منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

تقلبات مناخية عنيفة تضرب إيطاليا وشكوك حول ميزانية التكيّف الوطنية

تواجه إيطاليا العديد من الآثار السلبية لتغير المناخ، والتي انعكست بوضوح على عدد من القطاعات المهة داخلها كالزراعة والمياه والاقتصاد بشكل عام، ومع ذلك فإن خطة التكيّف التي تتبناها الحكومة الإيطالية غير كافية بشكلٍ كبير.

في أعقاب درجات الحرارة القياسية، والجفاف، والفيضانات، نشرت الحكومة خطتها الوطنية الأولى للتكيّف مع التغيّرات المناخية نهاية العام الماضي، لكن مراكز بحوث وطنية رأت أن الأموال المخصصة لهذه الخطة ليست كافية للتعامل مع تأثيرات تغيّر المناخ العميقة على الزراعة والعديد من القطاعات الأخرى.

 

جرس  إنذار بسبب الطقس المتطرف

سلسلة متتالية من التقلبات المناخية المتطرفة أطلقت إنذارًا للتنبيه بآثار التغيّر المناخي في إيطاليا، ففي 11 من أغسطس 2021، سجلت محطة الطقس بالقرب من سيراكوزة على جزيرة صقلية الجنوبية 48.8 درجة مئوية، والتي قد تكون أعلى درجة حرارة تم قياسها في أوروبا على الإطلاق، وقبل أسابيع فقط، انهارت الأنهار المتجمدة في جبال الدولوميت خلال واحدة من أسوأ درجات الحرارة تم تسجيلها في البلاد، وقال رئيس الوزراء الحالي ماريو دراغي إن مثل هذه الحوادث مرتبطة “بلا شك” بالتغيّر المناخي.

هذا ولم تقتصر آثار التغيّر المناخي الرائعة على الأشهر الصيفية فحسب، بل في سبتمبر، شهدت منطقة ماركي في وسط إيطاليا فيضانات شديدة عقب واحدة من أسوأ فترات الجفاف في 150 عامًا.

ولم تكن هذه التقلبات العنيفة إلا تأكيدًا لتحذيرات علمية سبق الإعلان عنها بشأن الوضع في إيطاليا والبحر الأبيض المتوسط بشكلٍ عام.

وكانت درجات الحرارة المتوسطة خلال السنوات العشر الماضية في إيطاليا 2.1 درجة مئوية أعلى من درجات الحرارة في العصر الصناعي السابق، مقارنة بمتوسط ​​عالمي بلغ 1.1 درجة مئوية.

اقرأ أيضًا.. الشتاء لم يأت بعد.. أوروبا تواجه درجات حرارة مرتفعة في يناير بسبب تغير المناخ

الجفاف يضرب إيطاليا

تعاني إيطاليا من تداعيات أزمة الجفاف بسبب التغيّر المناخي والاحتباس الحراري، وذلك ضمن أزمة جفاف تشهدها القارة العجوز مؤخرًا وتعتبر الأشد في 500 عام.

تؤثر هذه الأزمة بشكلٍ واضح على الإنتاج الزراعي، إذ يؤدي نقص الماء وتدني المياه الجوفية إلى انخفاض إنتاج المحاصيل وتدهور جودتها، ما يؤثر على الإمدادات الغذائية، وبالطبع يكون لذلك تأثير مباشر على ارتفاع تكلفة الإنتاج خلال فترات الجفاف، ما يؤثر على الربحية لمزارعي الدولتين.

قد يضطر المزارعون الإيطاليون إلى تغيير المحاصيل بسبب هذه الأزمة الطبيعية، ومن جانبها قررت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني تعيين “مفوضًا استثنائيًا بسلطات تنفيذية” لتنفيذ خطة لمكافحة الجفاف.

في هذا الصدد، يقول الخبراء إن آخر مرة شهدت فيها البلاد عامين متتاليين من الجفاف كان عامي 1989-1990 ولكن يبدو أن الظروف أكثر حدة الآن.

بسبب القلة الملحوظة في تساقط الثلوج خلال هذا الشتاء والتي أدت إلى نقص حاد في ذوبان الثلوج، قد يضطر مزارعو منطقة “إيميليا رومانيا” إلى التخلي عن زراعة المحاصيل التقليدية مثل الذرة وفول الصويا، والاتجاه لزراعة الشمس بدلاً من ذلك، إذ تعد المنطقة واحدة من أكثر المناطق الزراعية الإيطالية إنتاجية، ويمكن أن يؤثر نقص المياه أيضًا على إمدادات الأعلاف للأبقار والخنازير في “إيميليا رومانيا”، والتي يُعتمد عليها في عمليات إنتاج جبن بارميجيانو ريجيانو واللحوم.

في العام الماضي، عانت إيطاليا من أسوأ جفاف شهدته في 70 عامًا، وتحول نهر البو، أطول أنهارها، إلى ممرٍ طويلٍ من الرمال، وبفعل ذلك، تأثرت محاصيل الأرز بشدة والتي تزود المكون الرئيسي لطبق الريزوتو.

