تعد غابات الأمازون المطيرة بمثابة الرئة الخضراء للأرض، والحاضنة الأهم لأكبر تنوع بيولوجي في العالم، ما يعني أن اختفاء أشجارها بفعل القطع أو الحرائق له تبعات خطيرة على الكوكب بأكمله.
تخزن غابات الأمازون المطيرة والغابات الاستوائية الأخرى ما بين 90 و140 مليار طن من الكربون، وتساعد بذلك على استقرار المناخ العالمي، كما تمثل وحدها 10٪ من إجمالي الكتلة الحيوية للكوكب.
تنتج غابات الأمازون كميات هائلة من المياه، تسمى بـ “الأنهار الطائرة”، تنقل المياه والرطوبة لأمريكا الجنوبية بأكملها.
تمثل الأمازون أكثر من نصف الغابات المطيرة المتبقية على كوكب الأرض، ويقع الجزء الأكبر منها في البرازيل، التي تعد خامس أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، بعد الصين والولايات المتحدة والهند وروسيا.
في عام 2021، بسبب الأجندة المناهضة للبيئة التي فرضها الرئيس السابق جايير بولسونارو، سجلت البلاد أعلى ارتفاع في الانبعاثات منذ ما يقرب من عقدين، وفقًا للبيانات التي نشرها مرصد المناخ البرازيلي.
كان السبب الرئيسي وراء ما يقرب من نصف هذه الانبعاثات، هو التغييرات في استخدام الأراضي، والتي شملت إزالة الغابات.
تظهر بيانات هذا العام أن 17 في المائة من غابات الأمازون قد أزيلت بالفعل، وأن 38 في المائة من الغابات المتبقية تدهورت.
في مطلع 2023، تولى لولا دا سيلفا رئاسة البرازيل، مع وعود بمواجهة التدهور البيئي الذي تسبب فيه سلفه وتعزيز حماية الأمازون بشكل أساسي، وإعادة البلاد للساحة العالمية بأجندة بيئية فاعلة.
قبل أسابيع قليلة، أظهرت بيانات حكومية انخفاض إزالة الغابات في منطقة الأمازون بنسبة 40 في المائة في الشهور الأربعة الأولى من 2023، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
أعادت حكومة دا سيلفا الاستقرار نوعًا ما لغابات الأمازون، واتخذت عددًا من الاجراءات القانونية لوقف التخريب الذي استمر 4 سنوات، وفق ما قاله الأمين التنفيذي لمرصد المناخ البرازيلي، مارسيو أستريني، في حوار خاص.
مارسيو أستريني، هو الناشط البيئي الأشهر في أمريكا الجنوبية بأكملها، له تاريخ عريض وخبرة واسعة في الفروع التنفيذية والتشريعية والتنسيقية في مجالات المناخ والأمازون والسياسات البيئية العامة، وعمل لمدة 13 عاما كمنسق عام في منظمة غرينبيس البرازيل، وهو أيضًا عضو كامل الأهلية في المنتدى البرازيلي المعني بتغير المناخ.
يشغل أستريني منصب الأمين التنفيذي لمرصد المناخ منذ مارس 2020، وهو أكبر شبكة للمجتمع المدني معنية بالمناخ في البرازيل، تأسست عام 2002، وتضم الآن أكثر من 90 منظمة عضو، بما في ذلك المنظمات البيئية غير الحكومية، ومعاهد البحوث والحركات الاجتماعية.
إلى نص الحوار:
انخفض معدل إزالة الغابات في الأمازون بنسبة 40٪ حتى الآن هذا العام وفق بيانات صدرت مؤخرًا، فهل كانت سياسة الرئيس البرازيلي الحالي لولا دا سيلفا هي سبب هذا الانخفاض؟
اتخذت حكومة لولا دا سيلفا بالفعل عدة خطوات لإعادة النظام وأجهزة إنفاذ القانون إلى منطقة الأمازون، ومع ذلك، ليست سوى مجرد بداية. لقد أمضت البلاد فترة أربع سنوات من التخريب البيئي وانتهاك الأجندة البيئية، ولن نستعيد زمام الأمور في غضون أربعة أشهر فقط. الأرقام الحالية آخذة في التحسن، ولكن الإصلاح الكامل للأوضاع، ووقف الانخفاض في إزالة الغابات بشكل نهائي، لا يزال بحاجة إلى وقت حتى يتحقق. الشيء المهم الآن هو أننا نتحرك في الاتجاه الصحيح.
ما هي أهمية غابات الأمازون المطيرة للمناخ والبيئة؟
غابات الأمازون مهمة لعدة أسباب، بالنسبة للمناخ، هي أكبر غابة مطيرة على هذا الكوكب، والغابات الاستوائية هي بالوعات للكربون، ومخزن طبيعي للغاز الرئيسي الذي يسبب أزمة المناخ.
