منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

ارتفاع درجات الحرارة يزيد حالات “الطلاق” بين الحيوانات ويهدد التنوع البيولوجي

يتعرض التنوع البيولوجي في العالم للتهديد المستمر بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات الشديدة في أنماط المناخ والطقس.

في حين أن الخطاب المحيط بكيفية تأثير تغير المناخ على التنوع البيولوجي يبدو قاتمًا ومتشائمًا، إلا أن هناك جانبًا آخر مثيرًا للاهتمام كشفه العلماء حول كيفية تكيف الأنواع المختلفة من الحيوانات على مدى العقود مع ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الاحترار.

تتكيف الأنواع عادةً بثلاث طرق، وفقًا لما ذكره مورجان تينجلي، الأستاذ المشارك في علم البيئة وعلم الأحياء التطوري بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، لشبكة ABC News.

في الأولى، يغيرون توزيعهم أو يغيرون المساحات أو ينتقلون من مكان إلى آخر عندما تصبح المنطقة شديدة الحرارة (إما إلى منطقة أكثر برودة أو إلى ارتفاعات أعلى).

هناك أيضًا تحولات في علم الفينولوجيا، ويُعرف بأنّه العِلم الذي يُعنى بالتغيرات الرئيسة التي تطرأ على النباتات والحيوانات في بداية فصل الربيع عادةً، وبالتحديد أثناء الفترة المُتضمّنة للأمطار الغزيرة مع الطقس الأكثر دفئاً في نهاية فصل الشتاء، مثل وقت ولادة الغزلان أو عندما تعود الطيور من الهجرة.

فيما يخص الطريقة الثالثة، فإن الأنواع نفسها تتغير، إما من خلال التطور أو الانتقاء الطبيعي، كما أشار تينجلي.

قال تينجلي إن الطريقة الثالثة التي تتغير فيها الأنواع لم تحظ بدراسات كافية، لكن المزيد والمزيد من الأبحاث آخذة في الظهور لتحديد دور تغير المناخ في التكيف.

يعتبر فقدان التنوع البيولوجي أمرًا معقدًا، والتأثير الأكبر عليه ليس بسبب تغير المناخ، إنما يكون من خلال فقدان الموائل، وهو تأثير بشري بامتياز، وفقًا للخبراء.

لكن المزيد من الأبحاث مؤخرًا تدرس أيضًا الدور المحتمل لتغير المناخ في زيادة التهديدات التي يتعرض لها التنوع البيولوجي.

قالت ماريا بانيو، عالمة البيئة في محطة دونانا البيولوجية، وهي معهد أبحاث عام في إشبيلية بإسبانيا: “إن تغير المناخ بمثابة قاتل عالمي”. ” فهو غالبًا ما يضاعف تأثير المخاطر التي تواجهها الحيوانات ويجعلها أسوأ بكثير.”

هناك بعض الطرق غير المعتادة التي يؤثر بها تغير المناخ على الطبيعة والتنوع البيولوجي، أبرزها تزايد مخاطر الإصابة بمرض السل لدى حيوانات السرقاط.

دراسة نُشرت في مجلة Nature Monday أكدت أن درجات الحرارة المرتفعة تؤدي إلى زيادة خطر تفشي مرض السل في صحراء كالاهاري ميركاتس في جنوب إفريقيا، عن طريق زيادة الإجهاد الفسيولوجي، وكذلك حركة الذكور بين المجموعات.

قالت بانيو إنه مع استمرار ارتفاع درجة حرارة صحراء كالاهاري، تصبح أجساد حيوانات السرقاط أكثر إجهادًا، وبالتالي لا يمكنها الاستيقاظ مبكرًا للبحث عن الطعام في معظم أوقات العام.

كما تؤدي الحرارة، جنبًا إلى جنب مع ظروف الجفاف وتناقص كميات الأمطار، إلى تناقص توافر الغذاء أيضًا.

يمكن أن يؤدي الإجهاد البدني الواسع الانتشار بين حيوانات السرقاط إلى أمراض مستوطنة مثل السل، ولأن هذا النوع يعتبر من الأنواع الاجتماعية ويتفاعل في مجموعات، تزداد بالتالي حالات تفشي المرض بين حيوانات السرقاط.

أكدت بانيو أن سلوكا مماثلا شوهد في السناجب، التي يمكنها نشر العدوى البكتيرية التي تصاب بها “على نطاق أوسع” في ظروف أكثر دفئا.

 

اقرأ أيضًا.. صناعة الأزياء تستهلك مواردنا وتفاقم أزمة تغير المناخ.. حان الوقت لتغيير ثقافة “الموضة”

 

المناخ وفقدان التنوع البيولوجي

وجدت دراسة نشرت في مجلة Royal Society Journal في نوفمبر أن طيور القطرس، وهي فصيلة أحادية الزواج، أي تكتفي بشريك واحد فقط مدى الحياة، تشهد معدلات “طلاق” أعلى مع ارتفاع درجات الحرارة.

وجد الباحثون الذين درسوا أكثر من 15000 زوج من طيور القطرس في جزر فوكلاند على مدى 15 عامًا أن معدل أزواج طيور القطرس السوداء التي انقسمت ووجدت أزواجًا جددًا ارتفعت إلى 8٪ خلال سنوات من ارتفاع درجات حرارة المياه بشكل غير معتاد.

