منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

موجة الصقيع في مصر تهدد بتدمير 10 محاصيل زراعية.. وخبير مناخي يطرح الحل

يتغير المناخ في مصر ولا تزال ممارسات المزارعين كما هي، لم تتغير أو تتكيف مع الوضع المناخي الجديد الذي بدأ يظهر بوضوح في البلاد خلال الأعوام العشرة الأخيرة.

تواجه مصر في فصل الشتاء خلال الأعوام الأخيرة موجات متطرفة من الطقس، لم تعهدها البلاد قبل عقد واحد، أبرزها موجة الصقيع الحالية، ولهذه الموجات تأثيرات كبيرة على عدة قطاعات، أبرزها قطاع الزراعة.

غالبًا ما تتلف النباتات بسبب الصقيع، فعندما يتجمد الماء داخل النبات، أي داخل الخلايا النباتية على وجه الخصوص، فإنه يشكل بلورات ثلجية تخترق جدران الخلايا النباتية، وعندما ترتفع درجة حرارة الهواء مرة أخرى، تذوب بلورات الجليد. وتتسرب محتويات الخلية، وهكذا تظل أوراق النبات شاحبة وهزيلة المظهر، وداكنة اللون وداكنًا، حتى يموت النبات.

يتسبب انخفاض درجات الحرارة في أضرار جسيمة للمحاصيل والفاكهة، مما يضر ببراعم الفاكهة النامية، ما ينتج عنه أضرار اقتصادية كبيرة للمزارعين ويساهم في إتلاف المحاصيل و والفاكهة، وخاصة النباتات ذات الأوراق الرقيقة مثل: الطماطم وفول الصويا والكوسا، وإذا كان الصقيع قويًا، فإن البطاطس ستتجمد في الأرض، لذلك دمر الصقيع حقولا بأكملها في بضع ليالٍ باردة.

في تقرير لمركز معلومات تغير المناخ والنظم الخبيرة بوزارة الزراعة، حذر الخبراء من تأثر 10 زراعات قائمة بموجة الصقيع التي تمر بها البلاد في ظل انخفاض درجة الحرارة، موضحا أنه من بين الزراعات الأكثر تأثرا الأشجار الاستوائية وخاصة المانجو والموز والبابايا “الباباظ” والقشطة وأشجار المناطق شبه الجافة المتساقطة مثل الجوافة.

كما أنه من بين المحاصيل الشتوية الأكثر تأثراً بالصقيع محصول الطماطم التي لم يزد عمرها عن 80 يوماً في الحقول المكشوفة والبطاطس الصيفية، عمر أكبر من 25 يوماً والشتوية أقل من 70 يوما، والباذنجان في الحقول المكشوفة، والفراولة ضعيفة النمو في المناطق المنخفضة، والبصل والثوم والخضر تحت الأنفاق التي تلامس أطرافها مع بلاستيك الأنفاق من الداخل، والفول والقمح ما قبل الري.

الدكتور محمد علي فهيم رئيس مركز معلومات التغير المناخي بوزارة الزراعة حذر من الظواهر الجوية المصاحبة لموجة البرد حاليا في البلاد، وأهمها الصقيع، موضحا أن كلمة “صقيع” ثقيلة على المزارعين والمهندسين، خاصة مزارعي المحاصيل الحساسة بشكل خاص مثل المانجو والخضروات، مضيفًا أن الصقيع يتسبب في تدمير المحاصيل، وهناك بعض المحاصيل تتأثر بصورة كبيرة على المحاصيل مثل الموز والجوافة، ومحاصيل الخضر مثل البطاطس ومحاصيل الخضر في الأماكن المكشوفة.

وقال في تصريحات خاصة “إن موجة البرد التي تضرب البلاد ليلًا وصلت في بعض الاحيان إلى حد الصقيع، ووصلت درجة الحرارة في بعض المناطق لـ سالب 2 درجة مئوية، خاصة على الصعيد وكل الظهير الصحراوي، مشيرًا إلى أن الموجة سوف تستمر لفترة طويلة. ومحذرًا من أن الشجر لو تجفف هذا العام، سيكون خارج الخدمة طوال هذا العام.

