مع تزايد أحداث الطقس المتطرفة وتكرارها في السنوات الأخيرة بسبب تغير المناخ، وهو أمر لا مفر منه كما يقول علماء المناخ، يتزايد أيضًا العنف ضد النساء والأشخاص من الأقليات الجنسية وفق دراسة حديثة صادرة عن جامعة كامبريدج البريطانية.
ترصد دراسة وتحلل الأحداث الاجتماعية في أعقاب الفيضانات والجفاف والأعاصير وموجات الحر، من بين الكوارث المناخية الأخرى، على مدى العقدين الماضيين.
وجدت الدراسة أن الظواهر المناخية المتطرفة غالبًا ما تحفز نوبات العنف القائم على النوع الاجتماعي- لا سيما الإيذاء الجسدي والجنسي والمنزلي.
يقول كيم فان دالين، الباحث في الصحة العامة العالمية في جامعة كامبريدج والمؤلف الرئيسي للتقرير: ” تقريرنا يعتبر التحليل الأكثر شمولاً لمسألة العنف القائم على النوع الاجتماعي المرتبط بالظواهر الجوية والمناخية المتطرفة التي من المتوقع أن تزداد في ظل تغير المناخ الذي يتسبب فيه البشر، بجانب أنه جاء في الوقت المناسب تمامًا”.
يقول فان دالين إن أحد الاختلافات بين دراسته من جانب، ومعظم المراجعات والدراسات السابقة التي تناولت هذه القضية من جانب أخر، هو التركيز على البحث الذي شمل أشخاصًا من الأقليات الجنسية والجندرية مثل المتحولين جنسيًا أو الأفراد غير ثنائيي الجنس وأولئك الذين يُعرفون باسم LGBTQ +.
LGBTQ + هي كلمة أولية تشير إلى المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية.
ويقول فان دالين إن هذه المجموعات “غالبًا ما يتم تجاهلها في إطار البحث عن العنف القائم على النوع الاجتماعي”.
تأثيرات غير متكافئة
سلطت الأبحاث الضوء على العلاقة بين تغير المناخ بفعل الإنسان والطقس المتطرف لما يقرب من عقدين من الزمن.
في عام 2012، أظهر تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقييمًا شاملًا لدور تغير المناخ في أحداث الطقس المتطرفة.
وخلص تقييم الهيئة الدولية إلى أنه بسبب التغيرات البيئية التي يسببها الإنسان، من المتوقع أن تزداد تواتر موجات الحر والعواصف الشديدة وسرعة رياح الأعاصير المدارية في السنوات القادمة.
تشير الأرقام والبيانات إلى أن تغير المناخ أدى إلى زيادة احتمالية حدوث موجة الحر القاتلة في أمريكا الشمالية 150 مرة.
ووجدت الدراسة الحديثة المشار لها سلفًا أن بعض هذه الأحداث تؤدي إلى تفاقم الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى خلق ظروف تؤدي إلى سلوك عنيف.
بحث المؤلفون في عشر قواعد بيانات عن دراسات تركز على العلاقة بين العنف القائم على النوع الاجتماعي والكوارث الطبيعية التي يُعتقد أنها مرتبطة بتغير المناخ.
أسفر هذا البحث الأولي عن أكثر من 26000 عنوان، بما في ذلك الأوراق ووقائع المؤتمرات والمؤلفات الأخرى.
بعد استبعاد التكرارات والدراسات التي لم تستوف معايير الاختيار- مثل تلك التي تركز على العنف ضد الرجال والفتيان من جنسين مختلفين، أو تلك التي تتعلق بالكوارث الطبيعية غير المرتبطة بتغير المناخ- انتهى الفريق بعينة من 41 دراسة.
تشمل الدراسات بحثًا يصف الإجهاد العقلي، وتعاطي المخدرات، والصعوبات الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي، وضعف البنية التحتية الاجتماعية بعد بداية الطقس القاسي. ارتبطت أحداث الطقس هذه بأشكال مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، من الاعتداء الجسدي والجنسي إلى الزواج القسري والاتجار والاعتداء النفسي.
اقرأ أيضًا.. تقرير جديد يكشف: تغير المناخ يؤثر على النساء بشكل مختلف عن الرجال
تغير المناخ واختلاف المواقع
تختلف الأسباب التي تؤدي إلى أحداث الطقس المتطرفة إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي باختلاف المواقع.
