منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

كرة القدم وتغير المناخ.. الرياضة الأشهر بالتاريخ يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في مواجهة الأزمة

تلعب كرة القدم بشكل خاص، والرياضة بشكل عام، دورًا مهمًا في أزمة تغير المناخ العالمية، حيث تعد اللعبة الأشهر في التاريخ واحدة من أهم القطاعات المصدرة للانبعاثات الكربونية في العالم.

ورغم ذلك، لم تتخذ اللعبة والمسؤولين عنها أي خطوات كبيرة في التخلص من هذه الانبعاثات، أو حتى استغلال تأثيرها في الملايين حول العالم لنشر الوعي البيئي بخطورة أزمة تغير المناخ العالمية.

على جانب أخر، تزدات التحديات المرتبطة بـ كرة القدم وتغير المناخ معًا، حيث تواجه اللعبة الشهيرة أخطار جمة تهدد مستقبلها بسبب أثار الطقس المتطرف الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة، ما يتطلب مشاركة فعالة للمسؤولين عن هذا القطاع في العمل المناخي لإنقاذ لعبتهم من تحديات كبرى في مستقبل أكثر احترارًا.

 

رحلات الجو

تعد مسألة سفر الأندية بالطائرات واحدة من أبرز مساهمات كرة القدم بشكل عام في إطلاق الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري.

مع موجات الحرارة واندلاع الحرائق في المملكة المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة، سافر ما يقرب من نصف أندية الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم في جولات طويلة بالطائرات قبل الموسم، بينما كان المتعاقدون الجدد يسافرون على متن طائرات خاصة لإكمال الانتقالات.

وبذلك، أطلقوا آلاف الأطنان من ثاني أكسيد الكربون.

رحلات مان يونايتد قبل الموسم وحدها صدرت ما يقرب من 1800 طن من الانبعاثات، أي ما يعادل استهلاك الكهرباء لحوالي 350 منزلًا سنويًا، أو ما يقرب من انبعاثات 400 سيارة لمدة عام.

هذا ينطبق فقط على الرحلات الجوية، ولا يشمل الإقامة أو الطعام أو أي عوامل أخرى.

إذا كان هذا الرقم هو نفسه بالنسبة لجميع الأندية الثمانية في الدوري الإنجليزي التي تقوم برحلات طويلة المدى قبل بدء الموسم المحلي، فانبعاثاتهم جميعًا ستعادل انبعاثات أكثر من 3000 سيارة لمدة عام، أو استهلاك الكهرباء لما يقرب من 3000 منزل لمدة عام.

قال ديفيد جولدبلات، رئيس منظمة كرة القدم للمستقبل- وهي مؤسسة خيرية لاستدامة كرة القدم- لصحيفة The Athletic: “إنها ليست رسالة جيدة، هناك بعض المكاسب البسيطة التي يمكن أن تتحقق من تقليل انبعاثات الطيران، أحد أكثر أشكال انبعاثات الكربون فظاعة”.

على إثر ذلك، بادر الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم في اتخاذ خطوات واسعة نحو العمل المناخي بعد أن أدرك أهمية الدور الذي تلعبه كرة القدم في الأزمة، وأيضًا مدى تأثيرها على لعبته المحبوبة.

قال الدوري الإنجليزي الممتاز لصحيفة The Athletic إنه “في طور تطوير استراتيجية للاستدامة البيئية، والتي ستضع خططًا لتقديم العمل المناخي ومعالجة القضايا الأخرى ذات الأولوية بما في ذلك التنوع البيولوجي وإدارة الموارد بشكل مستدام.”

اقرأ أيضًا.. مو كربون.. محمد صلاح متهم بزيادة غازات الاحتباس الحراري

كرة القدم وتغير المناخ

على جانب أخر، تساهم البصمة الكربونية لرحلات اللاعبين والرياضيين الجوية بنسبة ضئيلة في البصمة الكربونية الإجمالية لكرة القدم.

يوجد قطاعات أخرى تساهم في نسبة أكبر من انبعاثات اللعبة الأشهر، مثل التصنيع العالمي لأحذية كرة القدم بشكل عام، سواء للاعبي كرة القدم المحترفين و غيرهم من اللاعبين.

وأيضًا الانبعاثات الكربونية للمشجعين الذين يذهبون لمشاهدة المباريات، والكربون المنبعث أثناء إنشاء الخرسانة للملاعب، وهذا أكثر القطاعات.

تشير التقديرات إلى أن كأس العالم 2018 في روسيا قد أطلق 2.16 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون- أي ما يعادل انبعاثات نصف مليون سيارة تقريبًا تتحرك على الطرق لمدة عام.

من المحتمل أن تكون الأرقام الخاصة بالانبعاثات الكربونية للرياضة غير دقيقة، وأقل بكثير من الحقيقة.

