منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

معارك “الخسائر والأضرار” لم تنته بعد.. هل تنجح الدول المتقدمة في إجبار الصين على الدفع؟

أنهى قرار الأطراف في مؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرين لتغير المناخ (COP27) بشرم الشيخ، بتأسيس صندوق لتمويل الخسائر والأضرار، لمساعدة البلدان النامية الأكثر عرضة لآثار تغير المناخ على مواجهة المخاطر المناخية، جدلًا استمر لعقود بين البلدان والنامية والمتقدمة حول الاعتراف بالصندوق.

لكن فتح الاعتراف التاريخي الباب لجدل أكبر حول من سيدفع الأموال التي سوف تخصص للصندوق الجديد.

ترفض الدول المتقدمة، والمسؤولة تاريخيًا عن أزمة المناخ، أن تلتزم وحدها بالدفع للصندوق الجديد، وتطالب دول مثل الصين والسعودية بالمشاركة في الصندوق، باعتبارها لم تعد دولًا نامية كما كانت في الماضي، بجانب أن دولة مثل الصين أصبحت في العقد الأخير المصدر الأول للانبعاثات العالمية.

على الجانب الآخر، ترفض الصين ضغوط الدول المتقدمة، وترى أن تصنيفها كدولة متقدمة الآن غير صحيح ولا يعبر عن الحقيقة، ولا يجب أن تلتزم بالدفع للصندوق الجديد.

يتوقع الخبراء أن تواجه الصين “ضغوطا متزايدة” للانضمام إلى الدول المتقدمة الملتزمة بالدفع في صندوق الخسائر والأضرار، ويرون أن الجدل بين الطرفين حول أحقية الدفع قد يستمر لفترات أطول، وقد يعطل الاتفاق حول آليات تمويل الصندوق الجديد، ويتسبب في انتظارنا لسنوات حتى تتدفق الأموال الموجهة للخسائر والأضرار.

يقترح العديد من المراقبين والخبراء حلولًا وسط، ترتكز حول أن الصين يمكنها أن تفعل أشياء كثيرة لمساعدة الدول المعرضة للمناخ على التعامل مع الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مثل المساعدات الإنسانية وتخفيف عبء الديون ونقل التكنولوجيا وتبادل المعرفة.

اقرأ أيضًا.. نهاية تاريخية لـ COP27.. مفاوضات شرم الشيخ توافق على صندوق لتمويل الخسائر والأضرار المناخية

صندوق الخسائر والأضرار

على الرغم من عدم وجود تعريف متفق عليه دوليا، فإن الخسائر والأضرار تشير عموما إلى العواقب السلبية الناجمة عن تغير المناخ، والتي لا رجعة فيها في كثير من الأحيان.

يمكن أن تكون هذه العواقب اقتصادية أو غير اقتصادية، وتشمل الآثار المدمرة للظواهر الجوية المتطرفة، مثل الفيضانات والجفاف، والأحداث بطيئة الظهور، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وذوبان الجليد.

تكمن أهمية قضية الخسائر والأضرار في أنها “قضية عدالة”، كما يقول أزهر لاشاري، رئيس البرنامج في معهد بحوث السياسات للتنمية المنصفة، وهو مركز أبحاث مقره في باكستان.

يقول لاشاري: “إن الخطر الذي يواجهه العالم اليوم بسبب تغير المناخ ناتج عن الآثار التراكمية للانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري”. نحن بحاجة إلى معرفة من استفاد منها ومن يتحمل تكلفتها”.

يقول لاشاري إن العديد من البلدان التي تتحمل وطأة الخسائر والأضرار لديها انبعاثات منخفضة، وأقل تطورا من الناحية الاقتصادية. على سبيل المثال، تساهم باكستان، التي ضربتها فيضانات مدمرة هذا الصيف، بنسبة 0.9٪ فقط من الانبعاثات العالمية سنويا.

ويضيف: “تقع على عاتق البلدان المتقدمة أو الصناعية مسؤولية دعم البلدان النامية في التعامل مع المخاطر والتهديدات المرتبطة بتغير المناخ”.

قاومت البلدان المتقدمة، التي حققت نهضة صناعية من خلال الوقود الأحفوري، مطالبات البلدان النامية بالتعويض المالي لفترات طويلة، خوفا من تحميلها المسؤولية القانونية وإجبارها على دفع مبالغ كبيرة.

في COP27، اتفقت الأطراف على إنشاء صندوق جديد للخسائر والأضرار لمساعدة البلدان النامية “المعرضة بشكل خاص للآثار الضارة لتغير المناخ”. لكن القضايا الرئيسية المرتبطة بالصندوق لم يتطرق إليها النص النهائي، بما في ذلك، من يجب أن يدفع بالضبط.

