منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

إغلاق المصانع وجفاف الأنهار ونفوق الخنازير.. تغير المناخ في الصين يترك بصمته على الاقتصاد

تتعرض الصين هذا الصيف لموجات حر تاريخية، وجفاف شديد، انعكس بوضوح على اقتصاد البلاد، بجانب آثاره الأخرى على السكان والحيوانات والزراعة ومصادر المياه.

آثار تغير المناخ في الصين أجبر المصانع في جنوب غرب البلاد على الإغلاق في مواجهة أشد موجة حر تاريخية لم تشهدها البلاد منذ ستة عقود.

وأدى الجفاف الشديد إلى تقلص الأنهار، وتعطيل إمدادات المنطقة من المياه والطاقة الكهرومائية، ودفع المسؤولين إلى قصر استهلاك الكهرباء على الشركات والمنازل.

في مدينتين، صدرت أوامر لمباني المكاتب بإغلاق مكيفات الهواء لتوقف الضغط على شبكة كهربائية ممتدة، بينما حثت السلطات المحلية في أماكن أخرى في جنوب الصين السكان والشركات على الحفاظ على الطاقة.

تواجه الصين الآن أيضًا موجة حر شديدة اجتاحت البلاد لأكثر من شهرين، من مقاطعة سيتشوان الوسطى إلى جيانغسو الساحلية، حيث تتجاوز درجات الحرارة في كثير من الأحيان 40 درجة مئوية.

في مدينة تشونغتشينغ الجنوبية الغربية، ارتفعت درجة الحرارة إلى 45 درجة مئوية يوم الخميس، مما دفع الحكومة إلى إصدار أعلى تحذير من الحرارة للمرة الثامنة هذا الصيف.

سجلت البلاد في المتوسط ​​12 يومًا من درجات الحرارة المرتفعة هذا الصيف، أي حوالي خمسة أيام أكثر من المعتاد، ومن المتوقع أن تستمر موجة الحر لمدة أسبوع آخر على الأقل، وفقًا لإحصاءات مركز الأرصاد الجوية الصيني الرسمي.

الاقتصاد يتضرر

يشير انقطاع التيار الكهربائي المتواصل وإغلاق المصانع، إلى ما يمكن أن يتسبب فيه الطقس القاسي الناجم عن تغير المناخ من مشاكل اقتصادية للصين.

كان الاقتصاد يتجه نحو أبطأ وتيرة للنمو منذ سنوات متأثرا بسياسة كوفيد-19 الصارمة في البلاد والتي أدت إلى الإغلاق والحجر الصحي وقيود السفر، حيث حد المستهلكون من الإنفاق واتجهت المصانع لتقليل الإنتاج.

وصلت بطالة الشباب إلى مستوى قياسي في البلاد، بينما أدت المشاكل في قطاع العقارات إلى اندلاع موجة غير عادية من السخط العام.

من المتوقع أن تقلل الحرارة الشديدة بشكل كبير من حجم محصول الأرز في الصين لأنها تسببت في فترات طويلة من الجفاف وتجفيف حقول الأرز التي ترويها الأمطار، وفقًا لوزارة الزراعة والشؤون الريفية.

يؤثر الطقس الشديد على الزراعات والمحاصيل الأخرى أيضًا. في مدينة هانغتشو الشرقية، غطى مزارعو الشاي، الذين يستعدون لموسم الخريف، محاصيلهم بالشباك في محاولة لحمايتها من الحرارة الحارقة.

كما تسبب الجفاف في ضغوط شديدة على إمدادات الكهرباء في مقاطعة سيتشوان التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة الكهرومائية، وتراجعت قدرة محطات الطاقة الكهرومائية في سيتشوان بمقدار النصف.

للحفاظ على الطاقة، أطفأت محطات مترو الأنفاق والقطارات في تشنغدو، عاصمة مقاطعة سيتشوان، وخفتت الأضواء العلوية، بينما طُلب من مباني المكاتب هناك وكذلك في مدينة داتشو المجاورة، التوقف عن استخدام مكيفات الهواء.

كما أصدرت المقاطعة أمرًا للمصانع بتعليق عملياتها من 15 إلى 20 أغسطس، وكانت شركتا تويوتا وفوكسكون، المزودان لشركة أبل، من بين الشركات التي أكدت أن مصانعها ستمتثل لقرار الإغلاق.

 

اقرأ أيضًا.. كيف يتسبب تغير المناخ في موجات الحر وحرائق الغابات؟

البشر والحيوانات

في المدن، ارتدى سائقو السيارات أغطية للوجه والرأس لحماية أنفسهم من الشمس الحارقة، والطقس القاسي.

