منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

مساهمة مصر المحددة وطنيًُا.. خطة طموحة لـ خفض الانبعاثات بحلول 2030 “قراءة شاملة”

أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مشاركته في منتدى بترسبرح للمناخ بألمانيا الأسبوع الماضي، أن مصر تقدمت في وقت سابق من هذا الشهر، بالنسخة المحدثة من مساهمتها المحددة وطنيا للالتزام بأهداف الانبعاثات الجديدة بحلول عام 2030.

تتضمن النسخة المحدثة من المساهمة المحددة وطنيًا التي قدمتها الحكومة المصرية للأمم المتحدة خطة طموحة لـ خفض الانبعاثات وتحقيق الأهداف المناخية العالمية.

 

ما هي المساهمة المحددة وطنيًا؟

تلزم اتفاقية باريس، التي تحكم العمل المناخي العالمي منذ 2016، الدول بالعمل على بقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب تحت درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية واستهداف قصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية، وذلك لتجنب الآثار الكارثية لتغير المناخ.

وتنص الاتفاقية على أن كل طرف في اتفاق باريس ملزم بوضع مساهمة محددة وطنيًا وتحديثها كل خمس سنوات.

تعرف الاتفاقية المساهمة المحددة وطنيًا بأنها خطة عمل مناخي لـ خفض الانبعاثات والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ.

تضع الدول في مساهماتها المحددة وطنيًا أهدافًا للتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب تغير المناخ بما يتماشى مع هدف 1.5 درجة مئوية العالمي، بجانب وضع أهداف للتكيف مع تأثيرات هذا التغير.

تحدد الخطط كيفية بلوغ الأهداف، مع وضع أنظمة لرصد التقدم والتحقق منه حتى يظل على المسار الصحيح. وبما أن تمويل المناخ هو مفتاح تنفيذ هذه الخطط، فينبغي أن تقدم المساهمات المحددة وطنيًا بالتفصيل أيضًا استراتيجية تمويل. طالعوا بعض الأمثلة القطرية.

ورغم أن اتفاق باريس الدول الاطراف بتحديث المساهمات المحددة وطنيًا الخاصة بها كل خمس سنوات، إلا أنه نظرًا للفجوة الكبيرة بين خفض الانبعاثات اللازم للحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية وخفض الانبعاثات المقرر حاليًا، دعا ميثاق جلاسكو للمناخ في نوفمبر 2021 جميع البلدان إلى إعادة النظر في الأهداف وتعزيزها في المساهمات المحددة وطنيًا في عام 2022.

قدمت مصر تقريرها الأول على الإطلاق في عام 2015، ثم تقدمت بالنسخة المحدثة مؤخرًا قبيل استضافة البلاد لقمة الأمم المتحدة للمناخ COP27 في شرم الشيخ نوفمبر المقبل، والتي تأمل مصر أن تؤدي إلى تحويل التعهدات المتعلقة بالمناخ إلى تدابير وإجراءات ملموسة نحو التمويل المناخي الحاسم للدول النامية.

تشمل خطة مصر المحدثة بنود تفصيلية حول الأهداف الجديدة المتعلقة بـ خفض الانبعاثات، مع خطة واضحة ومكتملة لبلوغ تلك الأهداف بحلول عام 2030.

اقرأ أيضًا.. 20 دولة عربية قدمتها.. ما هي المساهمات المحددة وطنيًا وأهميتها في مواجهة تغير المناخ؟

الطاقة والنفط والغاز

تشمل الأهداف التي يتبناها التقرير في قطاعي الطاقة والنقل، وهما من أكثر الصناعات تلويثا في مصر، التزامات جديدة لـ خفض الانبعاثات مع العمل أيضا على تقليل الانبعاثات من النقل، حسبما قالت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد في مؤتمر صحفي بمجلس الوزراء الأسبوع الماضي.

يضع تقرير المساهمات المحددة وطنيا المحدث للحكومة المصرية أهدافًا أكثر طموحا لمصادر الطاقة المتجددة لـ خفض الانبعاثات.

يظهر التقرير أن الحكومة تريد خفض الانبعاثات من قطاع الطاقة إلى 33% من سيناريو العمل كالمعتاد، أي حجم الانبعاثات التي ستصدر بدون أي خطط للتخفيف، بحلول عام 2030 من خلال تكثيف أهدافها المتعلقة بالطاقة المتجددة.

كان المسؤولون قد وضعوا في السابق مستهدفا طموحا أيضًا، يتمثل في أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة 20% من إجمالي الطاقة المولدة في البلاد بحلول عام 2022 و42% بحلول عام 2035، لكن القاهرة تتطلع الآن إلى أن تمثل الطاقة المتجددة 40% من مزيج الطاقة لدينا بحلول عام 2030، فيما يبقى مستهدف عام 2035 دون تغيير.

