منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

كيف يتسبب تغير المناخ في موجات الحر وحرائق الغابات؟

تجتاح موجات الحر الوحشية أوروبا والولايات المتحدة هذا الصيف، ومن المتوقع أن تتسبب في اجتياح الحرارة الحارقة لمعظم أنحاء الصين في أواخر أغسطس.

ينسب العلماء موجات الحر القاسية إلى النشاط البشري بسبب ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية، حيث يتسبب تغير المناخ في موجات الحر أكثر سخونة وتكرارًا.

هذا هو الحال بالنسبة لمعظم مناطق الأرض، وأكدته من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة.

أدت انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية إلى ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.2 درجة مئوية أعلى مما كان عليه في أوقات ما قبل الثورة الصناعية. وهذا يؤدي بالفعل إلى موجات شديدة الحرارة.

قالت فريدريك أوتو، عالمة المناخ في إمبريال كوليدج لندن والتي تشارك أيضًا في قيادة التعاون البحثي لإسناد الطقس العالمي: “كل موجة حر نشهدها اليوم أصبحت أكثر سخونة وتكرارًا بسبب تغير المناخ”.

وجدت دراسة نشرت في مجلة Nature هذا الشهر أن موجات الحر في أوروبا زادت بمعدل ثلاث إلى أربع مرات أسرع من الموجات الحارة في مناطق خطوط العرض الشمالية الأخرى مثل الولايات المتحدة.

 

اقرأ أيضًا.. تغير المناخ يشعل أوروبا.. إعلان حالة الطوارئ في 6 دول بسبب موجات الحر التاريخية

تأثير تغير المناخ

لمعرفة كيف يتسبب تغير المناخ على موجة حارة معينة ومدى تأثيره عليها، يجري العلماء “دراسات الإسناد”. ومنذ عام 2004، أُجريت أكثر من 400 دراسة من هذا القبيل لظواهر الطقس المتطرفة، بما في ذلك الحرارة والفيضانات والجفاف لحساب الدور الذي يلعبه تغير المناخ في كل منها.

ويتضمن ذلك محاكاة المناخ الحديث مئات المرات ومقارنته بمحاكاة مناخ بدون انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان.

وعلى سبيل المثال، قرر العلماء الذين يستخدمون مبادرة إسناد الأحوال الجوية العالمية أن حدوث موجة حر حطمت الرقم القياسي في أوروبا الغربية في يونيو 2019 من المرجح أن تحدث الآن في فرنسا وهولندا بنسبة 100 مرة أكثر مما لو لم يتغير المناخ بفعل البشر.

وقالت سونيا سينيفيراتني، عالمة المناخ في المعهد الأوروبي للتكنولوجيا في زوريخ “في المتوسط على الأرض، الموجات شديدة الحرارة التي كانت ستحدث مرة كل 10 سنوات دون تأثير الإنسان على المناخ أصبحت الآن أكثر تواترا ثلاث مرات”.

وأضافت: “لن تتوقف درجات الحرارة عن الارتفاع إلا إذا توقف البشر عن تصدير غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، حتى ذلك الحين، ستتفاقم موجات الحر، وسيؤدي الفشل في معالجة تغير المناخ إلى تصاعد درجات الحرارة الشديدة بشكل أكثر خطورة”.

وافقت البلدان بموجب اتفاقية باريس العالمية لعام 2015 على خفض الانبعاثات بسرعة كافية للحد من الاحتباس الحراري عند 2 درجة مئوية (3.6 فهرنهايت) مع استهداف حد 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت) في أفضل تقدير، لتجنب أخطر آثاره.

ووفقا لـ “تقرير التقييم السادس” الصادر عن فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، والذي صدر في أغسطس 2021،  فإن 1.5 درجة مئوية هو الهدف الأساسي، وكل عُشر درجة نتجاوزها فوق 1.5 درجة مئوية تجعل الأضرار المناخية أكبر بكثير، ويصعب احتواء الأزمة، أو التكيف مع أثارها.

تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: يتسبب تغير المناخ في أن موجة الحر التي كانت تحدث مرة كل عقد في حقبة ما قبل الصناعة ستحدث 4.1 مرة كل عقد عند 1.5 درجة مئوية من الاحترار، و 5.6 مرة عند درجتين مئويتين.

 

اقرأ أيضًا.. في يومها العالمي.. لماذا الغابات مهمة لحياة البشر وباقي الأنواع على الأرض؟

كيف يتسبب تغير المناخ في حرائق الغابات؟

يتسبب تغير المناخ إلى زيادة الظروف الحارة والجافة التي تساعد على انتشار الحرائق بشكل أسرع، ولفترة أطول، وتزداد شدتها أيضًا.

في دول البحر الأبيض المتوسط، ساهم ذلك في بدء موسم الحرائق مبكرًا وحرق المزيد من أراضي الغابات.

في العام الماضي، احترق أكثر من نصف مليون هكتار في الاتحاد الأوروبي، مما جعله ثاني أسوأ موسم لحرائق الغابات في الاتحاد بعد عام 2017.

يؤدي الطقس الحار أيضًا إلى استنزاف الرطوبة من الغطاء النباتي، وتحويله إلى وقود جاف يساعد على انتشار الحرائق.

قال مارك بارينجتون، كبير العلماء في كوبرنيكوس، “إن الظروف الأكثر حرارة وجفافًا في الوقت الحالي، تجعل الحرائق أكثر خطورة بكثير”.

تدفع درجات الحرارة المرتفعة أيضًا حرائق الغابات إلى مناطق غير معتادة عليها، وبالتالي فهي أقل استعدادًا للتعامل معها.

على صعيد أخر، تعتبر إدارة الغابات ومصادر الاشتعال هي أيضا عوامل مهمة وراء حرائق الغابات، بجانب تغير المناخ.

في أوروبا، يتم إشعال 9 من كل 10 حرائق بسبب الأنشطة البشرية، مثل الحرق العمد أو حفلات الشواء التي تستخدم لمرة واحدة أو خطوط الكهرباء.

تواجه بلدان مثل إسبانيا التحدي المتمثل في تقلص عدد السكان في المناطق الريفية، حيث ينتقل الناس إلى المدن، تاركين القوى العاملة الأصغر لإزالة الغطاء النباتي.

تعتبر الصلة بين قطاعي الأغذية والغابات أمرًا بالغ الأهمية، فالسبب الرئيس وراء حرق الغابات عن عمد حول العالم بهذه المعدلات الكارثية يتلخص في استخدام أراضي الغابات لزراعة وتوفير المزيد من المنتجات الغذائية، وخاصة لحوم البقر وفول الصويا وزيت النخيل.

على سبيل المثال، تم إزالة مساحات كبيرة من غابات الأمازون المطيرة وتحويلها إلى مزارع لتربية الماشية وإنتاج الغذاء، لدرجة أن الكثير منها قد تحول من بالوعة لتخزين الكربون إلى مصدر لإطلاق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

يقول الخبراء إنه يجب الحفاظ على سلامة الغابات حتى تستمر في امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي عن طريق عملية التمثيل الضوئي الشهيرة،  ومن ثم تخزين الكربون في الأشجار والتربة.

يقول العلماء أيضًا إنه بدون التخفيضات الحادة لغازات الاحتباس الحراري، فإن موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والجفاف ستزداد سوءًا بشكل كبير.

لا يزال هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية في متناول أيدينا، لكن تحقيقه لن يكون سهلًا، فالوضع يتفاقم بشكل سريع، والسياسات الحالية لن تساهم في خفض الانبعاثات بالسرعة الكافية لتحقيق هدف 1.5 درجة.

ووفق الخبراء، لا يزال من الممكن السيطرة على الاحترار العالمي، قبل أن يصل إلى مستوى كارثي تماما، لكن حدوث ذلك من عدمه مرهون بالقرارات والاجراءات التي تتخذها الحكومات والشركات، وتنفيذ ما يستلزم من إجراءات.

 

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.