منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

الوجه الأخر لـ أغاني المهرجانات.. موسيقى المناخ تجتاح الغرب وترفع شعار “انقذوا الأرض”

لا شك أن الوضع المناخي يزداد سوءًا، وتبعات تغير المناخ تأتي أسرع مما نتوقع، فيضانات وأعاصير وغابات تحترق، وارتفاع حاد في درجات الحرارة، وجليد يذوب بسرعة، وأنواع من النباتات والحيوانات تختفي، ما جعل أزمة المناخ تتحول إلى أكبر صداع في رأس العالم الآن.

على إثر ذلك، أصبحت أزمة المناخ جزأ لا يتجزأ من حياتنا بشكل أو بأخر، وأثرت بشكل كبير على جميع مناحي الحياة على الأرض، وترتبط بكل الأشياء حولنا تقريبًا، ما كان سببًا رئيسًا في تسربها إلى كل ركن ونسيج في حياتنا، من السياسة والاقتصاد وحتى الأدب والفن.

ظهرت موسيقى المناخ في الغرب مع اشتداد حدة التحذيرات من أزمة المناخ قبل عقد من الزمان، وجعلت القضايا المناخية والبيئية جزءًا أصيلًا من محتواها وكلماتها وإيقاعاتها، لتعبر عن أجيال عدة من الفنانين نشأوا وعاشوا حياتهم في عصر تغير مناخي غير مسبوق، وعايشوا الكثير من آثاره، كالفيضانات والعواصف القوية والحرارة المتزايدة، حتى تسللت تلك المعايشات إلى أغانيهم بطريقة أو بأخرى.

كان أول ظهور صريح لـ موسيقى المناخ في عام 2015، تزامنًا مع قمة المناخ في باريس كوب 21، التي شهدت توقيع اتفاقية باريس الشهيرة.

كانت البداية عندما تجذر الموسيقيون في اليأس الوجودي، والخوف، والغضب، والحزن الذي نشأ عندما اشتدت أزمة المناخ قبل عقد تقريبًا، واتضحت درجة التدهور البيئي الذي يعاني منه العالم، وقرروا التعبير عن هذه المشاعر والأفكار عبر انتاج أغاني ومقطوعات موسيقية تتسأل ما الذي يمكن تتعلمه البشرية من الأزمة، وما الذي يمكن إنقاذه، وما الذي يجب التحريض ضده.

تطورت تلك المحاولات لسنوات، حتى تمكنت أزمة المناخ من احتلال جزء كبيرا من الموسيقى الشعبية في الغرب بشكل واضح، وأصبح لها مكانًا مهمًا وإنتاجًا مستمرًا، واتجاهًا فريدًا خاص بها.

يحاول صناع الموسيقى من هذا النوع إبراز صوت القلق من أثار تغير المناخ داخلنا؛ مع محاولات فنيه لإظهار حالة الرهبة أو الغضب أو الحزن العميق على مصير الكوكب.

يتخيل مؤلفو الأغاني في موسيقى المناخ مستقبلًا قضى فيه الكربون على الحياة، ويؤلف الموسيقيون المرثيات للأنواع المفقودة والخلل الذي أصاب التنوع البيولوجي على الأرض، بينما يعمل موسيقيو البوب ​​على إصدار نغمات مثيرة تعبر عن الهلاك والدمار.

تدعونا هذه الموسيقى أحيانًا لاتخاذ موقف، وأن نتصرف بحكمة كي لا نقضي على الكوكب، وتحاول أيضًا إثارة السخط داخلنا ضد الحكومات والكيانات المتسببة في انبعاثات الاحتباس الحراري كي يتخذوا موقفًا من الأزمة العالمية.

ترتبط الأصوات التي تغني هذا النوع المستحدث من الموسيقى والشعر الغنائي المناخي، بما يطلق عليه في الغرب “الموسيقى القوطية”، وهي موسيقى فرضت نفسها بقوة في الثمانينيات وتتخذ من الصورة النمطية عن الثقافة القوطية القديمة شكلًا لها، وتتسم هذه الموسيقى بأنها مظلمة وغريبة ومخيفة وغامضة ومعقدة في معظم الأحيان.

الثقافة القوطية هي ثقافة فرعية تستمد عناصرها من الفن القوطي الذي ظهر في القرن السادس عشر ميلادي، ولها أذواق مرتبطة بالموسيقى والجمال والأزياء، و‎تتبنى هذه الأذواق عناصر داكنة من الأزياء مثل الملابس السوداء والشعر الأسود وكحل الظلام والأظافر السوداء والملابس القديمة. كما أنها مرتبطة بالنوع الموسيقي للروك القوطي ومجموعة من الأنواع الفنية.

اقرأ أيضًا.. ما هو تغير المناخ؟ كل شيء عن أزمة القرن الـ 21

 

أشكال مختلفة من موسيقى المناخ

من ديزني إلى الموسيقى المستقلة، هناك العديد من التجارب الفنية المرتبطة بـ موسيقى المناخ، سواء لمطربين فرادى أو فرق جماعية،  تتبنى القضية المناخية بشكل كبير، وتنتج أغاني وموسيقى تحتوى على عبارات صريحة حول تأثيرات تغير المناخ والبيئة.