 

الزراعة وتأزم الوضع الاقتصادي

لا من شك من أن تغيّر المناخ سيكون له تأثير عميق على المجتمع والاقتصاد في إيطاليا.

في تقرير حول “تأثيرات تغيّر المناخ على الاقتصاد الإيطالي”، توقع البنك المركزي للبلاد آثارًا دراماتيكية خاصة على إنتاج الغذاء.

في الوقت الراهن، يمكن القول بأن إيطاليا هي واحدة من أكبر المنتجين الزراعيين ومعالجي الأغذية في الاتحاد الأوروبي، لكن جفاف العام الماضي أدى إلى انخفاض إنتاج المحاصيل بنسبة تصل إلى 45٪، في حين انخفضت إنتاجيات الأرز والقمح بنسبة 30٪ بحسب أرقام Coldiretti، وهي واحدة من الجمعيات الرئيسية التي تمثل وتساعد المزارعين الإيطاليين.

قالت الجمعية إنه نتيجة للجفاف، سيتم زراعة 8000 هكتار أقل من الأرز في إيطاليا هذا العام، ليصل الإجمالي إلى 211،000 هكتار، أدنى مستوى منذ 30 عامًا”.

هذا وتشير أبحاث مركز الأورو المتوسطي لتغير المناخ (CMCC) أيضًا إلى القطاع الزراعي باعتباره “عرضة بشكلٍ خاص لانخفاض الإنتاجية بسبب الجفاف وندرة المياه”. وتتوقع إنخفاض قيمة الأراضي الزراعية بين 87 و162 مليار يورو بحلول عام 2100، كما تقول إن إيطاليا يجب أن تستعد لخسائر كبيرة في محاصيل الربيع والصيف، كما قد يحدث تحول محتمل في الأراضي القابلة للزراعة نحو شمال إيطاليا والاتجاه لزراعة محاصيل مثل أشجار الزيتون والكروم.

من المتوقع أن تتأثر السياحة الشتوية في جبال الألب بشكلٍ كبير أيضًا، إذ يقول تقرير البنك المركزي “تغير المناخ والسياحة الشتوية: أدلة من إيطاليا” إن “نتائجنا تشير إلى أن تأثيرات تغيّر المناخ على السياحة الشتوية يمكن أن تكون جسيمة وخاصة في منتجعات التزلج على ارتفاعات منخفضة”.

اقرأ أيضًا.. تغير المناخ يضاعف موجات الجفاف في أوروبا وشمال الكرة الأرضية 20 مرة على الأقل

خطة تكيّف حكومية تأتي متأخرة

بعد تأخير دام لمدة تقرب من 4 سنوات، نشرت وزارة البيئة الإيطالية في ديسمبر 2022 أول خطة وطنية للتكيّف مع التغيرات المناخية، والتي تهدف إلى توفير إطار لتقليل مخاطر التغيرات المناخية، وتحسين القدرة التكيفية للطبيعة والمجتمع والاقتصاد، والاستفادة من الفرص التي قد تنشأ نتيجة لعالم يصبح أكثر دفئًا.

خرجت تلك الخطة نتيجة تعاون بين مؤسسات البحث والمؤسسات الأساسية والجامعات، بالتنسيق مع المركز الأورومتوسطي للتغيرات المناخية، ومن المقرر اعتماد نص نهائي بنهاية الربع الأول من 2023، وإنشاء مرصد وطني لضمان التنفيذ الفوري للخطة.

وفقًا لوزير البيئة والأمن الطاقوي غيلبرتو بيكشيتو، فإن الخطة “ضرورية للغاية في إيطاليا” لجعل “مدننا وريفنا وجبالنا ومناطقنا الداخلية والساحلية أكثر قدرة على التحمل للتغيرات المناخية”.

تأتي هذه الخطوة بعد الأضرار الهائلة التي تعرضت لها إيطاليا جرّاء التغيرات المناخية، بما في ذلك الفيضانات والانهيارات الأرضية والحرائق الغابات، ومن المتوقع أن تؤدي الخطة إلى تحسين قدرة إيطاليا على التكيّف مع التغيرات المناخية وتحقيق الاستدامة البيئية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين الصحة والرفاهية للمواطنين الإيطاليين.

 

شكوك حول ملاءمة الميزانية لخطة التكيّف

خصصت الحكومة الإيطالية مبلغ 71.7 مليار يورو كميزانية لخطة التعافي، والتي من المفترض أن تساعد الاقتصاد على التغلب على عواقب الجائحة، وستخصص 15% من هذا المبلغ، وهو حوالي 11 مليار يورو، لتدابير التكيف مع التغيرات المناخية.

ومع ذلك، توجد شكوك واسعة في أن التمويل سيكون كافيًا، ويشير تحليل حديث من قبل مركز Italian Alliance for Sustainable Development (Asvis) إلى أنه يجب تخصيص ما لا يقل عن 37% من خطة التعافي الوطنية للعمل المناخي، أي أكثر من ضعف المبلغ المخصص الآن.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.