منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

العدالة المناخية في عالم مضطرب.. كيف يؤدي الفقر وعدم المساواة لتفاقم الأزمة؟

هناك أشخاص يتحملون مسؤولية تغير المناخ أكثر من غيرهم، وثمة آخرون يتأثرون بسببه أكثر من غيرهم أيضًا، ومن هنا برزت قضية “العدالة المناخية”.

العدالة المناخية هي مصطلح يهدف إلى وضع مسألة الاحتباس الحراري ضمن إطار القضايا والمشاكل السياسية والأخلاقية، بدلاً من كونها قضية بيئية أو فيزيائية بحتة في الطبيعة.

يحدث ذلك عبر ربط تأثيرات الاحتباس الحراري مع مبادئ العدالة، وعن طريق استكشاف بعض القضايا الناجمة عن الاحتباس الحراري مثل المساواة وحقوق الإنسان والحقوق الجماعية والمسؤوليات التاريخية.

من ضمن أهداف “العدالة المناخية”، تحميل الدول الغنية المسببة لتلوث المناخ، والأقل تضررًا منه، المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بالدول الفقيرة جراء تفاقم الأزمة.

وفق التقرير الجديد الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، ما يقرب من نصف سكان العالم- ما بين 3.3 و 3.6 مليار شخص- يعيشون في مناطق شديدة التأثر بتغير المناخ، ويعتمد مدى تعرض هؤلاء لتأثيرات تغير المناخ على مدى الفقر والوضع في المجتمع وموروثات الاستعمار أيضًا، وهذا بالضبط ما كانت تقوله المنظمات البيئية والحركات الاجتماعية منذ عقود

أقر التقرير، الذي اعتمد على 34000 دراسة سابقة، أن موجات الحر والعواصف جعلت الوصول إلى الطعام المغذي والمياه النظيفة أقل أمانًا. هذا هو الحال بشكل غير متناسب في إفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية والجزر الصغيرة والقطب الشمالي.

نتيجة لذلك، يواجه السكان الأصليون وصغار منتجي الأغذية والأسر ذات الدخل المنخفض أزمات عديدة أبرزها سوء التغذية والحرمان من المياه النظيفة، مع تضرر الأطفال وكبار السن والحوامل بشكل خاص.

كما تسافر النساء لمسافات بعيدة في المناطق المعرضة للجفاف للحصول على المياه النظيفة، مما يزيد من مخاطر تعرضهن للعنف القائم على النوع الاجتماعي.

يتعرض واحد من كل ثلاثة أشخاص بالفعل لإجهاد حراري مميت، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى ثلاثة من كل أربعة بحلول نهاية القرن. في الوقت نفسه، سيتعرض مليار شخص يعيشون على السواحل لفيضانات خطيرة كل عام بحلول عام 2050.

سيسمح ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة للبعوض وناقلات الأمراض الأخرى بغزو مناطق جديدة، ونشر الأمراض بين الناس، حمى الضنك على سبيل المثال، وفي المحاصيل والثروة الحيوانية والحياة البرية.

هذا يعني المزيد من الوفيات والمعاناة في البلدان الفقيرة التي تفتقر إلى البنية التحتية الصحية واللقاحات وجمع البيانات وأنظمة الإنذار المبكر.

يشكل ارتفاع مستوى سطح البحر “تهديدًا وجوديًا” لبعض الجزر الصغيرة وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

بالفعل، يواجه الأشخاص الذين يعيشون في هذه الأماكن فترات جفاف أطول، وفيضانات أعمق، وأسماك أفسدها سخونة مياه المحيطات، وتلوث المياه العذبة بسبب زحف البحار، فيما تسببت العواصف في تدمير المنازل والمدارس والمستشفيات والمتاجر والمحاصيل بشكل متزايد.

عندما تضرب الفيضانات أو العواصف مكان ما، غالبًا ما يفتقر الأشخاص ذوو الإعاقة وكبار السن والشباب والفقراء إلى الوسائل اللازمة للإخلاء بأمان.

من المرجح أيضًا أن تعيش المجموعات المهمشة في منازل غير آمنة، تكون أكثر عرضة للرياح القوية وأشكال أخرى من المخاطر.