اقرأ أيضًا.. COP27 ما له وما عليه.. كشف حساب لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ بشرم الشيخ

موقف الصين من الخسائر والأضرار

الصين في وضع فريد في مفاوضات الخسائر والأضرار بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) التي تدير مؤتمرات المناخ COP، لأنها تعد دولة نامية وفق نص الاتفاقية الإطارية، بينما هي الآن أكبر باعث لغازات الدفيئة في العالم وثاني أكبر اقتصاد في العالم.

يعني وضعها ك”بلد نام” أنه وفقا لمبدأ “المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة” الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، فهي ليست ملزمة بالدفع في الصندوق. وفي COP27، تفاوضت الصين جنبا إلى جنب مع البلدان النامية الأخرى لدعوة الدول المتقدمة لتقديم تعويض مالي للخسائر والأضرار.

في الوقت نفسه، نما حجم الانبعاثات والوضع الاقتصادي للصين بسرعة منذ تشكيل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قبل 30 عاما. وقد دفعت هذه التغييرات الاقتصادات المتقدمة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى القول بأن الصين يجب أن تدفع أيضا في صندوق الخسائر والأضرار.

قال مبعوث الصين للمناخ، شيه تشن هوا، في مؤتمر COP27 إن الصين كدولة نامية لا تتحمل “مسؤولية” تقديم مساهمات مالية عن الخسائر والأضرار. ولم يوضح شيه ما إذا كانت الصين ستدفع مع ذلك للصندوق الذي أنشئ حديثا أم لا.

وقال لي شو، كبير مستشاري السياسة العالمية في منظمة السلام الأخضر في شرق آسيا، إن الصين يجب أن تتخذ قرارها بشأن كيفية المساهمة في الخسائر والأضرار “من الآن وحتى عام 2024”.

في عام 2015، قبل COP21 في باريس، أوضحت الصين دورها في تمويل المناخ العالمي من خلال الإعلان عن إنشاء صندوق التعاون المناخي الصيني بين بلدان الجنوب لتوفير 20 مليار يوان (حوالي 3.1 مليار دولار أمريكي في ذلك الوقت) لمساعدة البلدان النامية الأخرى على معالجة تغير المناخ.

يقول لي إن الصين ستحتاج إلى معالجة نفس القضية مرة أخرى في عامي 2024 و 2025 عندما تحتاج الدول إلى مناقشة ترتيبات تمويل جديدة من الدول المتقدمة إلى البلدان النامية وصياغة خطط مناخية جديدة (تعرف باسم المساهمات المحددة وطنيا).

أوضح لي أن “الأمر يتعلق بكيفية وضع الصين، فضلا عن مسؤوليتها وواجبها، على الساحة الدولية، وكيف تقارن هذه المسؤولية والواجب بتلك الخاصة بالدول المتقدمة التقليدية”.

ويشير لي إلى “الضغط الشديد” و “التوقع الكبير” من المجتمع الدولي على الصين للمشاركة في دفع ثمن الخسائر والأضرار. ويقول إن التوقعات تنبع جزئياً من الدافع السياسي للبلدان المتقدمة لتحويل الانتباه عن مسؤولياتها المالية؛ وجزئياً من حقيقة أن التمويل العالمي الحالي غير كافٍ للتعامل مع تغير المناخ.

اقرأ أيضًا.. إغلاق المصانع وجفاف الأنهار ونفوق الخنازير.. تغير المناخ في الصين يترك بصمته على الاقتصاد

تعاون الجنوب للجنوب

الخسائر والأضرار هي إحدى الركائز الثلاث لمفاوضات المناخ العالمية، إلى جانب التخفيف والتكيف.

يهدف التخفيف إلى منع أو تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. بينما يتعامل التكيف مع تأثيرات تغير المناخ التي تحدث بالفعل أو ستحدث. في حين تعالج الخسائر والأضرار العواقب التي لم ينجح التخفيف من مخاطر المناخ أو التكيف معها من الحد منها. ومع ذلك، هناك جدل بين المفاوضين ومستشاري السياسة حول الحدود بين التكيف والخسائر والأضرر.

قال سليم الحق، العالم البنغلاديشي: “نريد زيادة جهود التخفيف والتكيف حتى نحد من الخسائر والأضرار. لكن لا يمكننا خفض الخسائر والأضرار إلى الصفر “.

في مؤتمر الأطراف 27، صرح شيه تشن هوا، المبعوث الصيني الخاص للمناخ، بأن الصين مستعدة للمساهمة في الخسائر والأضرار من خلال مساعدة البلدان النامية الأخرى على التكيف مع تغير المناخ من خلال آلية “الجنوب والجنوب”. ومع ذلك، لم يقدم هوا مزيدا من التفاصيل.

