منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

بسبب التغير المناخي والحرب.. أطفال أفغانستان بين الموت جوعًا أو البيع مقابل الطعام

تضافرت الحرب مع العقوبات الاقتصادية والتغير المناخي المتمثل في موجة جفاف قاسية لخلق كارثة أطلقت عليها منظمة الغذاء العالمية وصف “الجحيم على الأرض”.  لكن حتى هذا الوصف لا يعبر عن مدى سوء الأوضاع حالياً في أفغانستان.

واجهت أفغانستان خلال الشهور الماضية واحدة من أسوأ موجات الجفاف التي شهدتها البلاد منذ 35 عامًا، بسبب التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف الماضي، وتستمر تبعاتها حتى اليوم.

أدى الجفاف الشديد الذي بدأ في 2021، إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في أفغانستان، التي اندلعت بعد سيطرة حركة طالبان على كابل العاصمة، ويهدد حياة نحو 9 ملايين أفغاني، ويؤثر على 25 من أصل 34 مقاطعة في البلاد.

وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يعاني أكثر من نصف سكان أفغانستان، أي 22.8 مليون شخص، من انعدام حادّ بالأمن الغذائي، بسبب الآثار المشتركة للحرب والاحتباس الحراري والأزمات الاقتصادية والصحية، حيث من المتوقع أن يكون محصول أفغانستان الحالي أقل من المتوسط بنسبة 15 بالمئة بسبب الجفاف.

في تقرير صدر العام 2016 عن الأمم المتحدة، رصد الخبراء انخفاضًا مقلقا في نسب الأمطار شمال البلاد، وأكدوا أن التغير المناخي يشعر به الملايين من المزارعين والرعاة في أفغانستان، وليس للسكان علاقة مباشرة به.

حذّرت الأمم المتحدة في نفس التقرير من أن “الجفاف السنوي في مناطق عديدة من أفغانستان ربما سيصبح القاعدة بحلول العام 2030.

بحسب أحدث تصنيف صادر عن منظمة جيرمان ووتش، تعد أفغانستان سادس أكثر دولة تضرّرت من التغير المناخي.

تعتمد أفغانستان بشكل كبير على سبل العيش الحساسة لتقلبات الطقس، مثل الزراعة البعلية (المعتمدة على الأمطار) وتربية الماشية.

غالبًا ما يفتقر القرويون الفقراء إلى رأس المال والتكنولوجيا للتحول إلى أساليب الزراعة الذكية الأكثر حداثة ومرونة.

لذا إذا استمر الجفاف، واستمر عدم الاستقرار السياسي، فإن المستقبل سيكون كارثي، حيث أن حوالي 12 بالمئة من أراضي أفغانستان فقط صالحة للزراعة، لكن حوالي 80 بالمئة من السكان يعتمدون على الزراعة لتوفير سبل العيش، وذلك بحسب صميم هوشمند، كبير مفاوضي المناخ السابق في الوكالة الوطنية لحماية البيئة في أفغانستان.

الجفاف لا يؤثر على الزراعة فقط في أفغانستان، بل أيضا على توليد الكهرباء من سد كاجاكي في ولاية هلمند.

كما أدت ندرة المياه في العام الماضي إلى صراع مع إيران التي تتلقى أيضًا المياه من نهر هلمند عبر فتحات سد كاجاكي.

اتهمت طهران كابول بالحصول على أكثر من الحصة المتفق عليها بموجب معاهدة المياه المبرمة في عام 1973 بين البلدين.

قال أولي براون، كبير الباحثين المشاركين في مركز أديلفي الألماني، إن تغير المناخ يمكن أن “يقلل من تدفق المياه العذبة الحرجة عبر حدود أفغانستان، ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات مع جيرانها”.

أشار براون إلى أنه يمكن أن يؤدي ذلك أيضًا إلى زيادة هجرة المزارعين لأراضيهم أو يشجعهم على زراعة الأفيون، التي تحتاج لكميات مياه قليلة.

الجفاف ليس هو العامل المناخي الوحيد الذي يجعل حياة السكان في أفغانستان أكثر صعوبة.

ففي عام 2014 تسببت الفيضانات الشرسة المتتالية في مقتل العشرات، وشهدت قرية باغاتشا خان مولا أسوأ فيضان يضرب المنطقة منذ 42 سنة، وأدى إلى جرف نصف القرية تقريباً، وانهارت كل المباني في بعض الشوارع، وتهاوت أسطحها وأصبحت محاطة بأكوام من الحطام.

وفي منتصف العام الماضي، تسببت فيضانات مفاجئة في مناطق نائية شرقي أفغانستان، بمقتل 60 شخصاً وفقدان العشرات، وتدمير منازل ودفن أشخاص تحت الطين.

كما أن هناك عامل أخر من عوامل التغير المناخي بجانب الجفاف والفيضانات، يتمثل في نوبات متأخرة وقاسية من الصقيع تأتي في شكل ثلج يضرب المحاصيل والفواكه في نفس وقت تفتحها وازدهارها، وبالتالي يتسبب في تدمير الإنتاج.