وفقًا للأمم المتحدة فأن معظم التقييمات غالبًا ما تقلل من التأثير الحقيقي للبصمة الكربونية للرياضة، ومعظمها لا يشمل تأثير قطاعات عديدة مثل تشييد الملاعب الجديدة والمياه والطاقة والغذاء المستهلك في الأحداث المختلفة، بجانب البلاستيك والنفايات الأخرى الناتجة أثناء الفعاليات والمباريات.

من المتوقع أن تنتج بطولة كأس العالم هذا العام في قطر، 3.6 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، على الرغم من ادعاء المنظمين، في بيان مثير للجدل، أن البطولة ستكون خالية من الكربون.

هناك أيضًا قضية “الموضة السريعة” لكرة القدم، حيث تتغير أطقم اللاعبين كل موسم، وتصنع في الغالب في الصين وفيتنام ثم تشحن إلى جميع أنحاء العالم.

تأتي معظم الانبعاثات في قطاع الرياضة، كما يقول جولدبلات، من بناء البنية التحتية، ومن الداعمين الذين يستخدمون أساليب سفر أقل استدامة.

كما أن العديد من الأندية تحصل على رعاية من قبل شركات الوقود الأحفوري، ويقول جولدبلات: “لا يوجد حل لأزمة المناخ دون نهاية صناعة الوقود الأحفوري”.

اقرأ أيضًا.. تغير المناخ يشعل أوروبا.. إعلان حالة الطوارئ في 6 دول بسبب موجات الحر التاريخية

الحرارة تهدد كرة القدم

تواجه الرياضة، وكرة القدم على وجه الخصوص، مستقبلاً غامضًا بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة الناجم عن النشاط البشري.

في عامي 2019 و 2020، أثارت اتحادات اللاعبين في كولومبيا وقبرص مخاوف بشأن استمرار مباريات الدوري المحلي في ظل حرارة شديدة.

في إيطاليا، ومع استعداد يوفنتوس لموسم 2019-20، وجدت اللاعبة الدنماركية الدولية صوفي يونج بيدرسن فجأة صعوبة في الاستمرار خلال التدريبات التمهيدية للموسم الجديد.

وصلت درجات الحرارة إلى 36 درجة مئوية، وبدأت بيدرسن تشعر بالدوار، وتشوش رؤيتها بسبب البقع السوداء.

عانى زملائها من تجربة مماثلة، حيث فشلوا في إكمال التدريبات بسبب الحرارة الشديدة.

في إفريقيا، أثناء استعدادات نيجيريا قبيل انطلاق بطولة كأس الأمم الأفريقية 2019 في مصر، نُقل اللاعب النيجيري صامويل كالو إلى المستشفى بعد أن انهار في التدريبات بسبب الجفاف.

ونقل حارس مرمى أوغندا دينيس أونيانغو على نقالة بسبب ارتفاع درجات حرارة إلى 36 درجة.

كما رصدت الأمم المتحدة تلاحظ العديد من الأمثلة حول الآثار الكارثية لتغير المناخ على كرة القدم على المستوى الاحترافي.

تضررت العديد من الملاعب بسبب غرقها عقب سيول شديدة وبعضها تضرر بسبب الرياح العاتية.

العديد من الأندية الشعبية تعاني وستظل تعاني حيث تشير التقديرات إلى أن خمسة أسابيع من عمر النشاط الرياضي سنويًا في المتوسط، تضيع بسبب تغير المناخ.

قال موجز سياسات الأمم المتحدة بشأن معالجة تغير المناخ من خلال الرياضة، الذي نُشر في فبراير: “إن التأثير على الأحداث المحلية الأصغر والأكثر يحتمل أن يكون أكبر بكثير، من اتحادات الشباب إلى الفرق الجماعية، حيث واجه الملايين من الرياضيين بالفعل بعض الاضطرابات المناخية، وسوف تزيد الأمور سوءًا مع مرور الوقت.

وأضاف الموجز: “الملاعب على مستوى القاعدة ستصبح رديئة الجودة بشكل متزايد بسبب الطقس القاسي. وهذا الأثر سيشعر به بشكل غير متناسب أولئك الموجودون في أقل البلدان نموا”.

يقول توم بورك ، المؤسس المشارك لـ E3G Third Generation Environmentalism والمستشار الخاص السابق لثلاثة من وزراء البيئة في المملكة المتحدة، لصحيفة The Athletic: “فشل سياسة المناخ يعني أن لا أحد سيلعب كرة القدم في درجة حرارة 45 درجة مئوية، كما أنه يعطل قدرة الناس على الاستمتاع بكرة القدم ولن يُسمح للأطفال بالخروج للعب كرة القدم إذا لم نتعامل مع هذه المشكلة”.

