منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

هل تفقد مصر نصف شواطئها خلال هذا القرن بسبب التغير المناخي؟

تواجه مصر أصعب ظروف التغير المناخي في تاريخها الحديث، والذي قد ينتج عنه خلال هذا القرن انحسار جزء كبير من سواحلها المميزة، والذي قد يكلف مصر مليارات الدولارات ويؤثر سلباً على قطاع السياحة الذي يمثل جزءاً كبيرا من الدخل القومي للبلاد.

تعتبر منطقتي الدلتا والإسكندرية أكثر المناطق المُعرّضة لهذه الآثار السلبية، نظراً لارتفاع مستويات سطح البحر المتوسط، ما قد ينتج عنه مشكلات اقتصادية وديمغرافية مختلفة خلال السنوات المقبلة.

البنك الدولي وهو أحد الكيانات الكبرى المهتمة برصد قضايا التغير المناخي حول العالم، نشر تقريراً من إصدار PDA حول الآثار المحتملة للظاهرة على السياحة والبنية التحتية الصناعية والمجتمعات السكنية على طول سواحل مصر في حال استمرار الأمر دون رادع.

أوضح التقرير أن بعض أجزاء السواحل المصرية أكثر عرضة للتآكل من غيرها مقارنة بالدول العربية في منطقة شمال إفريقيا، إذ أن التركيبة الجيولوجية للشواطئ الرملية وسواحل الدلتا على البحر المتوسط تجعلها معرضة بشكل كبير لارتفاع مستوى سطح البحر.

أكدت إحدى الدراسات أن نحو 72% من الساحل الشمالي للبلاد على أنها شديدة التعرض للخطر أو شديدة الخطورة.

فيما كشفت دراسة أخرى أنه بين عامي 1990 و2014، شهدت الشواطئ المصرية تآكلاً في بعض أجزاء الخط الساحلي بمتوسط 10-21 مترا سنويا.

بالعودة إلى تقرير البنك الدولي، فنجد أنه تضاعف عدد الهكتارات المفقودة في البحر كل عام تقريبا بين 1984-2001 و2001-2018، وفي هذا الرصد اتسند التقرير على بيانات الأقمار الصناعية المنشورة في مجلة الإسكندرية للتبادل العلمي عام 2021.

يعتبر تآكل السواحل عملية طبيعية في كثير من شواطئ العالم، لكن ما يزيد الأمر تعقيداً بالنسبة للسواحل في مصر، هو سوء التخطيط العمراني، لا سيما في السنوات الـ20 الأخيرة، والتي شهدت أكبر وأسرع توسع عمراني لمصر ، ما يساهم وبشدة في تغيّر المناخ.

كما تؤدي العواصف وارتفاع مستوى سطح البحر والتيارات البحرية إلى تآكل جميع السواحل ببطء مع مرور الوقت. لكن التنمية الصناعية والسياحية والتوسع العمراني، والتي غالبا ما تنطوي على عمليات مدمرة مثل التجريف، عطلت عملية نقل الرواسب التي تساعد في تشكيل خطوطنا الساحلية، مما يجعلها أكثر عرضة للتآكل. وفي الوقت نفسه، فإن الأحداث المناخية المتطرفة وارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغير المناخ بفعل الإنسان هي عوامل تسبب التعرية الطبيعية.

اقرأ أيضًا.. دراسة: ارتفاع منسوب البحر يهدد 4 مواقع تراثية مصرية بالغرق في الإسكندرية وسيناء

السد العالي في أسوان أحد أكبر الجناة

يمنع السد خلفه ما يقدر بنحو 90% من الرواسب، تاركاً السواحل والشواطئ الواقعة في اتجاه مجرى النهر “متعطشة للتجديد”، كما يكشف تقرير البنك الدولي.

من المتوقع أن تغمر المياه نحو 30% من الإسكندرية حال ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 0.3 متر فقط! (وهذا يعتبر  أقل بشكل طفيف من السيناريو الأكثر تفاؤلا)، وفقا للتقرير.

بالطبع سيؤدي هذا إلى نزوح نحو 545 ألف شخص وفقدان 70.5 ألف وظيفة. وبالمثل، فإن بورسعيد ومدن أخرى على ساحل الدلتا عرضة للخطر.

