منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

تغير المناخ والحرب.. طعنات في قلب الأمن الغذائي الإفريقي من كل اتجاه

تعاني إفريقيا من أزمة غذاء كارثية، ما فتئت تتفاقم منذ سنوات عندما بدأت أثار تغير المناخ تضرب القارة بشراسة، فأدت إلى تعطيل أنماط الطقس وإلحاق الضرر بالزراعة.

بالإضافة إلى ذلك، زادت الحرب الروسية في أوكرانيا تفاقم الأزمة الموجودة بالفعل، حيث توقفت الصادرات الغذائية من روسيا وأوكرانيا لإفريقيا، ما قد يكون له عواقب وخيمة على المناطق التي تعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي بسبب تغير المناخ جزئيًا.

 

أزمة الغذاء وتغير المناخ

في السنوات العشرين القادمة، ستتعرض الإمدادات الغذائية والأمن الغذائي العالمي لتهديد شديد إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة فيما يخص أزمتي الغذاء وتغير المناخ معًا.

وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فإن مدى تأثيرات تغير المناخ على المناطق الفردية سوف يختلف بمرور الوقت، وستتمتع النظم المجتمعية والبيئية المختلفة بقدرات متنوعة للتخفيف من التغيرات أو التكيف معه.

تشمل الآثار السلبية لتغير المناخ الارتفاع المستمر في درجات الحرارة العالمية، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار، وزيادة تواتر الجفاف وموجات الحر، وارتفاع مستوى سطح البحر، وذوبان الجليد البحري، وزيادة مخاطر الكوارث الطبيعية الشديدة.

الأخطار الأكثر إثارةً للقلق فيما يخص المنطقة الأفريقية. المصدر: تحليل المنظمة (WMO) للمساهمات المحددة وطنياً التي أبلغ بها 53 بلداً في أفريقيا

يشير تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الأخير، في مجمله، إلى أن صافي تكاليف الأضرار الناجمة عن تغير المناخ من المرجح أن تكون كبيرة وأن تزداد بمرور الوقت.

التوقعات المستقبلية تشير إلى انخفاض كبير في الغلة العالمية وتحديدًا الذرة والقمح؛ بنسبة كبيرة ستكون الآثار السلبية لتغير المناخ الناشئة عن زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري سببًا رئيسًا في هذه الانخفاضات.

دعونا نركز على أبعاد أزمة الغذاء في أكثر المناطق تأثرًا في العالم بالآثار السلبية وتغير المناخ، إفريقيا.

في أجزاء كثيرة من البلدان الأقل نموًا في إفريقيا، يعد القمح والذرة مكونًين رئيسيين في النظام الغذائي اليومي ويلعبا دورًا رئيسيًا في تحقيق الأمن الغذائي في تلك المناطق، حيث يتم استهلاك ما يقرب من 950 مليون طن متري سنويًا من الذرة، وما يقرب من 700 مليون طن متري من القمح.

يوفر القمح وحده أكثر من 20 في المائة من السعرات الحرارية والبروتين لسكان العالم، وفي أفريقيا، يوفر القمح 14٪ من السعرات الحرارية المستهلكة، ومع النمو السكاني والتوسع الحضري السريع وتغيير أنماط الحياة وزيادة استخدام الخبز كجزء من نظام غذائي أساسي للعديد من الأفارقة، من المتوقع أن يتضاعف هذا العدد بحلول عام 2050.

لضمان الأمن الغذائي للسكان المتوقع أن يبلغ عددهم 9.6 مليار شخص بحلول عام 2050، تتوقع منظمة الأغذية والزراعة أن إنتاج الغذاء يجب أن يزيد بنسبة 60 في المائة على الأقل لتلبية الطلب.

تأثيرات المناخ على الغلات ظهرت بالفعل في عدد من المناطق، أبرزها شمال وشرق إفريقيا، وسكان هذه المناطق سيدفعون ثمنًا باهظًا وفق الأمم المتحدة.

تعاني شرق إفريقيا، على سبيل المثال، من جفاف قاسي لمدة ثلاثة مواسم متتالية، الأرض باتت قاحلة في أجزاء من كينيا وإثيوبيا والصومال وجيبوتي، ونضبت احتياطيات المياه.

