منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

ما هي النماذج المناخية؟ بهذه الطرق يتنبأ العلماء بالاحترار العالمي

نسمع دائمًا أن تغير المناخ يؤدي إلى تغيير في أنماط الطقس ودرجات الحرارة في المستقبل، سواءً في درجة حرارة الهواء السطحي، أو في تكرار حالات الطقس الشديدة، أو ارتفاع مستويات مياه البحر وإلى آخره.

لكن كيف يعرف العلماء ذلك؟ كيف بإمكاننا التنبؤ بالتغيرات المستقبلية في النظام المناخي؟

يعود الأمر كله إلى النماذج المناخية.

 

ما هي النماذج المناخية؟

يعد النظام المناخي نظامًا شديد التعقيد، حيث يتضمن الغلاف الجوي، المحيطات، الأراضي الجليدية، بالإضافةِ لكل المخلوقاتِ على الأرض والطرق التي تتفاعل فيها مع بعضها.

تفاعل هذه العوامل مع بعضها، يؤثر بلا شك على النظام المناخي بشكل أو بأخر.

مثلًا، يمكن أن يكون ماء المطر الذي يهطل على اليابسة قد تبخر من المحيط.

كما يمكن أن يتغير المناخ بفعل أحداث لا تشكل جزءًا من نظام المناخ الطبيعي، مثل الثوران البركاني أو زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون CO₂ بفعل الإنسان ويسمى هذا بـ المؤثرات.

تعد النماذج المناخية محاكاة رقمية لهذا النظام المناخي، وتقوم على تمثيلات ومعادلات رياضية للمناخ في المستقبل، حيث تقدم هذه النماذج إسقاطات من خلال محاكاة التفاعلات بين مختلف أجزاء النظام المناخي والمؤثرات الخارجية.

يوجد أنواع عديدة من النماذج المناخية، وهي تختلف في تعقيدها، وأبسطها يقيس توازن طاقة الكوكب فقط، بينما تشتمل الأنواع الأكثر تعقيدًا، مثل نموذج المناخ العالمي (GCM)، على متغيرات أكثر، حيث يقيس نظام المناخ المادي: الغلاف الجوي والمحيطات وسطح الأرض.

يعد نموذج نظام الأرض (ESM) أكثر تعقيدًا، حيث يقيس دورة الكربون وتطور التربة والغطاء النباتي والبنى التحتية البشرية.

لكي يتم ذلك، يجب على العلماء تمثيل هذه العملية باستخدام معادلاتٍ علمية، فعلى سبيل المثال، تظهر بعض المعادلات مقدار الطاقة الشمسية التي تمتصها أو تعكسها الأرض.

مع ذلك، لا تزال بعض العمليات (مثل كيفية تأثير نمو الشجرة على المناخ أو كيف تشكل السحب) غير مؤكدة تماما ويجب أن تكون تقريبية بواسطة المعادلات.

كما تستخدم سجلات المناخ في الماضي لتحسين هذه المعادلات التقريبية التي تتنبأ بالمناخ في المستقبل.

يأخذ بعدها علماء المناخ مختلف مصادر المعلومات، والمعادلات والتقديرات التي أمكنهم جمعها ليكونوا نموذجا مناخيا.

يمكن لكل هذه النماذج أن تساعدنا على التنبؤ حول المناخات المستقبلية المحتملة التي تعتمد على انبعاثات غاز ثنائي أكسيد الكربون التي يصدرها الإنسان بالإضافةِ لمتغيراتٍ أخرى.

اقرأ أيضًا.. ما هو تغير المناخ؟ كل شيء عن أزمة القرن الـ 21

من أين يحصل العلماء على البيانات؟

سجلت البشرية أنواع متعددة من البيانات عن المناخ منذ خمسينيات القرن السابع عشر، يعني ذلك أننا نمتلك فكرة واضحة عن كيف كان المناخ من ذلك الزمن.

في عام 1922، اقترح لويس فراي ريتشاردسون طريقة جديدة للتنبؤ بالطقس، باستخدام المعادلات التفاضلية ومن خلال عرض الغلاف الجوي على أنه شبكة من الخلايا الشبكية.

في أواخر الستينيات، طور الباحثون، في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة، أول نموذج مناخي يجمع بين عمليات المحيط والغلاف الجوي باستخدام هذا النموذج.

وعلى مدى الخمسين عامًا الماضية، استخدمت النماذج المناخية للتنبؤ الدقيق بالمناخ، وقد تطورت هذه النماذج بشكلٍ كبيرٍ خلالِ هذه الفترة.

لكن كيف نعرف ما كان عليه نظامنا المناخي (الحرارة، مستويات سطح البحر، تركيز ثاني أوكسيد الكربون) قبل ذلك؟

هناك العديد من الطرق المختلفة لتقدير ما كان عليه المناخ منذ مليون سنة.

فعندما ينظر العلماء إلى مقطعٍ عرضيٍ من جذوع شجرة معينة مثلاً، أو تحليل فقاعات الهواء القديم وسماكة طبقات الثلج في قلب الجليد من الأنهار والصفائح الجليدية، يمكنهم تقدير ما كان عليه المناخ منذ آلاف السنين.

هناك فوائد كثيرة لكل هذه البيانات التاريخية، ولتقدير ما كان عليه المناخ قبل عام 1850.

على سبيل المثال، يمكن أن تخبرنا هذه التقديرات أن التغييرات التي نراها الآن أسرع بكثير من أي تغييرات حدثت خلال ملايين السنين الماضية.

