حذر تقرير صدر عن جامعة الأمم المتحدة من 6 تغييرات جذرية في الأنظمة الاجتماعية والبيئية، تسمى بنقاط التحول في المخاطر، قد تقلب حياة البشر وتسبب الكوارث.
شدد التقرير، الذي حمل عنوان “مخاطر الكوارث المترابطة لعام 2023″، على أن تجاهل معالجة نقاط التحول في المخاطر الستة، التي تهدد البشر والكوكب، ستزيد من الكوارث في المستقبل.
يعرف التقرير نقطة التحول في المخاطر على أنها اللحظة التي لا يعود فيها نظام اجتماعي بيئي معين قادراً على تخفيف المخاطر وتوفير وظائفه المتوقعة، مما يؤدي بعد ذلك لزيادة خطر التأثيرات الكارثية على هذه الأنظمة بشكل كبير.
تمتد نقاط التحول في المخاطر إلى ما هو أبعد من المجالات الفردية للمناخ أو النظم البيئية أو المجتمع أو التكنولوجيا، فهي مترابطة بطبيعتها.
كما ترتبط الأنظمة الموجودة في كل مكان حولنا، كالنظم البيئية، والغذائية، والمياه، بالبشر والأنشطة البشرية وسبل العيش بشكل وثيق، وعندما تتدهور يتراكم عدم الاستقرار ببطء حتى يصل النظام فجأة إلى نقطة التحول.
مع الوصول لنقطة التحول، وهي في العادة عملية ليست بسيطة ويمكن التنبؤ بها، يتغير النظام بشكل جذري أو حتى ينهار، مما ينتج عنه تأثيرات ومخاطر كارثية محتملة، لا نعرف الكثير منها بعد.
يقول الدكتور جاك أوكونور، المؤلف الرئيس للتقرير، وكبير الخبراء في جامعة الأمم المتحدة: “عندما نقترب من نقاط التحول تلك، نبدأ فورًا في تجربة التأثيرات، وبمجرد عبور الحدود، سيكون من الصعب العودة”.
مستقبل بلا تأمين
منذ السبعينيات، زادت الأضرار الناجمة عن الكوارث المرتبطة بالطقس بمقدار سبعة أضعاف، حيث شهد عام 2022 وحده خسائر اقتصادية عالمية بقيمة 313 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتضاعف الكوارث الشديدة على مستوى العالم بحلول عام 2040.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يتوسع عدد وحجم المناطق المعرضة للخطر، حيث يؤدي تغير المناخ إلى تحويل نطاق ومكان المخاطر، مثل حرائق الغابات والعواصف، إلى مناطق جديدة.
تؤثر هذه التغييرات أيضًا على قطاع التأمين، ففي حين أدت الأحداث المناخية القاسية إلى إحداث دمار متزايد، ارتفعت أقساط التأمين بما يصل إلى 57% منذ عام 2015.
قررت بعض شركات التأمين في المناطق المعرضة للخطر الحد من مقدار أو نوع الأضرار التي يمكنها تغطيتها، أو إلغاء وثائق التأمين أو مغادرة السوق تمامًا.
وفق التقرير، نصل إلى نقطة تحول المخاطر في هذا السياق عندما يصبح التأمين غير متاح أو لا يمكن تحمله، مما يترك الناس دون شبكة أمان اقتصادي عند وقوع الكوارث.
حطام فضائي
يعاني الفضاء أيضًا من مشكلة القمامة كما الأرض، فعندما تتوقف الأقمار الصناعية عن العمل، تُترك في مدار الأرض كحطام فضائي.
من بين 34,260 جسمًا يتبعها العالم في مدار الأرض اليوم، هناك حوالي 25% فقط منها داخل الخدمة، والباقي إما معطل أو منصات صاروخية مهملة.
بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل وجود حوالي 130 مليون قطعة من الحطام صغيرة جدًا، التي لا يمكن تعقبها، ويتراوح حجمها بين 1 ملم و1 سم.
ينتقل الحطام الفضائي بسرعة تزيد عن 25000 كيلومتر في الساعة، وحتى الحطام الصغير يمكن أن يسبب أضرارًا كبيرة إذا اصطدم بشيء ما، مما يؤدي إلى المزيد من الحطام.