بالنسبة للتنوع البيولوجي، فغابات الأمازون هي واحدة من الأماكن التي تحتوي على معظم الأنواع الموجودة على هذا الكوكب، والحفاظ عليها هو حفاظ على استمرار الحياة على الأرض.
ما أهميتها للبرازيل ولأمريكا الجنوبية بشكل عام؟
غابات الأمازون لها أهمية كبيرة للمواطنين الذين يسكنونها، تعد الغابة موطنا لمجموعات سكانية متنوعة منذ مئات السنين، يعتمدون عليها في لقمة العيش: كالسكان الأصليين والنهريين والمجتمعات الأخرى.
بالنسبة لمناخ البرازيل وبعض دول أمريكا الجنوبية الأخرى، تنظم غابات الأمازون المناخ وتوزع هطول الأمطار على مختلف البلدان والمناطق في قارة أمريكا الجنوبية، وتدعم إنتاج الغذاء وتزود خزانات المياه لهذه البلدان، والتي تخدم الاستهلاك البشري وتوليد الطاقة.
ما خطط البرازيل لحمايتها؟
أعادت الحكومة الحالية تنشيط خطة منع ومكافحة إزالة الغابات في الأمازون PPCDAM، وأعادت تنشيط صندوق الأمازون، وتعيد تأسيس القدرة التشغيلية لوكالات التفتيش الفيدرالية، مع تعيين شرطة فيدرالية لحمايتها.
كما أنها التزمت بزيادة الحماية لمجتمعات السكان الأصليين الذين يواجهون انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ترتبط غالبًا بإزالة الغابات وغيرها من انتهاكات الأراضي والبيئة.
نحن بحاجة إلى إنهاء إزالة الغابات في الأمازون واستعادة التدهور الذي حدث بالفعل في الغابات، وخاصة في أكثر مناطقها حساسية.
إذا لم نفعل أي شيء، يمكن أن تصل الغابات إلى نقطة الانهيار، حيث ستفقد خصائص ووظائف النظام البيئي الأصلية، وتدخل في عملية تدهور عميقة، وسينعكس ذلك على الكوكب بأكمله.
ما رؤيتكم كي لا تصل غابات الأمازون لنقطة الانهيار؟
المهمة ليست بسيطة، يجب على الحكومة الحالية أولاً التراجع عن الكثير من الأضرار التي سببتها الحكومة السابقة، والتي أشرفت على زيادة بنسبة 59.5 في المائة في معدلات إزالة الغابات في منطقة الأمازون مقارنة بالسنوات الأربع السابقة. ويرتبط هذا الارتفاع أيضًا بالتفكيك المنهجي للأطر البرازيلية المؤسسية والقانونية لحماية الغابات، يجب معالجة ذلك.
كما يجب على دي سيلفا وحكومته الانخراط في نموذج تنموي جديد يرى في العمل المناخي والتراث البيئي البرازيلي فرصتين للاستفادة من النمو الاقتصادي وتقليل عدم المساواة.
ما هي أولويات حكومة البرازيل خلال المشاركة في COP28؟
ستشارك البرازيل في قمة المناخ المقبلة بأجندة مختلفة تماما عن أجندة الحكومة السابقة.
سيكون هذا أول مؤتمر رسمي لحكومة لولا دا سيلفا الجديدة، التي يتعين عليها أن تعيد تأسيس التزاماتها بإنهاء إزالة الغابات في الأمازون، والدفاع عن السكان الأصليين وانتقال الطاقة، استنادا إلى معالجة أوجه عدم المساواة وتقديم المساعدات المالية للبلدان التي هي في أمس الحاجة للدعم.
نأمل أيضا أن تتراجع البرازيل عن النكسات في مساهماتها المحددة وطنيا، التي ارتكبتها الحكومة السابقة، والتي تنتهك مبدأ عدم التراجع الوارد في اتفاقية باريس.
نريد أن تكون الحكومة البرازيلية صوتا نشطا ومثالا في النقاط الرئيسية لمناقشة المناخ اليوم: زيادة الطموح، والإجراءات الفورية، ووضع حد للوقود الأحفوري، والتكيف.
هل تساهم البرازيل في صندوق الخسائر والأضرار بسبب انبعاثاتها الكبيرة كما تطالب الدول الغنية؟
الصندوق غير موجود بعد، لكنني أعتقد أن البرازيل ستكون محفزًا كبيرا للصندوق، وستقدم مطالب عامة بأن تتحمل أغنى البلدان، على وجه الخصوص، مسؤوليتها فيما يتعلق بهذه القضية.
ما هي أولويات منظمات المجتمع المدني في أمريكا الجنوبية خلال المؤتمر؟
تتمثل مطالب مرصد المناخ في زيادة الطموح المناخي، وإجراءات التخفيف الفورية، وخطط التكيف العاجلة للسكان الأكثر ضعفا، والإنشاء الفوري لصناديق التخفيف والخسائر والأضرار.