من المفيد أيضًا اختبار النموذج المناخي على المناخ سابقًا، وإذا استطاع النموذج المناخي محاكاة المناخات السابقة فإنه من المحتمل أن يحاكي المناخات المستقبلية بشكلٍ صحيح، ما يساعدنا في التنبؤ بما قد يحدث.

مع ذلك، يواجه العلماء بعض التحديات في هذا الصدد، لأن استخدام البيانات التي لم تجمع مباشرة، فالعلماء لم يستخدموا موازين الحرارة لقياس درجات حرارة الجو قبل ملايين السنين، ما يعني أن هناك بعض عدم اليقين في الإسقاطات والتنبؤات بشأن المناخ في المستقبل.

هناك أيضًا مشكلة تتمثل في أن إسقاطات ومحاكاة جوانب النظام المناخي ستكون أقل موثوقية إذا لم تكن هناك بيانات كافية أو إذا كانت العمليات معقدة للغاية بحيث لا يمكن تمثيلها بدقة.

هذا ينطبق على هطول الأمطار، والمؤثرات الشمسية على الجليد البحري في القطب الجنوبي.

اقرأ أيضًا.. أخطر تقرير في العالم.. الهيئة الحكومية المعنية بـ تغير المناخ تطلق الإنذار الأخير

هل النماذج المناخية دقيقة؟

استخدمت النماذج المناخية للتنبؤ الدقيق على مدى الخمسين عامًا الماضية، وقد تطورت هذه النماذج بشكلٍ كبيرٍ خلالِ هذا الوقت.

اليوم، يمكن للنماذج تقديم إسقاطات بناءً على نطاق ضخم من جوانب النظام المناخي.

لكن تظل مسألة صنع نموذج مناخي مثالي أمرًا غير ممكنًا حتى الآن، حيث تعد كل النماذج ناقصةً إلى حدٍ ما.

والسبب في ذلك أنه يجب على العلماء فهم ومحاكاة كل جزء من النظام المناخي، ومعرفة كيف سيتصرف كل واحدٍ منا في المستقبل بالضبط، لكي يتمكنوا من وضع نماذج مناخية كاملة.

تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ipcc، فذ هذا الصدد، إن الثقة في النماذج تأتي من جراء قاعدتها الفيزيائية ومهارتها في إظهار صورة المناخ المرصود وتغيّرات المناخ السابقة.

ووفق الهيئة، أظهرت النماذج أنها أدوات هامة للغاية لمحاكاة المناخ وفهمه، وبرزت الثقة بها لأنها قادرة على تقديم تقديرات عددية حقيقية لتغيّر المناخ في المستقبل خاصة على المستويات الأوسع.

وعلى مر عقود عدة من تطوير النموذج، قدمت النماذج صورة كبيرة وواضحة لإحترار المناخ بسبب زيادة غازات الدفيئة.

على الرغم من ذلك، لا تزال النماذج تعاني من تقييدات هامة كنقل صورة السحب التي تؤدي إلى شكوك على صعيد المدى والتوقيت فضلاً عن التفاصيل الإقليمية لتغيّر المناخ المتوقع.

يقول جوني رايزانين، عالم المناخ والمحاضر في معهد أبحاث الغلاف الجوي ونظام الأرض في هلسنكي: “لا يوجد نموذج مناخ مثالي على الإطلاق، ولكن هذا لا يعني أنه لن يكون مفيدًا”.

لكن فيما يتعلق بالاحترار العالمي، يؤكد رايزانين أن هناك الكثير من اليقين أكثر من الشكوك، مع وجود أدبيات تدعمه.

يقول: “تخبرنا جميع نماذج المناخ أن الأرض ستزداد دفئًا عندما يكون لدينا المزيد من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وفي الواقع لا نحتاج حتى إلى أكثر من نماذج مناخية ثلاثية الأبعاد لإخبارنا بذلك”.

اقرأ أيضًا.. التقييم العالمي.. كل شئ عن الملف الأهم في مؤتمر المناخ المقبل COP28

لماذا نحتاج إلى النماذج المناخية؟

ما تزال النماذج المناخية تقدم مساعدةً هائلة، على الرغم من أنها غير دقيقة نوعًا ما في إسقاطاتها.

يمكن للعلماء ومصممي النماذح المناخية أن يمنحوا صانعي السياسات فكرة عن مجموعة التغيرات المناخية المحتملة والناتجة عن السياسات المختلفة.

لذلك يمكن للنماذج المناخية إعطاء معلومات وأدلة لصناع السياسات من أجل البدء باتخاذ قرارات مدروسة حول الإجراءات البيئية في المستقبل.

على سبيل المثال، يمكن استخدام النماذج لعمل إسقاطات بكيفية تأثير أنشطة الإنسان على المناخ مثل زيادة الانبعاثات والسرعة المطلوبة لتقليل انبعاثات ثاني اكسيد الكربون وذلك للحد من الاحترار إلى مستويات محددة، مثلًا، حد الـ 1.5 درجة مئوية الذي ينص عليه اتفاق باريس.

يمكن استخدام النماذج المناخية لتسليط الضوء على التأثيرات اللاحقة فعلى سبيل المثال، إذا أردنا أن نوقف الانبعاثات اليوم، فإن الغازات الدفيئة التي أطلقناها ستسمر في تسبب الاحترار على مدى عقودٍ على الأقل.

تصل جميع النماذج المناخية إلى حدٍ معين، لكن يمكن أن تقدم النماذج المناخية إسهاماتٍ هامةٍ جداً لصانعي السياسة، عندما يفكرون بوضعِ حدٍ للتغير المناخي.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.