اقرأ أيضًا.. ما هو تغير المناخ؟ كل شيء عن أزمة القرن الـ 21

أفغانستان جائعة

يبلغ عدد المهددين بالمجاعة في البلاد حوالي ٢٣ مليون شخص، فضلاً عن احتمال موت مليون طفل خلال فصل الشتاء الحالي. حيث أنهم لا يزالوا على قيد الحياة حتى الأن بسبب اعتمادهم في الغذاء على الطحين الجاف.

شهدت البلاد العديد من الوقائع المؤسفة خلال الفترة الأخيرة، تحديدًا منذ بداية فصل الصيف، والتي كان التغير المناخي بطًلا فيها.

أخر هذه الوقائع، موت 8 أطفال من الجوع، أصغرهم لم يتجاوز السنتين بعد، حيث خسر الأطفال الثمانية والدهم ومن ثم لقت أمهم مصرعها تاركة ٨ أطفال خلفها ليموتوا في النهاية وحدهم من الجوع الذي ضرب البلاد.

حاول الجيران تقديم المساعدة لهم، لكنهم كانوا جائعين مثل هؤلاء الأطفال تماماً.

واقعة أخرى لإحدى الأمهات أقدمت على بيع ابنها بعدما عجزت عن إيجاد الطعام له ولشقيقته الرضيعة. اشترت بمبلغ ١٠٤ دولار بعض الأرز والزيت والطحين، ولكنها اسُتهلكت بالكامل الآن.

في منطقة بالا مرغب في شمال غرب أفغانستان، الجفاف تحول إلى قاتل شرس يقتل الآلاف من الجوع والعطش، ويجبر عدد كبير من الأهالي على بيع المواشي وترك القُرى وحتّى تزويج القاصرات مقابل المال.

حاجي رشيد خان كبير القرية في “بالا مرغب المُلّا فاتح” قال ليورو نيوز: “آخر مرة رأيت فيها المطر كانت العام الماضي ولم يكن غزيرًا”.

فوق تلال “بالا مرغب” النائية في ولاية بادجيس تبدو الحياة شبه منعدمة، حيث لا يوجد مدارس أو مستشفيات بها، وباستثناء بضعة رعاة وخراف لا يزالون هناك، فلا حياة في المنطقة.

يضيف فاتح من منزله الطيني “بعنا خرافنا لشراء الأكل، ومات بعض الخراف بسبب الجفاف”.

كان أكثر من 90 في المائة من سكان ولاية بادجيس يعيشون من الزراعة والمواشي قبل أن ينال الجفاف منهم عاميْ 2018 و2021.

يعاني 90 في المائة من سكّان بادجيس من انعدام حاد بالأمن الغذائي بسبب قلة الأمطار التي أدّت إلى جفاف الحقول وحرمان الحيوانات من الماء والطعام، بحسب وكالة التعاون التقني والتنمية.

الجوع والعطش ليسا فقط أسباب المعاناة في البلاد، أيضًا اضطرت نحو عشرين عائلة إلى تزويج بناتها في سن مبكرة جدًا بسبب حاجاتها الماسة إلى المال.

اقرأ أيضًا.. دراسة: تغير المناخ يمكن أن يغير الهواء الذي نتنفسه

 

طالبان والتغير المناخي في أفغانستان

في أغسطس الماضي، تعهدت حركة طالبان بالتصدي إلى التغير المناخي والحفاظ على الأمن العالمي؛ في جزء من محاولة الحركة لتجميل صورتها أمام العالم.

لكن حتى الأن، لم تقدم حكومة طالبان أي خطة لكيفية التصدي لأثار وتبعات التغير المناخي والجفاف الذي شهدته البلاد، ولم تعلن أي خطة لخلق الوظائف أو تقديم الدعم للسكان الذين يغرقون في الفقر.

جدير بالذكر أن حكومة حركة طالبان لم تحظَ باعتراف دولي ما أدى إلى قيام القوى العالمية والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية إلى حجب المساعدات المالية والاقتصادية التي كانت تقدم للبلاد وتجميد أصولٍ بمليارات الدولارات.

أطلقت الأمم المتحدة في يناير 2022 نداءً طالبت فيه من الجهات المانحة بجمع خمسة مليارات دولار على شكل مساعدات لأفغانستان خلال العام الجاري لتجنب كارثة إنسانية.

قالت الأمم المتحدة إن ثمة حاجة لتوفير مبلغ 4.4 مليار دولار للمساعدات داخل أفغانستان ومبلغ 623 مليون دولار لدعم ملايين الأفغان الذين لاذوا بالفرار إلى الخارج، مشيرة إلى أن 22 مليون أفغاني في الداخل و5.7 مليوناً آخرين من النازحين الأفغان في خمس دول مجاورة في حاجة إلى مساعدات ضرورية هذا العام. لكن حتى الأن جاءت استجابات الحكومات بطيئة.

على جانب أخر، يحاول عمال الإغاثة بذل ما في وسعهم، عبر توفير مساعدات طارئة تتضمن حصصاً غذائية ومستلزمات طبية بالإضافة إلى تمويل المراكز التي تؤمن الطعام المجاني للمحتاجين، لكن حجم المعاناة يكبر يومياً ومعظمهم يكافح من أجل التأقلم مع هذه الأوضاع.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.