في الدول التي كانت مستعمرة من قبل، يعاني غالبية السكان من الفقر الشديد بسبب السياسات التجارية الحديثة، والتي صممت بالأساس لإعفاء الشركات الأجنبية العاملة في هذه البلدان من دفع الضرائب، ما يقلل من الأموال الموجهة للاستثمار في التكيف مع تغير المناخ.

في دولة السنغال الواقعة في غرب إفريقيا على سبيل المثال، جعلت موجات الجفاف المستمرة مئات الآلاف من الناس بدون إمدادات غذائية يمكن الاعتماد عليها، في المقابل، الحكومة تنفق أكثر من ربع ناتجها المحلي الإجمالي لخدمة الدين الخارجي، متجاهلة الاستثمار الحيوي في إنتاج الغذاء والخدمات العامة.

 

اقرأ أيضًا.. أخطر تقرير في العالم.. الهيئة الحكومية المعنية بـ تغير المناخ تطلق الإنذار الأخير

 

العدالة المناخية والتمويل العالمي

يوضح التقرير أن العديد من التأثيرات المناخية لا مفر منها الآن، مثل موجات الحر الشديدة على نحو متزايد، وحرائق الغابات، والعواصف، والأمراض، وارتفاع مستوى سطح البحر، وللحفاظ على مستقبل ملائم للعيش لغالبية البشر والأنواع على الأرض، يجب الحد من حجم التأثيرات بقدر الإمكان.

في حال زادت درجة حرارة الأرض درجتين مئويتين، سيتعرض ما يقرب من ملياري شخص إضافي للحرارة الشديدة والإجهاد الغذائي والمائي، وسنفقد العديد من الجزر والشعاب المرجانية ومناطق الدلتا والمدن الساحلية بسبب ارتفاع منسوب المياه.

على الرغم من أن التقرير يشير إلى أهمية العدالة المناخية والإنصاف في اقتراح بعض الحلول، إلا أنه لا يتطرق إلى مسألة توزيع المسؤولية بشكل كافي.

ترى منظمات المجتمع المدني ونشطاء البيئة والمناخ أنه يجب على البلدان المسؤولة عن الانبعاثات العالمية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أن تقود الطريق لإزالة الكربون من اقتصاداتها كخطوة على طريق تحقيق العدالة المناخية.

كما أقر الباحثون المشاركون في التقرير بوجود فجوة كبيرة في التمويل الموجه لمساعدة البلدان الفقيرة على التكيف مع الآثار المناخية التي لا مفر منها.

على الرغم من الالتزام بجمع 100 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2020، لم تلتزم الدول الأكثر ثراءً بتعهداتها بهامش يبلغ حوالي 87٪، إذا تم استبعاد القروض وأشكال التمويل الأخرى غير الممنوحة.

حيث أعطى التمويل، الذي وصل إلى أفقر أجزاء العالم، الأولوية لتخفيف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على التكيف مع تغير المناخ.

تعد زيادة تمويل التكيف أمرًا ضروريًا لمساعدة المجتمعات على بناء المنازل والبنية التحتية التي يمكنها تحمل العواصف القوية، على سبيل المثال، وتمكين طرق الهجرة الآمنة والكريمة مع المشاركة النشطة من النازحين، وزراعة الأشجار التي يمكن أن تبرد المدن وتجنب موجات الحر المميتة، ومساعدة البلدان على توسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والأغذية المنتجة على نحو مستدام والمياه النظيفة والنقل والتعليم والطاقة المتجددة.

حذر التقرير أيضًا من أن السكان الأفقر في العالم هم الأكثر عرضة للخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، والتي لا يمكن التكيف معها.

وفق الأبحاث المنشورة في مجلة لانسيت الطبية فمنذ عام 2015، كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وروسيا واليابان وكندا مسؤولة معًا عن 85 ٪ من إجمالي الانبعاثات.

طالبت الدول الفقيرة في مؤتمر المناخ COP26، بمساهمات مالية من الدول الأكثر ثراءً للتعامل مع الخسائر والأضرار المرتبطة بالمناخ، ومن المرجح أن تتركز المفاوضات في قمة المناخ المقبلة للأمم المتحدة في مصر في نوفمبر 2022 على هذه النقطة.

يوضح تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أن الدول الغنية لم يعد بإمكانها تأجيل التزاماتها تلك، فكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “التأخير يعني الموت”.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.