تتمثل الخطة المعتمدة لتحقيق هذا الهدف في تسريع “توسيع نطاق الطاقة المتجددة على الشبكة من خلال تقليص قدرة الفحم في مزيج التوليد”، بما في ذلك توسيع توليد الطاقة المتجددة المنزلية مع المزيد من الألواح الكهروضوئية على الأسطح وتشجيع استخدام إضاءة الليد.

وتتطلع الحكومة أيضا إلى توسيع مشاريع الربط البيني الإقليمية والتحول إلى شبكة ذكية باستخدام تقنية جديدة مثل العدادات الذكي، كما يقول التقرير، دون تقديم أهداف محددة.

سيساهم التحول إلى الشبكات الذكية بشكل كبير في تحسين كفاءة الكهرباء وخفض الانبعاثات الكربونية وتقليل الاستثمار المطلوب للبنية التحتية للشبكات الكهربائية، وفق ما أكدته الخطة.

سيجري أيضا فصل محطات الطاقة القديمة عن العمل أو صيانتها وتحديثها لتحسين كفاءتها.

كما تتضمن الخطة رفع كفاءة شبكات النقل والتوزيع في الدولة، بما في ذلك المحطات الفرعية ذات الجهد العالي ومراكز التحكم.

تهدف المساهمات المحددة وطنيا المحدثة إلى خفض الانبعاثات من صناعة النفط والغاز إلى 65% مما ستكون عليه في سيناريو العمل كالمعتاد.

الهدف هو خفض الانبعاثات من صناعة النفط والغاز إلى 1682 جيجا جرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بحلول نهاية العقد من خلال زيادة استخراج الغاز في حقول النفط ورفع كفاءة الطاقة.

كما ستخضع صناعة النفط والغاز في البلاد أيضا لعملية إصلاح شاملة لكفاءتها.

تريد مصر في المقام الأول التركيز على الاستفادة من استعادة الغازات المصاحبة المتولدة من حقول النفط الخام، وفق التقرير، مع البرنامج الذي يشمل 17 مشروعا منفذا و36 مشروعا آخر مخططا حتى عام 2030.

يقول التقرير: “بدلا من حرق الغازات المصاحبة، سيجري توجيه الغازات المصاحبة إلى منشآت معالجة الغاز لإنتاج غاز البترول المسال والغاز الطبيعي والمكثفات”.

تشمل الخطط أيضا تنفيذ “تدابير كفاءة الطاقة منخفضة الاستثمار في شركات البترول” المصممة لخفض 5% من استهلاك الطاقة في القطاع.

كما يقول التقرير إن الحكومة تخطط لإجراء عمليات تدقيق لكفاءة الطاقة في مصنع للبتروكيماويات وتجديد منشأتين للتنقيب عن النفط والغاز، دون تسمية أي من المنشآت الثلاث.

تضاعف مصر أيضا إنتاجها من الوقود الأخضر مع دعم عمليات تحويل النفايات إلى طاقة.

ووفقا للاستراتيجية، تستخرج مصر 350 ألف طن من زيت الطحالب سنويا لاستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي، بجانب توليد 100 ألف طن من الإيثانول الحيوي سنويا، كما يوضح التقرير.

لدى الحكومة أيضا مخطط منتج لتحويل النفايات البلاستيكية إلى زيت كمنتج وسيط لإنتاج 30 ألف طن من البولي إيثيلين.

 

اقرأ أيضًا.. انبعاثات الكربون في مصر والقطاعات المتسببة فيها “خريطة كاملة”

خفض الانبعاثات من قطاع النقل

تتجه انبعاثات النقل صوب أكبر انخفاض بالنسبة لمسار العمل كالمعتاد، حيث ستشهد خطة الحكومة انخفاض انبعاثات قطاع النقل في مصر إلى 7% مما ستكون عليه في سيناريو العمل كالمعتاد بحلول عام 2030.

يقول التقرير: “النقل البري هو إلى حد بعيد أكبر مساهم لغازات الاحتباس الحراري في قطاع النقل في مصر”، ما يعني أن الاستراتيجية ستركز على تشجيع” التحول النموذجي منخفض الكربون نحو خيارات النقل الجماعي.

تعتمد التغييرات التي تطرأ على انبعاثات قطاع النقل على ثلاثة محاور رئيسية: تطوير خدمات النقل الجماعي وتحسين البنية التحتية للطرق من أجل كفاءة أفضل في استهلاك الوقود وتوفير وقود صديق للبيئة لوسائل النقل الجماعي.

يذكر التقرير مشروعات تطوير النقل الجماعي، بما في ذلك توسيع شبكة مترو القاهرة وإعادة تأهيل ترام الإسكندرية وخطوط المنوريل بقيمة 4.5 مليار دولار، ومشروع القطار الكهربائي الخفيف بطول 103.3 كيلومتر.