أعتقد أنه يتعين على العالم مواجهة المشكلة وجها لوجه وخفض انبعاثات غازات الدفيئة، مع التركيز على انتقال الطاقة، وإنهاء إزالة الغابات وتغيير نماذج الإنتاج الزراعي.
ما رأيك في استخدام تقنيات إزالة الكربون، هل تنجح في مواجهة عواقب الاحتباس الحراري؟
أعتقد أنه يتعين على العالم مواجهة المشكلة وجها لوجه وخفض انبعاثات غازات الدفيئة، مع التركيز على انتقال الطاقة، وإنهاء إزالة الغابات وتغيير نماذج الإنتاج الزراعي. لا ينبغي النظر في أي تقنية تحيلنا إلى الانحرافات مع الحلول السحرية والخيالية. في كثير من الأحيان، وراء الستار، تسعى هذه الحلول الزائفة فقط إلى استمرار امتيازات الشركات والبلدان التي لديها مصالح اقتصادية في الاستغلال المستمر للوقود الأحفوري.
أعلنت رئاسة COP28 أن المؤتمر سيركز لأول مرة في تاريخه على تأثير تغير المناخ على الصحة، ما رأيك في ذلك؟
أعتقد أن هذه قضية مركزية ومهمة في النقاش حول المناخ وآثاره، لأنها تؤثر بشكل مباشر على السكان الأكثر ضعفا في جميع أنحاء العالم.
في البرازيل، هذه القضية مهمة للغاية. نحن نعلم بالفعل أن ارتفاع متوسط الزيادة في درجة الحرارة في بعض المناطق الواقعة في شمال وشمال شرق البلاد، قد يتسبب في زيادة حالات الأمراض المعدية مثل حمى الضنك وفيروس زيكا وشيكونغونيا، من بين أمراض أخرى.
يمكن أن تتسبب موجات الحرارة الطويلة أيضا في إصابة جزء من السكان بالإجهاد الحراري، خاصة عند الأطفال وكبار السن، مما يزيد من حدوث الإسهال والجفاف.
كل هذا، إلى جانب عدم كفاية القدرة الخدمية لشبكة الصحة العامة، سيعرض أفقر جزء من السكان في هذه المناطق للخطر بشكل خاص.
بعد إعلان استضافة البرازيل لـ Cop30، ما الذي يمكن أن تقدمه البلاد للعالم في هذه النسخة من مؤتمرات المناخ؟
Cop30 في البرازيل، سيكون لحظة خاصة جدا في حد ذاتها.
2025 هو عام فاصل في العمل المناخي، نتوقع أن تستيقظ فيه البلدان وتزيد من طموحاتها وتفي بوعودها لخفض غازات الاحتباس الحراري بشكل أفضل.
لذلك، نأمل أن تتولى البرازيل رئاسة هذا المؤتمر، لأن البلد الذي يترأس المؤتمر، عليه أن يضع الأطراف على الطريق الصحيح لتقديم المزيد من الطموحات والحلول المناخية التي تسهل المفاوضات وتنعكس إيجابًا على العمل المناخي، وأن يضع الأطراف أيضًا في مسارات عمل تؤدي في نهاية المفاوضات إلى التزام كامل بوعودها وتحسين أفعالها.
كيف تستعد المنظمات البيئية في البرازيل لهذا الحدث؟
لقد استضافت البرازيل بالفعل مؤتمرين كبيرين في الماضي، كلاهما من العناصر المهمة جدًا في تاريخ المؤتمرات البيئية، الأول مؤتمر الأمم المتحدة لعام 1992 المعني بالبيئة والتنمية (UNCED)، والمعروف بمؤتمر الأرض “ريو دي جانيرو”، والثاني بعدها بعشرين عامًا، وهو مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والذي عرف بـ ريو+20، احتفالا بالذكرى العشرين، لقمة الأرض.
كانت هاتين اللحظتين حيويتين للغاية، وكان هناك مشاركة كبيرة من المجتمع المدني، أعتقد أن الأمر لن يكون مختلفًا في Cop30.
يجب ان يشهد هذا المؤتمر مشاركة كبيرة جدًا من المجتمع المدني والمجموعات المنظمة التي تعمل من أجل المناخ، يجب أن نرى أيضًا السكان الأصليين، وسكان الغابات، والسكان التقليديين في البرازيل.
أتوقع مساحة صوت و حضور كبير جدًا في Cop30، لأن هذا المؤتمر يحتاج إلى تقديم وعود أكثر طموحًا، وعندما يشارك المجتمع المدني في هذا الحدث بأعداد كبيرة، سنضمن المزيد من الضغط على المفاوضين، وهذا ما يجب أن يحدث.