وأشار فهيم إلى أن الصقيع يعتمد على العناصر المناخية الخمسة وهي انخفاض درجة الحرارة ونقطة الندى والرطوبة النسبية العالية وسرعة الرياح والإشعاع النقي، ويحدث ذلك حسب التفاعل بين هذه العناصر وكميته، حيث تكون درجة الحرارة الدنيا دون نقطة الندى أعلى من الصفر المئوي، حيث يجب أن تكون تلك النقطة فوق الصفر مئوية، ويجب أن تكون الرطوبة النسبية هي الأدنى، وأن تكون سرعة الرياح قريبة من السكون قدر الإمكان، واتجاه الرياح من الأرض إلى الماء، أي الغرب أو الجنوب الغربي، ويجب أن يكون صافي الإشعاع صفراً (في بداية الليل). )، ثم يبدأ الصقيع، ومن حيث بقاء هذه العناصر عند هذه القيم، تكون مدة نزول الصقيع، وبشكل عام، كلما كانت الفترة أقل من ساعة، كان التأثير أخف وطأة.

أكد خبير المناخ أن درجة تعرض المحاصيل للصقيع تعتمد على نوع الزراعة، حيث أن الأشجار الاستوائية (مانجو – موز – باباظ – القشطة) هي الأكثر تضررًا من الصقيع، وكذلك الأشجار في المناطق شبه الجافة، مثل الجوافة والطماطم.

وأضاف أن التأثير يحدث أيضًا اعتمادًا على نوع التربة ومستوى رطوبتها، حيث أن التربة الطينية الكثيفة أكثر فائدة من التربة الرملية، والتربة المحروثة أكثر من غيرها، والأرض الجافة أكثر ملاءمة للتجميد، والمساحات المنخفضة أكثر عرضة للصقيع من المرتفعات، حتى لو كانت في نفس المزرعة، فالأشجار الصغيرة تتأثر أكثر بالصقيع.

يضع تقرير مركز معلومات تغير المناخ والنظم الخبيرة بوزارة الزراعة مجموعة من التوصيات  لتلافي آثار موجة الصقيع، أهمها تأمين توفر الرطوبة الأرضية الدائمة في الحقول، والعمل على تقوية النبات لتحمل البرودة الشديدة أو الصقيع والرش بمركب سيلكات البوتاسيوم والأحماض الأمينية والطحالب البحرية والسيتوكينين 4% واستيل ساليسيلك والكبريت الزراعي وحامض الفسفوري، كذلك الري على الحامي سريعا قبل ليلة حدوث موجة الصقيع على آخر النهار لكل المحاصيل بدون استثناء.

الخبير المناخي د. محمد علي فيهم يشدد على أهمية  بقاء التربة رطبة قبل موجة الصقيع، وذلك برية سريعة أسفل المحاصيل تسبق الطقس البارد مباشرة، مشددَا أيضًا على ضرورة أن يكون هناك ري متقطع، لكي تكون هناك رطوبة تحت الاشجار، وبخار ماء خلال فترات تشكل الصقيع، لكي لا يتجفف الخضار خلال الموجات، ويقوى من أجل تحمل البرد القارس أو الصقيع.

 

اقرأ أيضًا.. كيف انهارت حضارة مدينة أوبار العربية القديمة بسبب تغيرات المناخ؟ ناسا تجيب

 

موجة الصقيع وتغير المناخ

وفق  مركز معلومات تغير المناخ، فأن موجة الصقيع الحالية وغيرها من مظاهر تغير المناخ في مصر سببه الرئيس الاضطرابات المناخية الناتجة عن ظاهرتين مناخيتين وهما “النينو” و”اللانينا”، باعتبارهما المسببتان لشكل تغير المناخ الحالي.

تنشأ وتتطور هاتان الظاهرتان في المنطقة الاستوائية بالمحيط الهادئ كل فترة، ويؤدي كل منهما إلى التأثير على أنماط توزيع الغيوم ومتوسط درجة الحرارة بشكل مختلف، وإن كانت مدة هذا التأثير تعتبر أقل زمنيًا مقارنة بمدة تأثير الدورات الشمسية.

