منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

تغير المناخ في الأردن.. موجات الحرارة والجفاف تهدد الأمن الغذائي والمائي بالبلاد

يعتبر التغير المناخي أحد أبرز تحديات العصر، لما له من آثار سلبية على مختلف القطاعات التنموية، وأكثر هذه الآثار أهمية هي ندرة المياه، والجفاف وتغيرات خطيرة في مستوى سطح البحر وحياة النبات وعمليات الانقراض الجماعي لمجموعات حيوانية ونباتية، كما يؤثر على المجتمعات البشرية.

ويحدث التغير المناخي بالمجمل بسبب رفع النشاط البشري لنسب غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، الذي بات يحبس المزيد من الحرارة.

وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أعلنت أن العالم أمام لحظة حاسمة، فتغير المناخ هو القضية الأبرز في عصرنا الحالي، والآثار العالمية لتغيره واسعة النطاق، لم يسبق لها مثيل من حيث الحجم في تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، ما يجعل من التكيف مع هذه التأثيرات، أكثر صعوبة وكلفة في المستقبل، إذا لم تتخذ إجراءات جذرية الآن.

وقد شارك الأردن في كثير من الاتفاقيات الدولية بهدف التكيف والحد من آثار التغير المناخي في المملكة والعالم، حيث يعتبر الأردن من أشد الدول المعرضة للجفاف بسبب التغير المناخي وفق تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة الصادر عام 2021.

ورغم أن جهود الأردن لمكافحة تغير المناخ تعد طموحة، لكنها محدودة في العمل، بسبب الحاجة إلى استجابة طويلة الأجل بالإضافة إلى محدودية الموارد في الوقت ذاته، ولا تقتصر محدودية الموارد على الموارد المالية فقط، بل يضاف لها محدودية الموارد البشرية أيضاً.

 

نقص التمويل

لا يزال نقص التمويل يشكّل تحدياً رئيساً لتنفيذ مشاريع التكيف مع التغير المناخ مثل إعادة التحريج، وإصلاح المراعي، ومشاريع المياه، وغيرها، إذ تقدَّر تكلفة المشاريع والتدخلات التي يرتئيها الأردن والرامية إلى التخفيف من حدّة المشكلة بحوالي 7.5 مليار دولار أمريكي، حيث يتولى الأردن مسؤولية تأمين التمويل اللازم لتغطية ما نسبته 5 في المئة من إجمالي هدف المملكة لتخفيض الانبعاثات بنسبة 31 في المئة، وأما النسبة المتبقية البالغة 26 في المئة، فتبقى مشروطة بالتمويل والدعم الدوليين.

فالتمويل المتعلق بالمناخ لا يزال ضعيفاً وناقصاً، وثمة حاجة للمزيد منه، وتتسم عملية التمويل عادة بالبطء والبيروقراطية، فعمليات الإقرار والحصول على موافقة طويلة ومضنية.

ولكن أيضاً لا توجد كوادر بشرية مؤهلة بالدرجة الكافية والعدد الكافي لمواجهة التغير المناخي في الأردن، حيث تعتمد العديد من هذه الكوادر على اجتهاداتها الشخصية، ولا تخضع للتدريب الضروري لمواجهة مثل هذا التحدي، الذي يحتاج إلى تدريبات نوعية للكوادر كي تطور كفاءاتها وقدرتها لوضع خطط مستقبلية وآنية قابلة للتطبيق وإحداث الأثر، لأن الاستجابة لمواجهة التحديات التي يفرضها تغير المناخ عبر تنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي وضعت بهذا الشأن، هي السبيل لتخفيف آثاره على القطاعات الحيوية من زراعة ومياه وغيرها.

وتبرز ضرورة توحيد الجهود بين صانعي السياسات في جميع المؤسسات على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، بصورة غير مسبوقة، حيث باتت الحكومات تدرك أنه يجب أن تكون خطط التخفيف من آثار التغيرات المناخية على رأس أولويات الحكومة، بالإضافة إلى تطوير استجابات متسقة وتآزرية للأزمة، وإلا فإن دولها ستواجه إشكاليات حقيقية تؤثر على بنية المجتمع وكيفية تعامله مع القضايا العامة في الدولة.

اقرأ أيضًا.. تغير المناخ في مصر.. بهذه الطرق سيتأثر الطقس ومستقبل زراعة القمح والذرة 

تحديات تغير المناخ في الأردن

يبدو حتى اللحظة، أن الحكومة الأردنية لا تولي لتغير المناخي أهمية حقيقية، بعيدا عن الكلام العام في هذا المجال، حيث لا تبدو أن الخطط الزراعية أو المائية قادرة فعلاً على التعامل مع التحديات التي يفرضها التغير المناخي عل مستويي الأمن المائي والأمن الغذائي، خصوصاً وأن الأردن من أفقر ثلاث دول مائياً، وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على الزراعة وتربية الماشية.

وبالتالي فإنه ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية لجعل الزراعة أكثر استدامة وإنتاجية ومرونة، فإن تغير المناخ سيؤثر على إنتاج الغذاء، إذ أن لتغير المناخ آثارا مباشرة وغير مباشرة على الإنتاجية الزراعية، بما في ذلك تغير أنماط هطول الأمطار والجفاف والفيضانات ودرجات الحرارة القصوى وإعادة التوزيع الجغرافي للآفات والأمراض.