بسبب تغير المناخ، أدت الحرارة التاريخية والجفاف إلى نفوق الماشية والقضاء على المحاصيل، بما في ذلك الحبوب الأساسية مثل الدخن والأرز والقمح التي تشكل نسبة كبيرة من الأمن الغذائي والوجبات الغذائية في المنطقة.

تعاني أجزاء أخرى من القارة، تحديدًا البلدان الواقعة جنوب الصحراء من مشاكل مماثلة، لكن الوضع في شرق إفريقيا مرعب، حيث يواجه حوالي 13 مليون شخص “نقصًا حادًا في الغذاء والماء”، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

بحلول منتصف العام ، من المحتمل أن يصيب نفس المصير 25 مليونًا آخرين.

هذه المجموعات السكانية- وخاصة الفقراء- هم الأكثر ضعفاً من حيث ضعف المحاصيل وارتفاع الأسعار وسوء التغذية في المستقبل القريب.

هذه الأزمة متعددة الأوجه لن تؤدي إلا إلى زيادة الضغط في إفريقيا لزيادة الإنتاج، في حين أن الظروف المعيشية الأساسية في المناطق المحرومة ستنخفض أكثر، فهناك حوالي 283 مليون شخص يعانون بالفعل من الجوع في القارة.

اقرأ أيضًا.. قطر تستثمر 200 مليون دولار في الزراعة الذكية مناخيًا بـ إفريقيا والدول النامية

 

الحرب الروسية الأوكرانية والأمن الغذائي

بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، ازدادت أزمة الغذاء المرتبطة بآثار تغير المناخ في إفريقيا سوءًا، وساهمت الحرب في تفاقم الأمور بشكل كارثي.

تشكل روسيا وأوكرانيا معًا أكثر من ربع صادرات القمح في العالم، بما في ذلك ما يقرب من 50 في المائة من واردات إفريقيا من القمح.

تمثل واردات القمح ما يقرب من نصف تجارة إفريقيا مع أوكرانيا البالغة 4.5 مليار دولار، ونحو 90 في المائة من تجارة القارة مع روسيا البالغة 4 مليارات دولار، وفقًا لأرقام بنك التنمية الأفريقي (AfDB).

في الوقت نفسه، تعتمد شرق إفريقيا على 90٪ من القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا، وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي.

أكثر من 65٪ من واردات القمح لإفريقيا من روسيا وأوكرانيا تذهب إلى السنغال ومصر، بينما دول مثل الكونغو وتنزانيا والسنغال وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تعتمد جميعًا في أكثر من 50٪ من إجمالي وارداتها على القمح الروسي.

يتوقع الخبراء أن تضرب إفريقيا موجات ارتفاع في معدلات التضخم وأسعار المواد الغذائية في وقت لاحق من هذا العام، حيث يتم حظر سلاسل التوريد والواردات الزراعية في المنطقة، وارتفاع أسعار الأسمدة والسلع.

وحذرت الأمم المتحدة من أن تكاليف الغذاء في إفريقيا قد ترتفع بنسبة 22 ٪ حيث تخنق الحرب التجارة الدولية، مما يزيد من خنق الانتعاش الاقتصادي في إفريقيا بعد كوفيد.

بالفعل ارتفعت أسعار المواد الغذائية في العديد من البلدان الأفريقية بشكل كبير حتى في الأشهر التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا، بسبب مشكلات الإمداد المرتبطة بـ Covid-19 والصعوبات الزراعية التي يسببها تغير المناخ، حيث فشلت زيادة تكاليف الشحن واختناقات العرض في العودة إلى مستويات ما قبل Covid-19.

بعد أسبوع من الحرب، ارتفعت أسعار القمح في مصر بواقع 55 دولار للطن، بينما السنغال تستعد لموجة من نقص الإمدادات وزيادة التكاليف في الأشهر المقبلة.

كما أن روسيا وأوكرانيا مصدرين رئيسيين للوقود، والأسمدة، وزيت عباد الشمس، وكلها ضرورية لأنظمة الغذاء في العديد من البلدان النامية في إفريقيا.