تحدث ظاهرة النينيو كل سنتين إلى سبع سنوات، وعادة ما تأتي متبوعة بظواهر لانينا، وكلتا الظاهرتين تشكلان التذبذب المناخي الجنوبي المعروف باسم (ENSO)، وهو المصطلح الذي يصف التقلبات في درجة الحرارة بين المحيط والغلاف الجوي في الوسط الشرقي الاستوائي.

بدأت ظاهرة “النينو” في عام 2015 وأثرت بشكل كبير في زيادة درجة حرارة المياه السطحية في تلك المنطقة، خاصة في فصلي الصيف والخريف، ما ينتج عنه تولد تيارات مائية بحرية دافئة، تتحرك شرقًا لمسافات طويلة، ما يؤدي إلى تغيرات مناخية وبيئية متطرفة وقاسية، أبرزها ارتفاع درجة الحرارة وزيادة موجات الجفاف واضطراب المناخ بشكل عام بالقرب من سواحل أستراليا الشرقية وإندونيسيا، بينما تصيب سواحل الهند ودول شرق وشمال أفريقيا، من بينها مصر، وبقاع أخرى بنصف الكرة الجنوبي بتأثيرات مماثلة لكنها أقل حدة.

تعمل تلك الظاهرة على قلب النظام الجوي الاعتيادي بين غرب المحيط وشرقه وتؤثر بشكل مباشر على غرب الأمريكيتين وأستراليا وشرق آسيا، ولأننا في مصر نتأثر إجمالا بالمؤثرات الأوروبية نتيجة مسار الكتل الباردة والرطبة الطبيعية من الغرب نحو الشرق، فأن تأثير هذه الظاهرة يكون بطريقة غير مباشرة على أجواء المحيط الأطلسي في العادة، حيث يسمح تبريد الهواء الهابط بتشكل مرتفعات جوية قوية مقابل شمال غرب أفريقيا وشبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال)، وبالتالي تزداد هيمنة ما يعرف بالمرتفع الآزوري في هذه المنطقة”.

والمرتفع الآزوري هو نظام ضغط جوي مرتفع شبه استوائي يقع مركزه بالقرب من جزر الازور في المحيط الاطلسي ومن هنا اتت التسمية.

بالنسبة لـ ظاهرة “اللانينا” تعرف بأنها انخفاض بدرجات حرارة سطح المياه في المنطقة الاستوائية من المحيط الهادي عن معدلاتها العامة بأكثر من 0.5 درجة مئوية وخلال مدة زمنية تتجاوز 3 أشهر متتالية، وتتسم مواسم اللانينا المتطرفة بارتباطها بحدوث عواصف ثلجية باردة جدا في أغلب السنوات، وتبدأ فى شهر نوفمبر وتستمر حتى فبراير، بسبب سيطرة الوجه الشمالي الشرقي الذي يجلب معه درجات برودة شديدة الانخفاض، وهذا يعني موسم شتاء بارد عن المعتاد في النصف الشمالي من الأرض، ويشمل هذا المناطق العربية فى الاردن وفلسطين وسوريا ولبنان ومصر والعراق وشرق ليبيا.

كانت دراسة حديثة، نشرت في أكتوبر 2019، في “جيوفيزيكال ريفيو ليترز Geophysical Review Letters”، وجدت أدلة قاطعة في المحيط الهادئ على أن ظاهرة التذبذب المناخي الجنوبي المعروفة باسم ENSO وظاهرة النينيو أصبحتا أكثر تطرفا بسبب التغير المناخي الذي يحدثه الإنسان.

توصل الفريق البحثي إلى أن ظاهرة النينيو الخطيرة ازدادت في عصر الصناعة، واستخدام الوقود الأحفوري، ما جعل هذه الظاهرة الطبيعية شديدة وغير قابلة للتنبؤ بها، وتميل الآن إلى أقصى درجات التطرف.

لا شك أن مناخ مصر يتغير لعوامل عدة، ما يستدعي تغيير شامل في ممارستنا للتكيف مع الأوضاع الجديدة، حيث يقول د. فهيم:التغيرات المناخية أدت لتغير مناخ مصر، وممارسات المزارعين لم تتغير، ضروري أن يحدث تغيير في التعامل مع الزراعة خلال موجات الصقيع والمناخ المتطرف”.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.