منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

ثوران بركاني ضخم تحت الماء يقف خلف موجات الحر الشديدة في 2023

وجد تقرير علمي جديد أن تغير المناخ ليس وحده المسؤول عن موجات الحر الشديدة، وأن هناك عوامل إضافية أخرى، أبرزها ثوران بركاني وقع في 2022.

يلقي البعض باللوم على تغير المناخ بشأن الارتفاع الشديد في درجة الحرارة الذي يضرب العالم في 2023، ورغم أنه يلعب بالفعل دوراً كبيراً في شدة موجات الحر، لكن تقرير علمي جديد يؤكد أن الاحتباس الحراري ليس المذنب الوحيد، وأن هناك عوامل أخرى اجتمعت هذا العام لتؤدي إلى هذه الظواهر المتطرفة.

يقول مايكل ويسيشن، أستاذ علوم الأرض والبيئة والكواكب في جامعة واشنطن في سانت لويس ومؤلف التقرير، إنه مع تحطيم الحرارة العالمية للأرقام القياسية السابقة، وهطول الأمطار الغزيرة الذي أدى لفيضانات كارثية في بعض المناطق، من الصعب تجاهل أن شيئاً غير عادي يحدث في الطقس خلال عام 2023.

يضيف “الظواهر المتطرفة هذا العام أكثر حدة مما يُتوقع أن يسببه الاحترار العالمي الناتج عن النشاط البشري وحده”.

وفق التقرير، هناك ثلاثة عوامل طبيعية إضافية، بجانب الاحتباس الحراري، ساعدت في ارتفاع درجات الحرارة العالمية هذا العام: النينيو والتقلبات الشمسية وثوران بركاني ضخم تحت الماء.

تتحد هذه العوامل بطريقة تؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، ما يزيد التوقعات باستمرار درجات الحرارة المرتفعة بشكل غير عادي حتى عام 2025 على الأقل، مما يعني طقساً أكثر تطرفاً في المستقبل القريب.

 

كيف تشارك ظاهرة النينيو؟

ظاهرة النينيو هي ظاهرة مناخية تحدث كل بضع سنوات عندما تعكس المياه السطحية في المحيط الهادئ الاستوائي اتجاهها وتسخن.

يؤدي ذلك إلى تدفئة الغلاف الجوي أعلى المحيط، مما يؤثر على درجات الحرارة وأنماط الطقس حول العالم.

في الأساس، يستعير الغلاف الجوي الحرارة من المحيط الهادئ، فتزيد درجات الحرارة العالمية قليلاً.

حدث هذا في عام 2016، تزامناً مع آخر موجة قوية من ظاهرة النينيو، وارتفعت درجات الحرارة العالمية وقتها بنحو 0.14 درجة مئوية في المتوسط، مما جعل عام 2016 أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق.

حدثت ظاهرة النينيو بشكل أضعف في 2019-2020، مما ساهم في أن يصبح عام 2020 ثاني أكثر الأعوام سخونة في العالم.

أما ظاهرة النينيا، المعاكسة لظاهرة النينيو، فتنطوي على تيارات المحيط الهادئ الأكثر برودة من المعتاد، والتي تتدفق غربا، وتمتص الحرارة من الغلاف الجوي مما يبرد الكرة الأرضية.

خرج العالم للتو من ثلاث سنوات متتالية من ظاهرة النينيا، مما يعني أننا نشهد تأرجحاً أكبر في درجات الحرارة.

استناداً إلى ارتفاع درجات حرارة سطح البحر في المحيط الهادئ في منتصف عام 2023، تشير النمذجة المناخية الآن إلى احتمال بنسبة 90% أن الأرض تتجه نحو أول وأقوى ظاهرة نينيو منذ عام 2016.

إلى جانب الاحترار المطرد الذي يسببه الإنسان، قد تحطم الأرض قريباً مرة أخرى الأرقام القياسية لدرجات الحرارة السنوية.

كان يونيو/حزيران 2023 هو الأكثر سخونة منذ بدء سجلات رصد حرارة الطقس، وشهد شهر يوليو/تموز أرقاما قياسية عالمية لأكثر الأيام سخونة وعدداً كبيراً من الأرقام القياسية في السجلات الإقليمية، بما في ذلك مؤشر حرارة غير مفهوم بلغ 67 درجة مئوية في إيران.

تقلبات طاقة الشمس

قد تبدو الشمس وكأنها تشرق بمعدلات ثابتة، لكنها كرة بلازما غليظة ومضطربة تتغير طاقتها المشعة عبر العديد من المقاييس الزمنية المختلفة.

تسخن الشمس ببطء وخلال نصف مليار سنة سوف تغلي محيطات الأرض.

ومع ذلك، على المقاييس الزمنية البشرية يختلف إنتاج طاقة الشمس بشكل طفيف فقط، حوالي جزء واحد من الألف، خلال دورة متكررة مدتها 11 عاماً.

قمم هذه الدورة صغيرة جداً بالنسبة لنا، حيث لا يمكننا ملاحظتها على المستوى اليومي، لكنها تؤثر على أنظمة مناخ الأرض.