الآن، التجارة الروسية مقيدة بفعل العقوبات؛ وفي الوقت نفسه، فإن أوكرانيا غير قادرة على تشغيل موانئ البحر الأسود أو السكك الحديدية التي تنقل منتجاتها برًا.

اقرأ أيضًا.. أول تعليق لنشطاء المناخ بإفريقيا على استضافة مصر Cop27

 

هل تستطيع أفريقيا زيادة إنتاج الغذاء؟

بينما تشهد إفريقيا ارتفاعًا في الأسعار في أعقاب الحرب، ظهرت العديد من المبادرات التي تلح على زيادة إنتاج القارة للغذاء والاكتفاء ذاتيا  ودعم الأمن الغذائي، وتكرار تجربة القارة في زيادة الإنتاج بعد أزمة الغذاء العالمية بين عامي 2007 و2008، حيث زادت إفريقيا إنتاجها من القمح عندما ارتفع سعره في الأسواق العالمية بنسبة 130٪  وفق بيانات المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح (CIMMYT).

تشجع المبادرات الدولية على توسيع الإنتاج والاكتفاء الذاتي في إفريقيا باعتباره عاملاً هامًا للتخفيف من حدة الأزمة داخل المنطقة، لكن الأهم من ذلك، تحسين كفاءة الإنتاج نفسه، لآنه غالبًا ما يكون السبب وراء اعتماد إفريقيا بشكل عام على الواردات الزراعية هو الكفاءة النسبية للإنتاج الزراعي في القارة.

يتطلب الأمر  المزيد من الإصلاح الزراعي المكثف لرأس المال، وربما بعض إصلاح الأراضي، قد تدفع إفريقيا إلى نشر المزيد من المدخلات في إنتاجها الزراعي، على الطريقة الإثيوبية.

يمكن أن نعتبر إثيوبيا نموذجًا تحوليًا في الإنتاج الزراعي في إفريقيا، حيث زادت الدولة من ميكنة الزراعة، مما يعني أن محاصيل القمح تضاعفت على مدى الـ 15 عامًا الماضية، وفقًا لبيانات حكومية،

تساعد التربة الخصبة في إثيوبيا على إنتاج محاصيل تمثل 35٪ من الاقتصاد الوطني، بينما تشغل 73٪ من القوة العاملة. ورغم أنها لا تستطيع حتى الآن مواكبة الاحتياجات المحلية المتزايدة من القمح، إلا أن رئيس الوزراء أبي أحمد يستهدف الاكتفاء الذاتي من القمح بحلول عام 2023.

تنسق CIMMYT مشاريع لتعزيز إنتاجية القمح لأصحاب الحيازات الصغيرة في أماكن مثل رواندا وزامبيا وإثيوبيا، من خلال مساعدة المزارعين على زيادة المحاصيل، وزرع أصناف محسّنة من القمح، ومكافحة أمراض القمح مثل صدأ القمح.

بالنسبة لبنك التنمية الأفريقي، أصبح تخلص إفريقيا عن اعتمادها على السلع الزراعية الروسية أولوية قصوى الآن.

في مارس، أعلن البنك عن صندوق قيمته مليار دولار لزيادة إنتاج القمح والأرز وفول الصويا ومحاصيل أخرى لإطعام 200 مليون أفريقي، وسيتم نشر المزيد من الميكنة والتمويل والاستفادة من التقنيات المقاومة للمناخ لمساعدة 40 مليون مزارع أفريقي.

 

 

اقرأ أيضًا.. أول تقييم عن الأمن المائي بـ إفريقيا: 19 دولة غير آمنة وهذا موقف مصر وتونس

 

حاجة ماسة للحلول

مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتعطل الإمدادات بسبب تغير المناخ والحرب، تحتاج إفريقيا إلى تسخير أكبر عدد ممكن من الحلول المقاومة للمناخ، بسرعة وعلى نطاق واسع، لدرء خطر حدوث أزمة غذائية كارثية.