في بنجلادش، على سبيل المثال، أُجبرت الفتيات الصغيرات على الزواج في أعقاب الفيضانات الشديدة في بعض الحالات، ويقول نياز أسد الله، الخبير الاقتصادي بجامعة موناش الماليزية في صنواي سيتي: “يؤدي فقدان المحاصيل والأسر بسبب الظواهر الجوية القاسية إلى زيادة الضغط والضعف على الفتيات، ما يدفع الأهالي على تزويج القاصرات لتخفيف عبء إطعامهم.”.
تقول سوزان كتر، مديرة معهد الثغرات الأمنية والمرونة في جامعة ساوث كارولينا في كولومبيا، تعليقًا على الدراسة: “تتفق الدراسة تمامًا مع ما نعرفه عن الكوارث”.
وتضيف: “أي نوع من الكوارث، سواء أكان متعلقًا بالمناخ أم لا، يؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفًا.”
على صعيد أخر، وجد الباحثون وثيقة واحدة فقط ركزت صراحة على الأشخاص من الأقليات الجنسية.
تصف الوثيقة كيف اعتقد السكان المحليون في فيجي أن إعصار وينستون، الذي ضرب البلاد في عام 2016، كان علامة على الغضب الإلهي ضد أفراد مجتمع الميم.
أشار مؤلفو الدراسة أيضًا إلى أنه في أعقاب إعصار كاترينا، الذي ضرب نيو أورلينز في لويزيانا في عام 2005، كان هناك رد فعل عنيف ضد مجتمعات المثليين لأن آخرين ألقوا باللوم عليهم في الكارثة.
في حالات أخرى، تعرض الأشخاص المتحولين جنسياً للتهديد في ملاجئ الإغاثة أو مُنعوا من الوصول إليها.
تقول فان دالين: “تواجه الأقليات الجنسية والجندرية مخاطر محددة ومتزايدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهو أمر مهم يجب مراعاته في سياسات وتدخلات وخدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي”.
اختلال التوازن الجغرافي
على الرغم من أن عينة الدراسات في التحليل تتضمن بحثًا من جميع القارات، إلا أن الغالبية تركز على الولايات المتحدة (9 دراسات) وبنجلادش (7 دراسات) والهند (5 دراسات).
يقول فان دالين: “نحن ندرك أن معظم قواعد البيانات التي بحثنا عنها بها تحيز تجاه اللغة الإنجليزية وأبحاث الشمال العالمية.
يضيف: “حاولنا التعويض عن هذا في قواعد البيانات التي بحثنا عنها، ومن خلال عدم قصر معايير التضمين الخاصة بنا على اللغة الإنجليزية”.
يقول توبياس إيد، الذي يدرس السياسة والعلاقات الدولية في جامعة مردوخ في بيرث بأستراليا، إنه على الرغم من عدم التوازن الجغرافي ، فإن “الدراسة مهمة حقًا”.
ويضيف: “تركز العديد من الدراسات حول الأحداث المتطرفة والأمن على نطاق أوسع، وتهتم بقضايا مثل الحروب الأهلية وأعمال الشغب والإرهاب، لكن هذه الدراسة تركز على ما يحدث على المستوى الجزئي. نظرًا لأن العنف بين الجنسين يؤثر على ملايين النساء والأقليات بين الجنسين في جميع أنحاء العالم، فمن الأهمية بمكان التحدث عن العنف على نطاق أصغر”.
مع ذلك، يجادل إيد: “بأن مفهوم العنف القائم على النوع الاجتماعي أوسع من أن تسترشد به الحلول السياسية”.
ويضيف: “تختلف أسباب كل مشكلة من هذه المشكلات اختلافًا كبيرًا، ويحتاج كل منها إلى تدخلات محددة”.
يشير أسد الله إلى أن تأثيرات الطقس القاسي تختلف بين الثقافات حتى بين أكثر الفئات ضعفاً.
يقول: “ما يفعله الجفاف بالنساء في الهند يختلف تمامًا عما يفعله بالنساء في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى”.
بالنسبة إلى كتر، يعد التعريف الواسع للعنف القائم على النوع الاجتماعي في المراجعة أمرًا جيدًا.
وتضيف: “هناك الكثير من المؤلفات المحددة حول القضايا المختلفة التي تنطوي على العنف القائم على النوع الاجتماعي. ما تفعله هذه المراجعة هو وضع علامة صريحة على ما يمكن اعتباره عنفًا قائمًا على النوع الاجتماعي نتيجة لظواهر الطقس المتطرفة وإظهار ما نعرفه حتى الآن، كما تقول.
وتكمل: “إنها بداية مدهشة ومهمة.”
تابعنا على نبض