تواجه الأراضي الرطبة في ليبيا أخطار جمة بسبب تغير المناخ من جانب، والتعديات البشرية على النظم البيئية في هذه المناطق من جانب أخر.
تعرف الأراضي الرطبة بأنها كل وسط تغمره المياه كليا أو جزئيا، سواء بصفة دائمة أو مؤقتة.
في ليبيا، فقدت بعض المناطق أجزاء كبيرة من مساحتها، على سبيل المثال، فقدت ملاحة “زوارة الشرقية” ما نسبته 30% من مساحتها الاجمالية التي كانت تبلغ حوالي 150 هكتارا.
بحسب عضو منظمة إدامة لصون الطبيعة الأستاذ أبوبكر المنصوري تعود أسباب هذا الفقد إلى التوسع العمراني على حسابها، لأغراض استغلال هذه المساحات في البنية التحتية والمباني.
تجفف هذه الأراضي الرطبة بشكل متعمد لتحويلها إلى أراضي من أجل بناء الشاليهات والاستراحات الصيفية، كما يلعب تلوث أجزائها بالمخلفات الصناعية والنفايات دورا كبيرا في زيادة مساحة الفقد.
أضاف السيد أبوبكر أن الاستغلال المفرط لمواردها المتمثلة في استخراج ملح الطعام الطبيعي، وزيت الملح ساهم في تدهور نظامها البيئي، كما أن تغيير شكلها الجغرافي يهدد بشكل كبير النظم الايكولوجية المتنوعة التي كانت تحافظ على طبيعة الملاحة.
ما هي الأراضي الرطبة؟ وما أهميتها
تلعب هذه النظم دورا رئيسيا في دورة المياه، وهي ذات أهمية حيوية لبقاء البشرية نظراً لفوائدها التي لا حصر لها وللخدمات الإيكولوجية التي تقدمها منذ آلاف السنين، بجانب أنها مزيج فريد من النباتات والحيوانات وتشمل مجموعة متنوعة من النظم الإيكولوجية.
أكد الأستاذ أبوبكر على أن تغير المناخ وارتفاع منسوب البحار له دور كبير في تأثر الملاحة وانحسارها بحكم انها محاذية بشكل مباشر لشاطئ البحر، ولفت أن المنظمة تعتمد في قياس هذا التأثير على المسوحات الجغرافية وصور الأقمار الصناعية والمراقبة العينية من خلال زيارات دورية يقوم بها أعضاء المنظمة للمنطقة.
بحسب ما قال الأستاذ أبوبكر فإن الأراضي الرطبة ومنها الملاحات تساعد كثير في تحسين الحالة المناخية، فهي تخزن كميات كبيرة من الكربون المسبب للاحتباس الحراري، وتساهم في مكافحة تآكل التربة وحماية السواحل، وتعمل على تنقية المياه من التلوث والسموم الصناعية والزراعية.
وأشار إلى أن لها أهمية بالغة أخرى، حيث تتيح خدمات النظم البيئية الأساسية بها تنظيم المياه والتحكم في الفيضانات، خاصة مع تفاقم آثار تغير المناخ التي طالت ليبيا وبدأت تؤثر فيها بشكل واضح.
حول دورهم كمنظمة أهلية محلية في المحافظة على الأراضي الرطبة بصفة عامة وملاحة زوارة بصفة خاصة قال الأستاذ أبو بكر: “نتعامل مع التعديات وفق خطة تحدد أولويات الحفظ، وإعادة التحسين للنظام البيئي، وتتضمن الخطة عدة محاور منها رفع الوعي البيئي بأهميتها، والتعاون مع السلطات المحلية وذوي المنفعة لاستصدار قوانين حماية”.
وأضاف: “نعمل مع الشركاء لتنفيذ خطة الحفظ واسترجاع النظام البيئي، ونفذنا المراحل الأولى منها، وتتعلق بتقييم الأضرار والتواصل مع الخبراء لبحث سبل الحفظ”.
تابع: “تواجهنا الكثير من التحديات، منها صعوبة الحصول على بيانات الحدود الجغرافية ونزاعات الملكية وكثرة الملوثات بالمنطقة”.
أشار أبو بكر إلى أن منطقة الملاحة تعد موطنًا مهمًا في الساحل الغربي لأنواع كثيرة من الطيور المهاجرة.
قال: “حددنا 12 نوعا مهدد بالانقراض في المنطقة، وأعدادهم تتناقص باطراد، وذلك لعدة أسباب، بعضها يتعلق بالمناخ، والبعض الأخر يتعلق بالتعديات البشرية على موائلها”.
في يومها العالمي.. ما هي الأراضي الرطبة وما أهميتها للطبيعة والبشر والمناخ؟
موقع رامسار يحدد إثنين
تعد الأراضي الرطبة من أكثر البيئات الغنية بالتنوع البيولوجي والتي تحتوي على أعداد هامة من الأنواع المختلفة، حيث تأوي الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة أكثر من 40% من الاصناف الموجودة في الكوكب، و 12% من جميع الأصناف الحيوانية
كما أنها توفر موطناً وممرات هامة للطيور المهاجرة، وتلعب دوراً أساسياً في الدورة المائية والهيدرولوجية، ومورد اقتصادي من المحاصيل مثل الملح وزيت الملح.