لهذا السبب، تحتاج محطة الفضاء الدولية أو الأقمار الصناعية، إلى إجراء مناورات منتظمة لتجنب الاصطدام بالحطام، وتتفاقم المشكلة مع إطلاق المزيد والمزيد من الأجسام إلى الفضاء وتراكم الحطام.
تأتي نقطة التحول في المخاطر في هذا السياق، عندما يصبح مدار الأرض مليئًا بالحطام لدرجة أن اصطدامًا واحدًا يؤدي إلى سلسلة من الاصطدامات قد تؤدي إلى الكوارث.
إذا حدث ذلك، فقد يصبح المدار غير صالح للاستخدام، مما يهدد قدرتنا على تشغيل الأقمار الصناعية، التي نستخدمها لمراقبة الطقس والتغيرات البيئية وتلقي التحذيرات المبكرة من الكوارث، وغيرها من المهام.
حرارة لا تطاق
يتسبب تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية في ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، مما يؤدي إلى موجات حارة أكثر تكرارا وشدة، ومن المتوقع أن يصبح ذلك أكثر حدة في المستقبل.
تسببت الحرارة الشديدة في حوالي 500 ألف حالة وفاة زائدة سنويا في العقدين الماضيين، مما أثر بشكل غير متناسب على الفئات الضعيفة بشكل خاص بسبب أعمارهم أو ظروفهم الصحية أو مهنتهم.
سجلت محطات أرصاد جوية في مختلف أنحاء العالم بالفعل درجات حرارة تتجاوز النقطة الحرجة التي يمكن أن يتعايش معها جسم الإنسان.
إذا تجاوزنا هذه العتبة لأكثر من ست ساعات، ستعاني أجسامنا من عواقب وخيمة، حتى الجسم الشاب السليم، سيعاني أيضًا.
تتمثل نقطة التحول في هذا السياق عندما نتخطي عتبة الـ 35 درجة مئوية، وهو ما يسمى بـ “درجة حرارة المصباح الرطب”، التي تعرف بأنها قياس يجمع بين درجة الحرارة والرطوبة، باعتبارهما ذات صلة.
تؤدي الرطوبة العالية إلى تفاقم آثار الحرارة مع إعاقة تبخر العرق، الذي يعد أمرًا ضروريًا للحفاظ على استقرار درجة حرارة الجسم الأساسية، ويجنب فشل وظائف الجسم وتلف الدماغ.
تجاوزت درجات الحرارة العتبة الرطبة في محطتين للأرصاد الجوية على الأقل، إحداهما في الخليج العربي والأخرى في حوض نهر السند.
تشير الأبحاث إلى أنه بحلول عام 2070، ستتجاوز أجزاء من جنوب آسيا والشرق الأوسط هذه العتبة بانتظام.
بحلول عام 2100، قد يتعرض أكثر من 70% من سكان العالم لظروف مناخية قاتلة لمدة 20 يومًا على الأقل سنويًا.
تسارع الانقراضات
أدت الأنشطة البشرية المكثفة، بما في ذلك تغير استخدام الأراضي، والاستغلال المفرط، وتغير المناخ، والتلوث، وإدخال الأنواع الغريبة الغازية، إلى وصول معدل انقراض للأنواع لما لا يقل عن 10 إلى 100 ضعف المعدل الطبيعي للأرض.
يجدر الذكر بأن النظم البيئية مبنية على روابط معقدة بين الأنواع، وفي حال انقرض نوع ما، يكون له تأثير غير مباشر على العديد من الأنواع الأخرى.
تأتي نقطة التحول في هذا السياق عندما يفقد النظام البيئي الأنواع الرئيسة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا ببعضها البعض، مما يتسبب في انقراضات متتالية للأنواع التابعة، ويؤدي في النهاية إلى انهيار النظام البيئي بأكمله.
من الأمثلة على ذلك، سلحفاة غوفر المهددة بالانقراض، والتي تحفر جحوراً يستخدمها أكثر من 350 نوعاً آخر للتكاثر والتغذية والحماية من الحيوانات المفترسة وتجنب درجات الحرارة القصوى.