على المستوى الفردي، ظهرت العديد والعديد من المحاولات الموسيقية المرتبطة بالمناخ، لعل أشهرها ما تقدمه مغنية البوب البريطانية الشهيرة Anohni، التي سخرت العديد من موسيقاها لمواضيع تتعلق بالمناخ والتهديدات التي تواجه بيئتنا.

في 2014 قدمت Anohni أغنيتها الشهيرة  Degrees 4 “أربع درجات” وهي أغنية صدرت لتتزامن مع مؤتمر باريس للمناخ، واسمها مستوحى من التحذيرات بشأن ارتفاع متوسط درجات الحرارة 4 درجات بحلول نهاية القرن، والذي تنبأ به العديد من علماء المناخ، والذي سيكون له عواقب وخيمة على الكوكب.

تكشف الأغنية تواطؤنا مع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، من خلال كلمات تتخيل الكلاب تبكي من أجل الماء والثمار تحترق في الأشجار بسبب الاحتباس الحراري.

أما بيلي إيليش، المغنية وكاتبة الأغاني الأمريكية، والحائزة على جوائز عالمية عديدة،  اشتركت مع شقيقها في كتابة وإنتاج أغنية بعنوان all the good girls go to hell “كل الفتيات الطيبات يذهبن إلى الجحيم”، التي تتحدث بشكل واضح عن أزمة تغير المناخ.

أصدرت إيليش الأغنية بالتزامن مع استضافة الأمم المتحدة لقمة العمل المناخي في عام 2019 لمناقشة كيفية معالجة أزمة المناخ، ودشنتها على مواقع التواصل بالعبارات التالية “يوجد الآن ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم يتوسلون من قادتنا الانتباه لارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل غير مسبوق، وذوبان الجليد، وتعرض الحياة البرية للتسمم والغابات للحرائق، يمكنك أن تجعل صوتك مسموعا، غني معنا في الشوارع”.

تشير كلمات الأغنية إلى عواقب محددة لتغير المناخ مثل “التلال تحترق في كاليفورنيا” و “بمجرد أن تبدأ المياه في الارتفاع”، داعية الإنسانية للتوقف عن إساءة استخدام الأرض، ومعربة عن إحباطها لقلة الاهتمام والعمل من أجل مواجهة تغير المناخ.

 

تجربة أخرى بارزة لـ موسيقى المناخ، لكنها جماعية هذه المرة، ظهرت في 2019 مع إعلان  مجموعة من الفنانين والمنظمات والمتخصصين في صناعة الموسيقى في بريطانيا تشكيل تجمع فني أطلقوا عليه اسم  Music Declares Emergency “الموسيقى عن حالة طوارئ”، بهدف استخدام الموسيقى والأغاني لإعلان حالة الطوارئ المناخية والبيئية والدعوة إلى استجابة حكومية فورية لحماية جميع أشكال الحياة على الأرض.

تعرف المجموعة نفسها بأنها مستقلة ليس لها انتماءات حزبية سياسية أو تجارية، وأن أعضائها يؤمنون بقوة الموسيقى في تعزيز التغييرات الثقافية اللازمة لخلق مستقبل أفضل وأكثر اخضرارًا وإنصافًا.

تضم قائمة المجموعة 2807 علامة مشتركة من شخصيات صناعة الموسيقى، جميعها تعد باستخدام موسيقى المناخ للتعبير عن دوافعهم ومخاوفهم البيئية.

تعمل المجموعة في جميع مجالات صناعة الموسيقى بغض النظر عن النوع أو الدور أو الجنس أو العرق أو النشاط الجنسي ويقودها أفراد يجمعهم قلق عميق بشأن المناخ والطوارئ البيئية التي يواجهها العالم حاليًا.

تقول المجموعة على موقعها عبر الإنترنت” نعتقد أن تخضير صناعة الموسيقى هو جزء ضروري لخلق بيئة خصبة للفنانين للتحدث وخلق أعمالهم الخاصة حول المناخ”.

شنت المجموعة حملة فنية خلال الفترة من 2021 إلى 2022، بعنوان “لا موسيقى على كوكب ميت” أعلنت من خلالها الدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن المناخ.

لا يقتصر دور موسيقى المناخ وفنانيها على الصراخ والتحذير من الأزمة ونشر الوعي بها فقط، لكن أصبح لها أيضًا مع مرور الوقت دورًا اجتماعيًا مهمًا في إطلاق المبادرات الخضراء وجمع التبرعات لمتضرري المناخ أو المنظمات البيئية الداعمة للتحول الأخضر، معتمدين في ذلك على شهرتهم وقدرتهم على التأثير في الملايين من أتباعهم ومعجبيهم.

العديد من فرق موسيقى المناخ، تطلق مبادرات لزراعة الأشجار مقابل كل أسطوانة أو تذكرة حفلة تبيعها، وأحيانًا تذهب أرباح الأغنية والفيديو والبضائع المباعة مع الأغاني إلى المؤسسات الخيرية البيئية التي تعمل في الخطوط الأمامية لتنفيذ حلول لأزمة المناخ أو التي تعمل على دعم المجتمعات الفقيرة والمتضررة بطريقة أو بأخرى من تغيرات المناخ.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.