ويضيف: ” لن يكون هناك الكثير من العشب للعب عليه. لم يتم التفكير في هذه التأثيرات. لا يقتصر الأمر على ما يمكن للرياضيين والمشجعين القيام به للمساعدة، ولكن على المنظمات والحكومات أن تفهم التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ على الرياضة بشكل صحيح “.

اقرأ أيضًا.. تغير المناخ يهدد مستقبل الألعاب الأولمبية الشتوية و5 رياضات جليدية

دور كرة القدم في العمل المناخي

بدأت الأندية والداعمون لها والمنظمات الرياضية في تقدير حجم الأزمة، ومناقشة دورهم في إحداث فرق، بعد اتضاح العلاقة المهمة بين كرة القدم وتغير المناخ.

يقول جانجي بيدرسون: “يمكن لكرة القدم إشراك الكثير من الناس في العمل المناخي، ومن ثم يمكن أن يؤثر ذلك على السياسيين، فكرة القدم لها صوت مسموع وقدرة على إحداث التغيير.”

قال الدوري الإنجليزي الممتاز لصحيفة The Athletic إنه “يدرك الحاجة إلى اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ وملتزم بالحد من تأثيره العام على المناخ”.

في نوفمبر 2021، كان الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم واحد من عدة منظمات رياضية، بما في ذلك FIFA و UEFA، وقعوا على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) بهدف إلزام الرياضة بالعمل المناخي وتحقيق انبعاثات صافية صفرية بحلول عام 2040.

قال الدوري الإنجليزي الممتاز: “لقد أثبتت الأندية التزامها بالتغيير الإيجابي في هذا المجال وتواصل لعب دور مهم في زيادة الوعي بالقضية بين الجماهير، بينما تعمل أيضًا على سياسات لتحسين استدامتها البيئية عبر عملياتها التجارية”.

هذا يشمل تحسينات حول خيارات النقل المستدام، وتوفير الأطعمة النباتية، واستخدام الطاقة المتجددة، وتقليل المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وتوفير المياه، وجهود الحفاظ على التنوع البيولوجي والمزيد من الاجراءات.

تواصل الرابطة العمل مع شركاء البث المضيف لضمان حصول جميع تغطية المباريات على شهادة ألبرت، وهي منظمة بيئية تشجع صناعة التلفزيون وإنتاج الأفلام على تقليل النفايات وانبعاثات الكربون، والعمل معًا من أجل مستقبل أكثر استدامة.

في أكتوبر من العام الماضي ، أطلق الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم مبادرته “EFL Green Clubs” للمساعدة في دعم الأندية لتحسين ممارساتها البيئية، والربط بين كرة القدم وتغير المناخ.

في عام 2017، تم تصنيف نادي فورست جرين على أنه “النادي الأكثر خضرة في العالم” من قبل الفيفا، وتم اعتماده كنادي خالي من الكربون من قبل الأمم المتحدة.

ملعبهم مدعوم بالكامل بالطاقة المتجددة، والعشب على أرضهم مستدام، وهو أول نادٍ نباتي لكرة القدم في العالم.

قال مالك النادي لصحيفة The Athletic : “كان علي إجراء تغييرات على النادي، وفي الواقع كان علي إنشاء نادي أخضر ينقل الرسالة إلى الجمهور، لدينا المليارات من عشاق الرياضة وقد أظهرنا أنه يمكننا الوصول إليهم برسالة بيئية ويمكن أن نجعلهم معجبين بالبيئة أيضًا”.

أضاف: “لدي نفس الرسالة للجميع، ركز على ثلاثة أشياء: الطاقة والنقل والغذاء، 80 في المائة من البصمة الكربونية للجميع موجودة في تلك الأشياء التي ننفق المال عليها كل يوم”.

جدير بالذكر أن العديد من الخبراء قالوا إن موجة الحر التي حدثت الشهر الماضي في أوروبا، والتي شهدت وصول درجات الحرارة في المملكة المتحدة إلى 40 درجة، كانت ستكون “شبه مستحيلة” بدون تغير المناخ بفعل الإنسان.

ارتفعت درجة حرارة العالم بنحو 1.1 درجة مئوية منذ الثورة الصناعية قبل حوالي 200 عام.

ضخ البشر غازات الدفيئة في الغلاف الجوي من خلال أنشطة مثل حرق الوقود الأحفوري، والتي أدت إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض.

موجة الحر التي حدثت في الشهر الماضي بأوروبا هي بمثابة بروفة لما سيأتي.

بدون إجراء تخفيضات فورية وعميقة للانبعاثات، فإن الحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، وفق المتفق عليه من قبل 192 دولة في الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في عام 2015 والمعروف باسم اتفاقية باريس، سيكون هدفًا بعيد المنال، كما حذر أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC).

 

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.