منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

الصراع والتغير المناخي في سوريا يدمران الأراضي الزراعية

قال تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن آثار الحرب والتغير المناخي في سوريا إن الجفاف وموجاته الطويلة والأنهار الجافة تركت بصمتها على الأراضي الزراعية السورية، وأدت إلى زعزعة استقرار المناطق التي دمرها تنظيم الدولة الإسلامية والصراع المسلح.

في منطقة الحسكة، شمال شرق البلاد، يقف طابور طويل من العائلات والرجال والمعاقين أمام المخبز الأكبر في المنطقة، في انتظار أكياس الخبز المسطح المدعوم، نظرًا لرخص ثمنه، والذي يباع بحوالي ربع سعر السوق.

ألقت الآثار الطبيعية لتغير المناخ بظلالها على رغيف الخبز في سوريا، الذي تحول لونه إلى الأصفر الباهت بدلاً من الأبيض النقي التقليدي.

صرح مدير المخبز​​ للصحيفة “بدأنا قبل ثلاثة أو أربعة أشهر تجربة جديدة، نخلط خلالها الطحين بالذرة لتجنب نفاد الخبز وضمان توافره”.

الوصفة الجديدة غير مرحب بها تمامًا بين الأهالي في الحسكة، لكن ما باليد حيلة، وفق ما أكده العديد من الواقفين في الطابور الطويل انتظارًا لخبز أقل سعرًا.

ارتبط الجفاف الذي طال أمده في المنطقة بتغير المناخ الذي تعاني منه جميع دول العالم، لكن في شمال شرق سوريا، سلة الخبز التاريخية للبلاد، تضاعفت الآثار بسبب الحرب التي استمرت أكثر من عقد، والاقتصاد المدمر والبنية التحتية المدمرة وزيادة الفقر، ما ترك المجتمع الضعيف أكثر عرضة لخطر زعزعة الاستقرار.

في العام الماضي، أفاد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أن ما يقرب من نصف سكان سوريا ليس لديهم ما يكفي من الغذاء، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد خلال العام الجاري.

العديد من المزارعين قرروا إراحة حقول التربة الحمراء، بعدما أصبحوا غير قادرين على تحمل تكلفة البذور أو الأسمدة أو الديزل لتشغيل مضخات المياه بهدف تعويض انخفاض هطول الأمطار على مدى السنوات الماضية.

صرح المزارعون والمسؤولون الحكوميون وجمعيات الإغاثة للصحيفة بأن القمح الذي يزرعونه ذا نوعية رديئة ويباع بسعر أرخص بكثير من عامين قبل الجفاف الحالي.

قال مات هول، المحلل الاستراتيجي في منظمة إنقاذ الطفولة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية: “قضية تغير المناخ هذه متشابكة مع قضايا أخرى، لذا فهي ليست الأزمة الوحيدة”.

أضاف “هناك حروب وعقوبات والاقتصاد انهار والمنطقة لم تعد تملك أموالًا، وبالتالي فإن استيراد القمح لا يعالج الركود”.

الحسكة هي محافظة سورية تقع في الشمال الشرقي من البلاد، وهي مقسمة إلى أربع مناطق إدارية وأربع عشرة ناحية. توجد فيها آلاف من القرى المنتشرة خصوصًا قرب المصادر المائية لا سيما نهر الخابور، الذي يقطع المحافظة أتيًا من مدينة رأس العين شمالًا مارًا منها باتجاه الجنوب حيث يتحد مع نهر الفرات قرب مدينة دير الزور الواقعة شرق سورية.

معظم السكان من العرب مع وجود أقلية كردية كبيرة وأقلية سريانية أصغر في القامشلي ورأس العين، وأغلبهم يعمل بالزراعة.

 

اقرأ أيضًا.. ما هو تغير المناخ؟ كل شيء عن أزمة القرن الـ 21

 

تبعات الصراع والتغير المناخي في سوريا

نما نهر الفرات وأكبر رافده، نهر الخابور، منذ آلاف السنين، وهو أحد أقدم المستوطنات الزراعية في العالم، ولكنه جاف الآن.

تقول وكالة الفضاء الأمريكية، ناسا، التي تدرس تغير المناخ، إن الجفاف الذي بدأ في عام 1998 هو الأسوأ الذي شهدته بعض أجزاء من الشرق الأوسط منذ تسعة قرون.

تركيا التي تسيطر على أجزاء من شمال سوريا، تتحكم أيضًا في إمدادات المياه القادمة لهذه المنطقة عبر مقاتلين بالوكالة، متهمة بتقليص تدفق المياه للحسكة التي يقطنها الأكراد، حيث تعتبرهم أنقرة أعداء.