تعمل الصين على تعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي من خلال برنامج شامل يسمى “التعاون فيما بين بلدان الجنوب”. ويغطي البرنامج مجموعة واسعة من المجالات، من الأمن الغذائي إلى بناء البنية التحتية. ويشكل صندوق التعاون المناخي جزءا من البرنامج.

تقول بليندا شابي، باحثة دبلوماسية المناخ في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين في مركز E3G للأبحاث، إن الصين تساعد بالفعل البلدان النامية الأخرى على معالجة الخسائر والأضرار من خلال الآليات الثنائية بدلا من الآليات متعددة الأطراف.

تقول شابي إن الصين أظهرت دعمها بطرق مختلفة، مثل مساعدة الدول الأخرى على بناء القدرات وتدريب المسؤولين على إدارة مخاطر المناخ، فضلا عن التبرع بالمواد لمساعدة الدول الأخرى على بناء وإعادة بناء البنية التحتية.

وتضيف شابي أن الصين مولت حتى الآن 10٪ من صندوق التعاون المناخي بين الصين والجنوب العالمي، ما يعادل 2 مليار يوان صيني، وفقا للبيانات الرسمية.

في معظم الأحيان، حينما تطالب الدول المتقدمة الصين بالمشاركة في تمويل الخسائر والأضرار،  يأتي الرد دائمًا من بكين بأنها تساهم في صندوق التعاون بين بلدان الجنوب كبرنامج ثنائي.

هذا الجدال المعتاد نابع من أن الصين ترفض تحمل المسؤولية المالية في آلية متعددة الأطراف، لأنها إذا قبلت ذلك، فهذا يعني أنها “ارتقت” من فئة البلدان النامية إلى فئة الدول المتقدمة، وسيترتب على ذلك التبرع بالمال والمساءلة عن مسؤوليتها التاريخية.

ترفض الصين دائمًا مسألة وصفها بالدولة المتقدمة، وأكدت أكثر من مرة على لسان العديد من مسؤوليها أنها لن تكون مستعدة للاعتراف بهذا الأمر.

اقرأ أيضًا.. تعرف على أكثر 10 دول بالعالم تضررًا من تغير المناخ.. بينهم دولتان عربيتان

الطرق الممكنة للمساهمة

يشير خبراء أيضا إلى أن الصين يمكن أن تساهم في أجندة الخسائر والأضرار بعدة طرق.

يقول هو مين، المدير والمؤسس المشارك لبرنامج التنمية الخضراء المبتكرة، وهي شركة استشارية خضراء مقرها بكين، إنه على الرغم من أهمية آلية التمويل الجديدة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، إلا أن العالم لا يستطيع الاعتماد عليها وحدها للتعامل مع الخسائر والأضرار.

يشير هو مين إلى أن الأساليب الأخرى لا تقل أهمية، إن لم تكن أكثر، مثل تنفيذ التعاون التقني واتخاذ قرارات الاستثمار التي تولي مزيدا من الاهتمام للوقاية من مخاطر المناخ والاستجابة لها.

أشار هو مين إلى أن المزيد من المشروعات في إطار آلية الجنوب والجنوب الصينية ومبادرة الحزام والطريق يمكن أن تعالج الخسائر والأضرار.

يعتقد شابي من E3G أن البرامج الثنائية الحالية للصين يمكن “تمديدها كثيرا” لمساعدة البلدان المعرضة للخسائر والأضرار بسبب المناخ.

ويقول: “الصين نفسها معرضة بشدة لتغير المناخ … وهي تطور آلياتها الخاصة للتكيف مع [الآثار] والاستعداد لها. إن تبادل الخبرات وبناء القدرات في هذه الأمور هو شيء يتجاوز المساهمات المالية التي يمكن أن تحدث”.

يتابع شابي: “بمعنى أوسع، لا تحدث الخسائر والأضرار إلا عندما يفشل التكيف والتخفيف. لذا، فإن أكبر هدية يمكن أن تقدمها الصين للبلدان الضعيفة بشأن الخسائر والأضرار هي تسريع انتقالها للطاقة النظيفة وخفض انبعاثاتها “.

تقول أديلين ستيوارت وات هي زميلة سياسات تركز على التكيف والمرونة في معهد غرانثام للأبحاث في كلية لندن للاقتصاد، إنه إذا قدمت الصين “نوعا من المساهمة غير المالية الكبيرة”، فإنها ستظهر حسن نيتها في دعم جدول الأعمال الخاص بالخسائر والأضرار، وتظهر القيادة في هذا المجال وتضع المزيد من الضغط على الدول المتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة.

وتضيف: “أعتقد أن إظهار القيادة في هذا المجال، حتى لو كان ذلك من خلال مساهمة غير مالية، يمكن أن يغير ديناميكية المفاوضات قليلا”.

وتختم حديثها قائلة: “سيتوقف الأمر على نوع المساهمة غير المالية التي ترغب الصين في تقديمها.”.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.