على الموارد المائية، الموارد البيولوجية وموارد الطاقة في الفترات المقبلة.

أما فيما يخص خطر نشوب الحرائق، فالبلاد تعرضت طوال السنوات الماضية لموجات حرائق مدمرة، أسوأها في تاريخ البلاد هي التي وقعت في 2021، في بعض المناطق في شمال الجزائر، وخصوصاً منطقة القبائل الجبلية، وأودت بحياة ما لا يقل عن 65 شخصاً. واضطرت الحكومة وقتها لنشر قوات الجيش للمساعدة في مكافحة الحرائق. وقالت الحكومة إن الحرائق أودت بحياة 25 جندياً كانوا يشاركون في مكافحة الحرائق، وأصيب 12 غيرهم بحروق خطيرة.

وبحسب الخبراء المحليون فإن الحوادث المناخية المتطرفة مثل حرائق الغابات، يزيد احتمال حدوثها بسبب تغير المناخ.

في النهاية، ما أشارت إليه الدراسات المحلية والآراء الخبيرة في البلاد يؤكد ما ذهب إليه تقرير البنك الدولي من توقعات حول أثار التغير المناخي على الجزائر، وأن التكذيب المستمر للتقرير من الإعلام الجزائري في غير محله على الإطلاق.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.