قال العلماء إن المعدل السابق للطلاق بين هذا النوع، كان من 1٪ إلى 3٪، ويشمل عادة إناث طيور القطرس، وكان سببه محاولات الإناث العثور على رفيق جديد نتيجة لموسم تكاثر غير ناجح.

لكن خلال سنوات الدفء غير المعتاد، ازدادت حالات الانفصال حتى بين الأزواج الذين تكاثروا بنجاح.

خلص الباحثون إلى أن هذه الدراسة هي “أول دليل على تأثير الظروف البيئية السائدة على انتشار الطلاق بين طيور القطرس”.

قال الباحثون أيضًا إن النتائج ستوفر “نظرة ثاقبة” لدور البيئة في الطلاق في مجموعات أخرى من الطيور والثدييات أحادية الزواج.

كما وجد العلماء أن مجموعات الدببة القطبية تعاني من خسارة تصل إلى 10٪ في التنوع الجيني على مدى 20 عامًا بسبب زواج الأقارب الذي نتج عن تجزئة الموائل، وفقًا لدراسة حديثة نُشرت في سبتمبر.

الموائل هي مواطن الكائنات الحية، والأماكن التي تعيش فيه الحيوانات والنباتات وتتغذى فيها عادةً.

أما تجزئة الموائل، والمعروفة أيضًا باسم تجزئة الأنواع، هي عملية يتم من خلالها تقسيم الموائل الكبيرة والمتجاورة إلى بقع أصغر ومعزولة من الموائل، وهي أحد أبرز أسباب فقدان التنوع البيولوجي.

درس العلماء في سفالبارد، الأرخبيل النرويجي على بحر بارنتس، ووجدوا أن زواج الأقارب مرتبط بـ “الاختفاء السريع للجليد البحري في القطب الشمالي”.

وصف سيمو مادونا، الباحث في المعهد النرويجي لأبحاث الاقتصاد الحيوي ومؤلف الدراسة، النتائج بأنها “مثيرة للقلق” و “مفاجئة”.

وقال مادونا إن الافتقار إلى التنوع الجيني يمكن أن يؤدي في النهاية إلى عدم قدرة الأنواع على إنجاب ذرية خصبة أو إنجاب ذرية تحمل المرض.

على جانب أخر، تشهد الطيور في المناطق غير المضطربة من غابات الأمازون المطيرة، وهي الأكبر في العالم، تغيرات فيزيائية في المناخ الأكثر حرارة وجفافًا، وفقًا لبحث نُشر في Science Advances في نوفمبر.

وجد العلماء الذين درسوا بيانات تخص أربعة عقود مضت، تتعلق بأنواع الطيور الأمازونية، أن 36 نوعًا فقدوا وزنًا كبيرًا، بعضها فقد حوالي 2٪ من وزن الجسم في العقد الواحد منذ عام 1980.

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت جميع الأنواع انخفاضًا في متوسط ​​وزن الجسم.

قال الباحثون: “في مواجهة البيئة المتغيرة، تقتصر الاستجابات البيولوجية للأنواع على الانقراض، وتغيرات التوزيع، والتكيف”.

وأضافوا: “بالنسبة للطيور في المناطق المنخفضة من منطقة الأمازون، فإن الاتجاهات السكانية لمجموعة فرعية من المجتمع ليست مشجعة.”

انخفض هطول الأمطار في المنطقة مع ارتفاع متوسط ​​درجة الحرارة، كل ذلك خلال فترة الدراسة.

قال تينجلي، الذي يدرس هذه الطيور، إن الفرضية العامة المحيطة بهذه الظاهرة هي أن الحيوانات يجب أن تنكمش مع ارتفاع درجات الحرارة لتصبح أكثر “كفاءة من حيث الحرارة” وتنظيم حرارة الجسم.

أضاف: “لأنه مع ازدياد دفء الأشياء، يصبح من الأفضل أن يكون لديك حجم جسم أصغر يساعدك على تبديد الحرارة بشكل أكثر فعالية”.

فيما وجد الباحثون الذين راقبوا حيوانات الفقمة الرمادية في منطقة سكومير مارين في المملكة المتحدة لمدة ثلاثة عقود أن تغير المناخ تسبب في إنجاب الأمهات المتقدمة في السن في وقت مبكر عن المعتاد.

ووجد العلماء أن السنوات الأكثر دفئًا مرتبطة أيضًا بمتوسط ​​عمر الأمهات الأكبر سنًا.

تبدأ الفقمة الرمادية في التكاثر عادة في عمر الـ 5 سنوات ويمكن أن تستمر في الإنجاب لعدة عقود بعد ذلك. لكن كلما تقدمت في السن، كلما ولدت في وقت مبكر عن موعد الولادة الطبيعية.

لم تكن التغييرات المتعلقة بالفقمة مقصورة على المملكة المتحدة، بل وجدت الدراسة أن هناك تغييرات ملحوظة في توقيت حياة الفقمة في جميع أنحاء المحيط الأطلسي والعالم.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.