ولن يتوقف تأثير التغير المناخي عل القطاعين الزراعي والمائي، بل سيمتد تأثير التغير المناخي إلى مجالات عدة، فهو سيؤدي تدريجياً لزيادة في أمراض الأطفال الناجمة عن نقص الوصول إلى المياه، والتي قد لا تؤدي فقط إلى إعاقة نمو الأطفال، ولكنها ستقلل من قدرتهم على التعلم.

أي أن المجتمع الأردني معرض أن يصبح مجتمع أفقر من الوقت الحالي، بما سيخلفه ذلك من آثار ملموسة على بنية المجتمع ومجموعة القيم الاجتماعية التي سيتم تبنيها تدريجياً من قبل أفراد المجتمع، بالإضافة إلى ما يمكن اعتباره تهديداً لحالة الأمن والسلم المجتمعي، وهو ما سيضع ضغوطا إضافية على كاهل الدولة وأجهزتها الأمنية، بصورة تؤثر على توزيع الإنفاق من الموازنة العامة، حيث سيزداد الإنفاق على الضرورات الأمنية على حساب الاحتياجات الخفيفة لمواجهة التغير المناخي.

 

تراجع تمكين المرأة

كما سيكون من أبرز آثار التغير المناخي، إن لم يتم التعامل معه بصورة مدروسة، التراجع في تمكين المرأة الاقتصادي، حيث تُعد المرأة من الفئات الهشة والمهمشة عالمياً، وهي الأكثر تضرراً من الأزمات العالمية الاقتصادية والكوارث الطبيعية والأوبئة والجوائح، أي أن المرأة ستكون الاشد تأثرا من الكوارث الناتجة عن التغير المناخي.

وتشكل النساء ما نسبته 70 في المئة من الأشد فقراً في العالم، وهو ما يعني أن المرأة تحصل على التعليم الأدنى مستوى أو لا تحصل عليه إطلاقاً، تحصل على الرعاية الصحية الأسوأ وعلى حصص طعام أقل كمية وسعرات حرارية.

وتبلغ نسبة الإناث الأميات عالمياً ما نسبته 63 في المئة من مجموع الأميين في العالم، أي ضعف عدد الذكور الأميين، وهي نسبة ستكون قابلة للارتفاع مع استمرار التغير المناخي، مما يُظهر أن نتائج التغير المناخي ستمتد إلى إحداث تغيرات اجتماعية كبرى عبر إعاقتها تمكين فئات سكانية كبيرة.

وهنا تبرز أهمية زيادة المعرفة العامة ورفع الوعي بآثار تغير المناخ وتمكين الناس، وخاصة فئة الشباب، بصفتهم عوامل التغيير، حيث يجب دعم مشاركتهم الهادفة في القرارات التي قد تؤثر على حياتهم ومستقبلهم، لا سيما فيما يتعلق بإدارة الموارد الطبيعية المستدامة وتغير المناخ.

 

اقرأ أيضًا.. تغير المناخ في العراق يهدد بانهيار المباني الآثرية وتآكل عجائب الحضارات القديمة

جفاف قاس

وفق أحدث المعلومات، فإن أكثر من 90 في المئة من أراضي الأردن، يقل فيها الهطول المطري عن 200 ملم/ سنويا، ومعدل سقوط الأمطار طويل الأمد يبلغ نحو 95 ملم/ سنويا، مع تزايد الاحتياجات للماء عاما بعد آخر، بسبب الزيادة السكانية المضطردة وما أضافته موجات اللجوء من تحديات، وآخرها أزمة اللجوء السوري، إذ يحتاج الأردن إلى نحو 1,4 مليار متر مكعب سنويا، بينما يصل العجز لديه إلى نحو 500 مليون متر مكعب سنويا، ويتم تعويض النقص من خلال السحب الجائر من الآبار الجوفية، والتي يكون سحب لماء منها أعلى من معدل تخزين الماء فيها سنوياً.

ويشهد الأردن فترة جفاف، هي الأسوأ في تاريخه، وهي ناتجة عن التغيير المناخي، فسببها انخفاض معدلات هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، وهو ما ينعكس بصورة كارثية على قطاعات المياه والزراعة في منطقة الأغوار ووادي الأردن بشكل خاص، أي أن المناطق التي كانت تعتبر سلة الغذاء للأردن أصبحت مهددة وغير قادرة على استدامة إنتاجها.

التغير المناخي نتاج سنوات طويلة من عدم الاكتراث من قبل الدول الصناعية، وكذلك هو نتاج حالة من عدم القدرة على الاستشراف المستقبلي من قبل صانعي القرار في العالم لفترات طويلة، ولكن التغير المناخي جعلنا ندرك أننا جميعنا نعيش على كوكب واحد ومصيرنا مرتبط ببعضنا البعض، وإن لم نستطع اليوم على اتخاذ خطوات تقدمية وجريئة لمعالجة ما يمكن معالجته فيما يتعلق بالتغير المناخي وبناء قواعد وآليات للتعامل مع ا يفرضه التغير المناخي من مستجدات، ستبقى محاولات الدول الفردية غير ذي جدوى. خطر التغير المناخي يهددنا جميعاً فعلينا أن نتحد معاً كي نواجهه.

 

رومان حداد- مؤسسة كارنيغي للشرق الأوسط

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.