 

اختفاء نصف شواطئ العالم بسبب التغير المناخي

نوهت دراسة مثيرة للقلق أجراها مركز أبحاث المفوضية الأوروبية عام 2020 أن نحو نصف شواطئ العالم يمكن أن تزول بسبب التغير المناخي بحلول عام 2100. وبالنسبة لمصر، فإن هذا يمثل أفضل سيناريو، وفقاً لمُعد الدراسة الرئيسي ميكاليس فودوكاس.

ربما يمثل ذلك أزمة اقتصادية كبيرة لكثير من دول العالم، ربما يؤدي تآكل السواحل إلى أضرار كبيرة في الممتلكات، وفقدان الوظائف، وانخفاض عائدات السياحة والضرائب.

يرى البنك الدولي أنه من الصعب قياس التأثير الاقتصادي المتوقع على النطاق الوطني. لكن الفيضانات الساحلية في الإسكندرية وحدها، التي تستضيف نحو 40% من الطاقة الصناعية لمصر، فضلا عن كونها مركزا سياحيا، يمكن أن تؤدي إلى خسائر سنوية تصل إلى 504-581 مليون دولار بحلول عام 2050. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى خسائر للسياحة الشاطئية في سهل حشيش وخليج مكادي بالبحر الأحمر مع خسائر يومية قدرها 350 ألف دولار بحلول منتصف القرن، وفقا لدراسة وردت في التقرير.

بالنظر إلى ما تفعله الحكومة المصرية تجاه أزمة التغير المناخي، فنجد أنها اتخذت بعض الإجراءات الملموسة، مثلا: اعتمدت على الحلول “الصلبة” لحماية شواطئها ضد تآكل السواحل، مثل الحواجز أو الأسوار البحرية، والحلول “الناعمة” مثل تغذية الشواطئ، إذ جرى “إعادة تغذية” خمسة شواطئ بالقرب من الإسكندرية بنجاح باستخدام رمال الصحراء، على سبيل المثال.

اقرأ أيضًا.. للتكيف مع التغير المناخي.. مصر تبني سدودًا رملية على سواحل 5 محافظات بدلتا النيل

معدلات تآكل تصل إلى 30.8 متر سنوياً

لكن رغم ذلك، فمصر لم تعمل كلها على النحو المنشود لمواجهة آثار التغير المناخي، إذ اتخذت العديد من الإجراءات المشابهة لحماية شواطئ رشيد في أوائل الألفية، للتخفيف من التعرية التي تسارعت بسبب سد أسوان. لكنها أدت عن غير قصد إلى تسريع فقدان الرواسب، حيث شهدت بعض أجزاء المنطقة لاحقا معدلات تآكل تصل إلى 30.8 متر سنويا.

هناك مشروع كبير لحماية دلتا النيل: يهدف مشروع تعزيز التكيف مع التغير المناخي في الساحل الشمالي لمصر إلى تطوير 69 كيلومتر من سدود الكثبان الرملية على طول دلتا النيل للحماية من ارتفاع مستويات البحر، وكذلك لوضع خطة جديدة وأكثر شمولا للإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية.

جرى إطلاق المشروع في عام 2017، وستتحمل وزارة الري والموارد المائية نحو 70% من تكلفته البالغة 105 ملايين دولار، بينما ستأتي البقية من صندوق المناخ الأخضر الذي يمول مشروعات التخفيف والتكيف مع التغير المناخي في البلدان النامية.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أيضا شريك رئيسي. من المتوقع أن يفيد المشروع البالغة مدته سبع سنوات والذي جرى الموافقة عليه في عام 2017 بشكل مباشر نحو 800 ألف من سكان دلتا النيل، وهو مشروع تجريبي مهم لخطط الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية في جميع أنحاء المنطقة، كما يقول التقرير.

ربما من أهم الخطوات اللتي أعلنتها الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة، هو إطلاق مشروع طموح يهدف إلى  استزراع غابات المانجروف على مساحة تزيد عن 200 هكتار على طول سواحل البحر الأحمر.

بالطبع تسعمل هذه الأشجار كدفاع ساحلي طبيعي عن طريق تقليل أضرار العواصف ومنع الرواسب تحت سطح البحر.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.