بينما سعى السكان وعمال التوصيل للدخول إلى ملاجئ تحت الأرض للابتعاد عن الحرارة الشديدة، بينما قفز أخرون في الأنهار وأحواض السباحة.

أما موظفو المكاتب، الذين لم يتمكنوا من ترك أعمالهم، وأجبروا على إغلاق المكيفات لتقليل الضغط على شبكات المدن، وضعوا دَلًى كبيرة من الثلج تحت أقدامهم لتخفيف الحرارة، وشربوا المياه المثلجة وتناولوا الوجبات الخفيفة المجمدة.

لم يلاحق الحر الشديد في الصين البشر وحدهم، بل أصاب الحيوانات بالجفاف أيضًا، ووجدت حيوانات الباندا في حدائق الحيوان نفسها على صفائح من الجليد الذائب.

أصيبت الخنازير، التي كانت تنقل بالشاحنات في مدينة تشونغتشينغ، وهي مدينة مترامية الأطراف بجنوب غرب البلاد، بالجفاف، مما دفع رجال الإطفاء إلى رشها بخراطيم المياه قبل أن تسقط صريعة.

رفض الدجاج الطعام، وواجه صعوبة في وضع بيضه في الحرارة، مما تسبب في ارتفاع أسعار البيض في جميع أنحاء البلاد، وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية.

 

مصادر المياه تتأثر

في تشونغتشينغ أيضًا، والتي يسكنها حوالي 20 مليون نسمة، تفاقمت درجة الحرارة بسبب الجفاف الشديد الذي أدى إلى تجفيف 51 نهرًا و 24 خزانًا وتعطيل إمدادات المياه لأكثر من 300 ألف ساكن.

كما تعاني العديد من المقاطعات الأخرى من حالات جفاف من المتوقع أن تتفاقم في الأسابيع المقبلة وفق ما أكدته الأرصاد الجوية الصينية الرسمية.

مع ندرة هطول الأمطار، تراجع نهر اليانغتسي، ثالث أطول أنهار العالم، إلى مستوى قياسي منخفض، مع انخفاض منسوب المياه من 16 إلى 20 قدمًا مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

من المتوقع أن يستمر انخفاض مستوى هطول الأمطار وتدفق المياه لنهر اليانغتسي، من مصادر الأنهار المختلفة حتى الشهر المقبل.

ذكرت وسائل إعلام رسمية أنه في نفس الوقت التي تشهد فيه مناطق صينية موجات جفاف قاسية، تعرضت مناطق أخرى لهطول أمطار غزيرة، بما في ذلك مدينة شينينغ الشمالية الغربية، حيث تسببت فيضانات يوم الخميس في مقتل 16 شخصًا وفقدان 36 أخرين، ما يبرز بوضوح بصمات تغير المناخ في الصين.

اقرأ أيضًا.. دراسة: تغير المناخ يزيد من كارثية موجات الحر.. والقادم أسوأ إذا لم نتحرك

الاستعداد لآثار تغير المناخ في الصين

يتوقع الخبراء الصينيون أن تؤثر موجات الحرارة الشديدة على مناطق أكبر بالبلاد، وعدد أكبر من السكان في المستقبل.

وشددوا على ضرورة الاستعداد لـ تغير المناخ في الصين ولمعايير التطرف الجديدة في الطقس والظواهر الجوية الناجمة عن تغير المناخ، وإدراك أن هذه الأحداث المتطرفة الجديدة ستكون شديدة الخطورة.

قال علماء المناخ إن تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة ستزداد في العقود القليلة المقبلة، بالنظر إلى الانخفاض البطيء في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم.

جدير بالذكر أن الأرض تتعرض لتغير سريع في مناخها ناجم عن النشاطات البشرية وحرق الوقود الأحفوري.

ارتفعت حرارة الأرض بمقدار 1.2 درجة مئوية منذ القرن التاسع عشر، ما تسبب في تعرض الأرض والحياة والبشر لآثار خطيرة.

تشمل هذه الأثار المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة ، مثل الأعاصير الشديدة، وموجات الحر الحادة، والجفاف القاسي، والفيضانات الكارثية، وارتفاع مستويات سطح البحر، وذوبان الجليد الجبلي والبحري، والتصحر، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار.

ويتأثر الاقتصاد والعمل والصحة وسبل العيش على مستوى العالم بتلك الآثار التي يتركها التغير المناخي، ولعل آثار تغير المناخ في الصين هذا الصيف أبرز مثالًا على ذلك.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.