إذا انقرضت سلحفاة غوفر، سيتبعها ضفدع غوفر الداكن، الذي يساعد في السيطرة على أعداد الحشرات ومنع تفشي الآفات في أحواض غابات الصنوبر ذات الأوراق الطويلة، وقد يؤدي انقراضه إلى عدد من الكوارث والآثار السلبية التي قد لا يمكن إيقافها أو توقعها.
استنزاف المياه الجوفية
توفر خزانات أو طبقات المياه الجوفية مياه الشرب لأكثر من ملياري شخص بالعالم، وتستهلك الزراعة حوالي 70% منها.
وفق التقرير، استنفدت أكثر من نصف طبقات المياه الجوفية الرئيسة في العالم بشكل أسرع من قدرتها على التجدد بشكل طبيعي.
تتمثل نقطة التحول في هذا السياق في فقدان الوصول إلى موارد المياه العذبة الموجودة في طبقات المياه الجوفية، والتي نصل لها عندما ينخفض منسوب المياه إلى ما دون المستوى الطبيعي للآبار الحالية، مما يعرض أنظمة إنتاج الغذاء بأكملها لخطر الفشل.
شهدت بعض البلدان بالفعل تأثيرات ذلك، أبرزها المملكة العربية السعودية.
احتلت المملكة المرتبة السادسة كأكبر مصدر للقمح في العالم في منتصف التسعينيات بسبب استخراجها المياه الجوفية على نطاق واسع لأغراض الري، وعندما جفت الآبار، اضطرت البلاد إلى التحول إلى استيراد القمح.
تقترب الهند ودول أخرى أيضًا من نقطة التحول هذه، حيث من المتوقع أن تنتشر التأثيرات العالمية عبر النظم الغذائية والاقتصاد والبيئة في العالم كله.
ذوبان الأنهار الجليدية الجبلية
تتراجع الأنهار الجليدية عندما تذوب كتلة الجليد التي تشكلت منذ سنوات عديدة بشكل أسرع من استبدالها بالثلوج.
بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، تذوب الأنهار الجليدية في العالم الآن بمعدل أسرع مرتين مما كانت عليه في العقدين الماضيين، وفقدت بين عامي 2000 و2019، حوالي 267 جيجا طن من الجليد سنويًا، أي ما يعادل تقريبًا 46500 هرمًا من أهرامات الجيزة الكبرى.
تخزن الأنهار الجليدية كميات كبيرة من المياه العذبة، ويوفر ذوبانها مياهً للشرب والري والطاقة الكهرومائية والنظم البيئية لمناطق بأكملها.
تأتي نقطة التحول في هذا السياق مع “ذروة المياه”، عندما ينتج النهر الجليدي الحد الأقصى لحجم جريان المياه بسبب الذوبان، وبعدها سينخفض توافر المياه العذبة بشكل مطرد.
وفق التقرير، وصلنا بالفعل إلى ذروة المياه، أو في الطريق إليها خلال السنوات العشر القادمة، بالنسبة للعديد من الأنهار الجليدية الصغيرة في أوروبا الوسطى وغرب كندا وأمريكا الجنوبية.
الحلول قبل الكوارث
يقترح التقرير إطارًا جديدًا لتجنب الكوارث والعواقب أو التخفيف منها، ينقسم إلى فئتين: حلول التجنب، التي تستهدف الأسباب الجذرية ودوافع المخاطر، وحلول التكيف، التي تساعد في الاستعداد للآثار السلبية لنقاط التحول في المخاطر أو معالجتها بشكل أفضل، إذا لم يكن من الممكن تجنبها.
لكل من حلول التجنب والتكيف، هناك نوعان من الإجراءات: إجراءات التأخير، وهي المعمول بها حاليًا، وتهدف إلى إبطاء التقدم نحو نقاط تحول المخاطر أو أسوأ الآثار، وإجراء التحول، الذي يتضمن إعادة تصور النظام بشكل أساسي وتحويله إلى شيء أقوى وأكثر استدامة من ذي قبل.