كما تعمل الحكومة أيضا على تحديث البنية التحتية للطرق من أجل “تحسين الترابط بين المدن وتقليل وقت التنقل واستهلاك الوقود لمركبات الطرق”، كما يشير التقرير.

أخيرا، تعمل الحكومة على تبديل حافلات الركاب للعمل باستخدام “وقود أنظف” وستقدم حصة 2% من الوقود الحيوي لاستهلاك الطائرات للطاقة، وفقا للتقرير، دون تقديم مزيد من التفاصيل.

 

الصناعات التحويلية

فيما يخص الصناعات التحويلية، تنطوي خطة الحكومة على قطاع صناعي منزوع الكربون، على الرغم من أن التقرير لا يتضمن أهدافا محددة لـ خفض الانبعاثات في هذا القطاع.

تتضمن الخطة تحسين كفاءة الطاقة في جميع الصناعات، مع التركيز على خفض متوسط ​​استهلاك الطاقة الحرارية في صناعات الحديد والصلب والأسمدة والسيراميك (التي تستهلك الكثير من الطاقة) بنسبة 10%، كما يقول التقرير.

ستشهد الأسمدة، على سبيل المثال، انتقالا إلى إنتاج الأسمدة النيتروجينية منخفضة الكربون لـ خفض الانبعاثات عن طريق استبدال المواد الأولية بالهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.

وقعت الحكومة على اتفاقيات أولية بقيمة 14 مليار دولار لمشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء خلال الأشهر الماضية.

يعد الأسمنت مكونا رئيسيا للقطاع الصناعي منزوع الكربون، حيث تتطلع الحكومة إلى تطبيق خارطة طريق منخفضة الكربون من شأنها تحسين كفاءة الطاقة وإدخال تحول جزئي إلى أنواع الوقود البديلة وخفض محتوى الكلنكر في الأسمنت بنسبة تصل إلى 80%.

الملوث الرئيسي في الأسمنت هو إنتاج الكلنكر الذي يطلق ثاني أكسيد الكربون.

يعتبر تصنيع مواد البناء، بما في ذلك الأسمنت والطوب الأحمر والطلاء والصلب، من العوامل الرئيسية في التلوث، كما ذكرنا سلفًا.

اقرأ أيضًا.. مصر تعلن محاور الاستراتيجية الوطنية لـ تغير المناخ “التفاصيل الكاملة”

قطاعات أخرى

تتطرق استراتيجية الحكومة أيضًا إلى تبني أهداف منخفضة الكربون في قطاعات أخرى، بما في ذلك:

منظومة جمع المخلفات الصلبة عبر تحسين كفاءة الجمع من 55% إلى 95% بحلول عام 2025 من خلال جذب الاستثمارات في تطوير البنية التحتية لإدارة النفايات الصلبة على الصعيد الوطني.

وفي قطاع التخطيط العمراني، ستعمل الحكومة على تعزيز المباني الخضراء وتطوير 16.9 ألف مبنى في إطار المخطط بحلول عام 2030، وكذلك تنفيذ أكواد كفاءة الطاقة للمباني الجديدة وتجديد المباني القائمة.

وفي السياحة، ستعمل على تشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك الألواح الكهروضوئية على الأسطح؛ تنفيذ أنظمة إتش فاك (HVAC) الموفرة للطاقة وأنظمة ضخ المياه وتشجيع نزلاء الفنادق على أن يكونوا أكثر وعيا بالطاقة.

وفي قطاع الري، ستركز على رفع كفاءة استخدام المياه الزراعية الحالية بنسبة 20% من خلال استخدام تقنيات الري الحديثة وتقليل التسربات على مساحة أربعة ملايين فدان.

ستبلغ تكلفة المساهمات المحددة وطنيا المحدثة 246 مليار دولار، في أقل تقدير، وفقا للتقرير.

تشكل تكاليف التخفيف من أضرار المناخ وخفض الانبعاثات النسبة الأكبر من التكلفة بواقع 196 مليار دولار، بينما تبلغ تكاليف التكيف نحو 50 مليار دولار.

وأضاف التقرير أن “التنفيذ الفعلي لتدابير التخفيف والتكيف هذه مشروط بتوفير تمويل دولي ملائم ومناسب من خلال التمويل والمنح بشروط ميسرة للغاية حسب الحاجة”.

وقالت وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط إن التمويل، خاصة أدوات التمويل المبتكرة، مثل الإقراض الميسر، سيكون موضوعا أساسيا في COP27.

جدير بالذكر أن مصر تستضيف الدورة 27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، COP27، والذي من المقرر انعقاده فى الفترة من 6 إلى 12 نوفمبر 2022 بمدينة شرم الشيخ.

وتعمل الحكومة المصرية حاليًا على إعلان “شرم الشيخ الخضراء” قبل انعقاد المؤتمر المناخي الأهم في العالم.

 

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.