منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

الطاقة الحرارية الجوفية.. مصر تسعى لاستغلال الكنز المدفون في أعماق الأرض

يتجه الاهتمام المصري الآن نحو التقنيات الناشئة في مجال الطاقة المتجددة، مثل الهيدروجين الأخضر والطاقة الحرارية الجوفية كأدوات جديدة لدعم الطموح المصري في هذا القطاع، بعد ريادة البلاد الإقليمية في إنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

الطاقة الحرارية الجوفية هي مصدر طاقة بديل ونظيف ومتجدد، وعبارة عن طاقة حرارية مرتفعة ذات منشأ طبيعي مختزنة في الصهارة في باطن الأرض، وتعتبر من أبرز أنواع الطاقة المتجددة الموجود منذ فترة، لكن لا يحظى باهتمام كبير في الشرق الأوسط.

يقدر الخبراء أن أكثر من 99% من كتلة الكرة الأرضية عبارة عن صخور تتجاوز حرارتها 1000 درجة مئوية.

وترتفع درجة الحرارة بزيادة تعمقنا في جوف الأرض بمعدل نحو 2.7 درجة مئوية لكل 100 متر في العمق، أي أنها تصل إلى معدل 27 درجة مئوية على عمق كيلومتر أو 55 على عمق كيلومترين وهكذا.

تقسم مصادر الحصول على الطاقة الحرارية الجوفية إلى قسمين: المياه الحارة الجوفية والصخور الحارة التي توجد في المناطق النشطة بركانيا أو في الأعماق البعيدة تحت سطح الأرض.

ويستفاد من هذه الطاقة الحرارية بشكل أساسي في توليد الكهرباء، ويتطلب ذلك حفر أنابيب كثيرة إلى أعماق سحيقة قد تصل إلى نحو 5 كيلومترات.

في بعض الأحيان تستخدم المياه الساخنة للتدفئة عندما تكون الحرارة قريبة من سطح الأرض، ونجدها على عمق 150 متر أو أحيانا في مناطق معينة على صورة ينابيع حارة تصل إلى سطح الأرض، بالإضافة إلى استعمالها في الكثير من ميادين الصناعة والزراعة الأخرى.

نظريًا، يكفي هذا النوع من الطاقة المتجددة لتغطية حاجة العالم من الطاقة لمدة 100.000 سنة قادمة إلا أن تحويلها إلى طاقة كهربائية هي عملية باهظة التكاليف بسبب عمليات الحفر إلى أعماق سحيقة والحاجة إلى أنابيب كثيرة لاستخراج الماء الساخن بكميات وفيرة، وذلك رغم أن الطاقة الأساسية (المادة الأولية) مجانية وهي متوفرة بكثرة لكن صعب الحصول عليها.

 

اقرأ أيضًا.. تسخير الشمس في أسوان.. “بنبان” قفزة مصرية نحو طاقة نظيفة ومستدامة

الطاقة الحرارية الجوفية في مصر

تقنية التقاط الحرارة الجوفية لتوليد الطاقة موجودة منذ أكثر من قرن، لكن 27 دولة فقط تستخدم حاليا الطاقة الحرارية الأرضية، وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

تعد آيسلندا مثالا حيا لمصدر الطاقة المتجددة، حيث تستخدمه لتوليد نحو ربع احتياجاتها من الكهرباء ونحو 90% من متطلبات التدفئة الخاصة بها.

على المستوى العالمي، زادت سعة الطاقة الحرارية الجوفية بنسبة 2% فقط على أساس سنوي في عام 2020.

وهذا أبطأ من المتوسط في السنوات الخمس السابقة، وأقل بكثير من النمو المكون من رقمين المطلوب لإنتاج طاقة حرارية أرضية كافية للمزيج المستهدف لتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.

تتركز الخزانات الحرارية الجوفية على طول حدود الصفائح التكتونية للأرض وتحتاج إلى الحفر واختبار إمكاناتها، تماما مثل خزان النفط أو الغاز، كما توضح إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

لا تمتلك مصر إلا القليل من الطاقة الحرارية الجوفية في الوقت الحالي، ولكن هذا ليس مفاجئا، لأن اعتماد التكنولوجيا كان بطيئا في جميع أنحاء العالم.

كما تعد مصادر مصر من طاقة الحرارة الأرضية محدودة أيضًا لحد كبير ولكنه أمر يمكن تغييره في المستقبل.

تنحصر مصادر حالياً في العيون والينابيع الساخنة في حلوان والمنطقة المحيطة بخليج السويس، والآبار الارتوازية في منطقة سدر على الساحل الشرقي لخليج السويس وفي بعض مناطق الصحراء الغربية (منخفض القطارة، الواحات البحرية، الواحات الداخلة، الواحات الخارجة)، بالإضافة إلى الآبار العميقة في أم خريجة بالصحراء الشرقية وفي الواحات بالصحراء الغربية.

للتوسع في هذا القطاع مستقبلًا، بدأ بعض الباحثين والمسؤولين في النظر في ما إذا كانت هناك إمكانات طاقة غير مستغلة تحت أقدامنا.