نحن بحاجة ماسة إلى حلول طويلة الأجل ومستدامة تسمح للزراعة بالتكيف مع كوكبنا الدافئ، حيث يعد الاستثمار في التكيف مع المناخ من أجل الزراعة الطريقة الأذكى والأكثر فعالية من حيث التكلفة لضمان الأمن الغذائي للقارة.

استجابة لذلك، يهدف بنك التنمية الأفريقي وشركاؤه إلى تعبئة مليار دولار لتعزيز إنتاج القمح والمحاصيل الأخرى في أفريقيا.

الهدف هو مساعدة 40 مليون مزارع على زيادة إنتاجهم من أصناف القمح والأرز وفول الصويا وغيرها من المحاصيل المقاومة للحرارة لإطعام حوالي 200 مليون شخص.

ومن الأمور المركزية في هذه الجهود الحاجة إلى تدريب المزارعين على التقنيات الجديدة التي تزيد من قدرتهم على التكيف مع آثار تغير المناخ.

لإطعام قارة جائعة وسريعة النمو، يحتاج المزارعون إلى إنتاج المزيد من الغذاء، بموارد أقل، مع مواجهة أنماط الطقس المتقلبة والفيضانات والجفاف وانتشار مسببات الأمراض وفقدان التنوع البيولوجي.

يعمل المركز العالمي للتكيف (GCA) وشركاء التنمية الآخرون بالفعل على جلب تقنيات مقاومة المناخ إلى المزاعين الذين يزرعون معظم غذاء إفريقيا، وذلك ضمن برنامج تسريع التكيف في إفريقيا، وهي مبادرة تم إطلاقها العام الماضي لعكس قابلية تأثر القارة بتغير المناخ.

يقدر التحالف العالمي للزراعة المناخية أن الاستثمار في المزارع الأفريقية المقاومة للمناخ يكلف أقل من عُشر الأضرار التي تسببها الكوارث المناخية، بما في ذلك خسائر المحاصيل، والإغاثة من الكوارث، وإعادة بناء الطرق، وإعانات المزارعين المتضررين.

بالنسبة لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تقدر هذه التكاليف الهائلة بـ 201 مليار دولار سنويًا، مقارنة بالاستثمارات اللازمة للتكيف مع المناخ في الزراعة، والتي تقدر بنحو 15 مليار دولار، وفقًا لـ GCA.

يواجه المزارعون في أفريقيا جنوب الصحراء التحديات المشتركة المتمثلة في التغير السريع للمناخ وسوء التغذية وتزايد عدد السكان، وسيحتاجون إلى محاصيل أكثر مرونة وإنتاجية ومغذية إذا أرادوا مواجهة هذا التحدي، يجب أن يحدث هذا التغيير بسرعة وعلى نطاق واسع.

في أفريقيا، يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى القضاء على 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030. وهذا يعني أن 100 مليون شخص إضافي سيواجهون الفقر بحلول نهاية العقد.

تعد حماية التنوع البيولوجي الغني في القارة طريقًا لزيادة المحاصيل الزراعية وإيجاد أنواع محاصيل جديدة أكثر ملاءمة للمناخات الأكثر جفافاً وسخونة.

تحتفظ بنوك الجينات بآلاف العينات النباتية المهمة التي يمكن للعلماء استخدامها لتطوير أصناف أفضل، لكنهم عانوا لسنوات من نقص التمويل وعدم كفاية الموظفين، مما يعرض المجموعات النباتية- والأمن الغذائي في المستقبل- للخطر.

كما يوفر مشروع BOLD، الذي تديره Crop Trust بتمويل من النرويج والاتحاد الأوروبي، الدعم المالي والتقني لبنوك الجينات في نيجيريا وزامبيا وكينيا وإثيوبيا وغانا للوصول إلى معايير التشغيل الدولية، مما يضمن سلامة المجموعات، وتتيح لها الاستخدام على المدى الطويل.

ستكون أيضًا ملفات التكيف والتمويل المناخي في إفريقيا على رأس أولويات مؤتمر المناخ المقبل في شرم الشيخ بمصر، حيث ستراجع الأطراف التقدم المحرز في كل من الهدف العالمي للتكيف والهدف الجديد لتمويل المناخ.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.