يولد الحمل الحراري السريع داخل شمسنا مجالاً مغناطيسياً قوياً يتماشى مع محور الدوران ويتسبب في قلب هذا المجال وعكسه بالكامل كل 11 عاماً، هذا هو ما يسبب دورة الـ11 عاماً في الإشعاع الشمسي المنبعث.

زيادة درجة حرارة الأرض خلال الحد الأقصى للشمس، مقارنة بمتوسط الإنتاج الشمسي، هو فقط حوالي 0.05 درجة مئوية، أي ما يقرب من ثلث ظاهرة النينيو القوية.

يحدث العكس خلال الحد الأدنى من الطاقة الشمسية، ومع ذلك على عكس تغيرات النينيو المتقلبة وغير المتوقعة، فإن الدورة الشمسية لمدة 11 عاماً منتظمة نسبياً ومتسقة ويمكن التنبؤ بها.

بلغت الدورة الشمسية الأخيرة الحد الأدنى لها في عام 2020، مما قلل من تأثير ظاهرة النينيو الضعيفة في عام 2020.

لقد تجاوزت الدورة الشمسية الحالية بالفعل ذروة الدورة السابقة الضعيفة نسبيًا، التي كانت في عام 2014، وستبلغ ذروتها في عام 2025، مع زيادة إنتاج طاقة الشمس حتى ذلك الحين.

انفجار بركاني هائل

يمكن أن تؤثر الانفجارات البركانية بشكل كبير على المناخات العالمية، سواء بالاحترار أو التبريد.

عادة ما يحدث ذلك عن طريق خفض درجات الحرارة العالمية عند اندلاع الهباء الجوي الكبريتي من الانفجارات البركانبة، والذي يحجب ويمنع جزءاً من ضوء الشمس القادم للأرض، ولكن هذا أمر ليس دائم الحدوث.

في تطور غير عادي، كان انفجار بركان “هونغا تونغا هونغا هاباي” عام 2022، أكبر ثوران بركاني في القرن الحادي والعشرين حتى الآن، له تأثير الاحترار وليس التبريد.

حدث الثوران البركاني الكبير تحت الماء في جزيرة هونغا تونغا، وهي جزيرة بركانية في دولة تونغا في المحيط الهادئ، في 15 يناير/كانون الثاني 2022.

تسبب الثوران في حدوث موجات مد عاتية، تسونامي، في كل من تونغا وفيجي وساموا الأمريكية.

أطلق البركان كمية صغيرة، على عكس المعتاد، من الهباء الجوي لكبريتات التبريد، وفي نفس الوقت أطلق كمية هائلة من بخار الماء، أحد غازات الدفيئة المسببة للاحترار العالمي.

أدى ذلك إلى انفجار الصخور المنصهرة تحت الماء، فتبخرت كمية هائلة من مياه المحيط، واندلعت مثل نبع ماء حار في الغلاف الجوي.

يعد بخار الماء من الغازات الدفيئة القوية، وقد يؤدي الانفجار البركاني إلى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بنحو 0.035 درجة مئوية، وفقًا لأحدث التقديرات.

على عكس بخار كبريتات التبريد، وهو في الواقع عبارة عن قطرات صغيرة من حمض الكبريتيك تسقط من الغلاف الجوي في غضون عام إلى عامين، فإن بخار الماء هو غاز يمكن أن يبقى في الغلاف الجوي لسنوات عديدة.

يقول التقرير إنه من المتوقع أن يستمر تأثير الاحترار لبركان تونغا لمدة خمس سنوات على الأقل.

الاحتباس الحراري أيضاً

يأتي كل هذا بالإضافة إلى الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن الأنشطة البشرية.

رفع البشر متوسط درجات الحرارة العالمية بنحو 1.1 درجة مئوية منذ عام 1900 عن طريق إطلاق كميات كبيرة من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.

على سبيل المثال، زاد البشر من كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسبة 50%، وذلك بشكل أساسي من خلال احتراق الوقود الأحفوري في المركبات ومحطات الطاقة.

يقول التقرير إن الاحترار الناجم عن غازات الدفيئة هو في الواقع أكبر من 1.1 درجة مئوية، ولكن تم حجبه بواسطة عوامل بشرية أخرى لها تأثير تبريد، مثل تلوث الهواء.

ويضيف: “إذا كانت التأثيرات البشرية هي العوامل الوحيدة، فإن كل عام متتالي سيحقق رقماً قياسياً جديداً باعتباره أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق، لكن هذا لا يحدث، كان عام 2016 هو الأكثر دفئاً حتى الآن، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى ظاهرة النينيو الكبيرة الأخيرة”.

ماذا عن مستقبل موجات الحر ؟

يتوقع التقرير أن تكون السنوات القليلة المقبلة صعبة للغاية.

ففي حال تطورت ظاهرة النينيو القوية خلال العام المقبل، جنبًا إلى جنب مع الحد الأقصى للشمس، وتأثيرات ثوران بركان تونغا، فمن المحتمل أن ترتفع درجات حرارة الأرض إلى مستويات غير مسبوقة.

وفقاً لنمذجة المناخ، من المحتمل أن يعني هذا المزيد من موجات الحرارة وحرائق الغابات والفيضانات المفاجئة وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة.

 

العين

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.