دراسة جيولوجية صدرت في عام 2020 قام بها باحثون في جامعة الملك سعود وجامعة بنها في مصر، أكدت أن أهم مصادر هذه الإمكانات في مصر تكمن في خليج السويس والبحر الأحمر والصحراء الغربية.

كتب مؤلفو الورقة البحثية لعام 2021: “يمكن تصنيف غالبية موارد الطاقة الحرارية الجوفية في مصر على أنها ذات إمكانيات متوسطة إلى منخفضة”.

تقول الدراسة إن الأصول ذات درجات الحرارة المرتفعة اللازمة للإنتاج على نطاق صناعي قليلة ومتباعدة، بينما تشكل الموارد منخفضة الدرجة الجزء الأكبر من أصول السويس والصحراء الغربية ولا يمكن استغلالها لتوليد الطاقة بشكل كبير.

يقدر إجمالي إمكانات الطاقة الحرارية الجوفية للبلاد في نطاق 95-221 مليون كيلووات ساعة، وفقا لدراسة أجريت عام 2016.

وبالمقارنة، فإن نحو 165.7 مليار كيلووات ساعة من الكهرباء المولدة لدينا تُنتج حاليا من خلال الوقود الأحفوري.

لكن هناك موقع واعد، وهو منطقة الينابيع الحرارية في حمام فرعون في خليج السويس الذي يعتبر “أفضل منطقة مرشحة لتركيب أول محطة لتوليد الطاقة الجوفية في مصر”، كما يقول مؤلف الدراسة، مستشهدا بالإمكانيات العالية في المنطقة، وكذلك ارتفاع درجة حرارة الأرض.

تقع المنطقة على بعد نحو 45 كم خارج السويس ويمكن أن تستوعب ما بين 12-20 ميجاوات من الطاقة الحرارية.

لفهم الفروق بين إنتاجية محطات توليد الطاقة الجوفية من جانب ومحطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية من جانب آخر، تميل أصغر محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية على نطاق صناعي إلى إنتاج 10 ميجاوات، بينما تنتج محطة بنبان الشمسية العملاقة لدينا نحو 1.5 جيجاوات سنويا.

 

اقرأ أيضًا.. كيف نجحت مصر في تحقيق التوازن بين مصادر الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري؟

مشروع بناء قدرات الطاقة الحرارية الجوفية

أطلقت مصر بالفعل، العام الماضي، مبادرة متعددة الأطراف، تحمل اسم مشروع بناء قدرات الطاقة الحرارية الجوفية في مصر، تسعى لبناء الخبرة اللازمة لانطلاق هذا القطاع على أرض الواقع في البلاد.

يهدف مشروع بناء قدرات الطاقة الحرارية الجوفية في مصر إلى تقديم أول دبلومة محلية للخريجين في هندسة الطاقة الحرارية الجوفية، بالإضافة إلى إطلاق أول مصنع تجريبي تعليمي، ومختبرات الطاقة الحرارية الجوفية في الجامعات المصرية، وإنشاء جمعية وطنية للطاقة الحرارية الجوفية، بحلول عام 2024.

وفقا للأكاديميين الذين يقودون البرنامج، “سيوفر هذا المشروع الفرصة لبناء أساس معرفي هندسي، نظريا وعمليا، للاستخدام المستقبلي للطاقة الحرارية الجوفية في مصر”.

يشارك في المشروع هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة الحكومية، وشركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول التابعة لوزارة البترول، وخمس جامعات مصرية بما في ذلك منسق المشروع جامعة القاهرة، والجامعات الأوروبية بولونيا وزغرب وبلد الوليد.

كما انضمت الشركات الصناعية والهندسية التابعة للقطاع الخاص، ومنها شركة تيلور وإيكو فوريست الإسبانية، وشركة البنية التحتية المحلية، بنيان، والشركة الألمانية المصرية للاستشارات البيئية، جيورنكو إنترناشيونال.

يجري تمويل المشروع من خلال منحة قدرها 957 ألف يورو من برنامج إيراسموس بلس التابع للاتحاد الأوروبي.

في أبريل 2016 ، وقعت جنوب الوادي القابضة وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة مذكرة تفاهم لاستكشاف إمكانات الطاقة الحرارية الجوفية حول خليج السويس، بما في ذلك حمام فرعون وعيون موسى، ولكن لم يتم تنفيذ أي عمل منذ ذلك الحين.

رغم أنها ليست مناسبة لمحطات الطاقة، إلا أن مواردنا الحرارية الجوفية المنخفضة لها قيمة للمجتمعات المحلية: “بعض تطبيقات الطاقة الحرارية الجوفية منخفضة الدرجة يجري استخدامها الآن في مصر في شكل تدفئة المناطق، وتربية الأسماك، والتطبيقات الزراعية والصوبات الزراعية”، بحسب تقرير 2021. إلى جانب استخدامها في غالبية البيوت الزجاجية (الصوب) في واحات الصحراء الغربية، فإن المياه الحرارية هي أيضا عامل جذب للسياح، سواء كمواقع للاستجمام أو للعلاجات الطبية.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.