منذ أن استولت تركيا على محطة علوك لضخ المياه، مصدر المياه الرئيسي لمحافظة الحسكة، في عام 2019، تقول وكالات الإغاثة إن القوات الخاضعة لقيادتها أغلقت مضخات المياه مرارًا وتكرارًا، ما عرض حوالي مليون شخص لخطر الموت.

نفت تركيا الاتهامات الموجهة لها بالمسؤولية عن إغلاق المضخات، وألقت باللوم على انقطاع التيار الكهربائي في المنطقة بسبب مشاكل فنية أدت إلى نقص الكهرباء المنتجة من سد الخابور، الخارج عن سيطرتها على حد زعمها.

ذكرت اليونيسف أن إمدادات المياه انقطعت 24 مرة على الأقل منذ نهاية عام 2019، ما جعل آثار الجفاف واضحة للعيان في بلدة الشدادي الصغيرة، على بعد 50 ميلاً جنوب الحسكة، حيث نهر الخابور تحول إلى بحيرة مائية موحلة وبرك من المياه العكرة.

يعتمد العديد من المزارعين على نهر الخابور في ري حقولهم، ومع انخفاض مستوى النهر، يتعين عليهم تشغيل مضخاتهم التي تعمل بالديزل لفترة أطول للحصول على نفس الكمية من المياه.

على إثر ذلك، ارتفعت أسعار وقود الديزل، إلى جانب أسعار الضروريات الأخرى، بسبب الحصار الاقتصادي على المنطقة من قبل تركيا من جانب، والحكومة السورية من جانب أخر، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد سوريا، والتي تؤثر أيضًا على هذه المنطقة. .

كذب محمد صالح، رئيس البلدية، المزاعم التركية، وألقى باللوم عليها وحملها المسؤولية في تقليص إمدادات المياه في محطة ضخ علوك. وقال: ” يفتحون المياه يوم و10 أيام لا يفعلون”.

صالح يقول إن 60 بالمائة من السكان المحليين يعيشون الآن تحت خط الفقر، وأن بعض الناس يأكلون وجبة واحدة فقط في اليوم.

أضاف: ” التغير المناخي والجفاف يؤثران على العالم بأسره، لكن هنا في هذه المنطقة التي تخضع لحكم ذاتي ليس لدينا الاحتياطيات للتعامل معهما.”

تركت الحرب ضد داعش أجزاءً بأكملها من قرية الشدادي في حالة خراب، بحسب السلطة المحلية، حيث دمرت الغارات الجوية بقيادة الولايات المتحدة المنازل الكبيرة ومحطات الضخ والمدارس والمخابز التي يستخدمها التنظيم، وأعيد بناء المخبز المركزي والعديد من المدارس فيما بعد.

ساهم الفقر المدقع وانعدام الفرص في جميع أنحاء المنطقة في انضمام الشباب إلى تنظيم الدولة “داعش”.

قال هول: “هذا جزء صغير من اللغز الكارثي الكبير، المظالم التي تفاقمت بسبب تغير المناخ هي نفسها التي تسبب خيبة الأمل للشباب وتدفعهم للتجنيد في صفوف داعش”.

كما دفع الجفاف المستمر العائلات على نقل أسرهم من مزارع الأجيال إلى المدن التي تتمتع بمزيد من الخدمات وفرص كسب العيش.

قال هول: “المياه تحافظ على تماسك العديد من هذه المناطق، هذه المجتمعات الزراعية هي الأساس الاجتماعي للعديد من المجالات، إذا أزلتم القدرة الزراعية عنها، فلن يكون هناك ما يربط هذه المدن ببعضها البعض”.

جدير بالذكر أن لجنة الإنقاذ الدولية أصدرت في نهاية يناير الماضي، تقريراً عن الاقتصاد السوري والظروف المعيشية في سوريا، محذرًا من مستويات قياسية من انعدام الأمن الغذائي وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

أوضحت اللجنة أنه بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار، تسببت ندرة المياه في شمال سوريا في موجات جفاف لملايين الأشخاص، ما يعرض الصحة والمياه والأنظمة الأخرى للخطر.

كما حذرت منظمات إغاثة دولية من تعرض الملايين من الأشخاص في سوريا والعراق للعطش والجوع وعدم الاستقرار، وخطر فقدان الوصول إلى المياه والكهرباء والغذاء، وسط ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بسبب التغير المناخي في سوريا والعالم وانخفاض مستويات المياه بشكل قياسي بسبب الجفاف وقلة هطول الأمطار.

في إبريل من العام الماضي، قدرت “حكومة الحكم الذاتي لشمال شرقي سوريا” انخفاضًا بأكثر من 5 أمتار من منسوب مياه “نهر الفرات” وأكثر من 4 أمتار من منسوب بحيرة “سد تشرين” وزيادة نسبة الانخفاض عن ثلاثة أمتار في بحيرة “سد الفرات”.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.