وفق دراسة بعنوان” نحو شبكة تمثيلية للمناطق البحرية المحمية في ليبيا”، أعدها فريق من الاتحاد الدولي لصون الطبيعة بالتعاون مع الهيئة العامة للبيئة في ليبيا، تحتضن البلاد 24 موقعا للأراضي الرطبة.
تعترف مواقع رامسار بموقعين فقط من المواقع الموجودة في ليبيا، بمساحة تقدر ب 83 هكتارا وهما عين الشقيقة، والعين الزرقاء بمنطقة الجبل الأخضر.
مواقع رامسار هي المواقع التي ذكرت في اتفاقية رامسار للأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية، وخاصة التي توصف بأهميتها كموئل للطيور المائية.
بحسب ما أشارت الجمعية الليبية للحياة البرية فأن هناك عددًا آخر من المواقع المرشحة للدخول تحت مظلة “مواقع رامسار”.
مشروع قاعدة بيانات الأراضي الرطبة
في ذات السياق، أطلقت منظمة علم الأحياء البحرية في ليبيا مشروع قاعدة بيانات الأراضي الرطبة في البلاد، وحددت في البداية العمل على منطقتين هما “أم حفين وأم القرامي”.
تبلغ مساحة أم حفين حوالي 200 هكتار، ويتراوح عمق المياه بها من 3 تحت مستوى سطح البحر إلى 4 أمتار فوق مستوى سطح البحر.
بينما تبلغ مساحة الأرض الرطبة “أم القرامي” حوالي 277 هكتارا، ويتراوح عمق المياه بها من 6 تحت مستوى سطح البحر إلى 4 أمتار فوق مستوى سطح البحر.
تتصل البحيرتان بالبحر عبر قنوات ضيقة، يحدث من خلالها موجات المد والجزر، وكلاهما يتغذى من المياه الجوفية شبه المالحة، ومياه الجريان السطحي الموسمي لأحواض الأودية.
تحتضن هاتان البحيرتان نظاما بيئيا شديد الأهمية، فريدًا ومتنوعًا أيضًا، ويتكون من عدة وحدات جيومورفولجية كالمستنقعات البرية والساحلية وروافد الأودية والحواجز البحرية وبرك المياه المالحة وينابيع وبرك المياه الجوفية شبه المالحة، والتي ينجم عنها تنوع فريد من الغطاء النباتي والحياة المائية والبرية.
تتمثل رؤية المشروع في الحفاظ على الأنواع والأنظمة البيئية ومناطق التنوع البيولوجي المتميز من خلال إنشاء قاعدة بيانات بيئية شاملة، وسيكون بوسع الباحثين والمهتمين الوصول إلى هذه المعلومات والتعرف على التنوع البيولوجي الموجود وأهميته البيئية.
سيتمكن أصحاب المصلحة أيضًا، مثل المؤسسات الحكومية والجمعيات البيئية، من استخدام هذه المعلومات لتوجيه جهودهم في حماية واستعادة الأراضي الرطبة، وإدارتها بشكل فعال، ومراقبتها بطريقة قائمة على البيانات والمعلومات الدقيقة.
كما يهدف المشروع إلى إدارة مشاريع الحفظ المتضمنة في برنامج المبادرات الصغرى لمنظمات المجتمع المدني في شمال إفريقيا، ومكافحة التغير المناخي بدعم الحفاظ على الأنواع والنظم البيئية والأراضي ذات التنوع الحيوي، إضافة إلى تعزيز طرق إدارة الأراضي الرطبة بتطبيق تقنيات حديثة، ودعم جهود ومبادرات العديد من المنظمات الدولية بخصوص تنمية والحفاظ على الأراضي الرطبة.
لاجوس في انتظار كارثة مناخية و8 مليون شخص في مهب الفيضانات
تغير المناخ وأثره على الأراضي الرطبة
من جانبها قالت المهندسة هدى حامد الزوي، عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للتقنيات الهندسية والمهتمة بالشأن البيئي المحلي لمدينة بنغازي، إن تغير المناخ يؤثر على الأراضي الرطبة بطرق عديدة، منها ارتفاع مستوى سطح البحر.
يؤدي ارتفاع مستوى البحر إلى غمر الأراضي الرطبة الساحلية، مما يتسبب في فقدان التنوع البيولوجي والوظائف البيئية للأراضي الرطبة.
كما يؤثر تغير أنماط هطول الأمطار عليها أيضًا، لأنه يؤدي إلى تغير مستويات المياه، مما يتسبب في حدوث موجات الجفاف أو الفيضانات.
وأشارت إلى أن زيادة حدة الأحداث المتطرفة المرتبطة بتغير المناخ مثل العواصف والفيضانات والجفاف، يمكن أن تلحق أضرارًا بالغة بالأراضي الرطبة.
أوضحت الزوي: “تعد الأراضي الرطبة موطنًا لأنواع النباتات والحيوانات المتنوعة، والتي تلعب دورًا مهمًا في النظام البيئي. ويؤدي فقدانها إلى فقدان هذا التنوع البيولوجي، مما يؤثر على صحة النظام البيئي بأكمله”.
أضافت: “أيضًا للأراضي الرطبة دورًا مهمًا في تصفية المياه، مما يساعد على تحسين جودة المياه العذبة، يؤدي فقدانها إلى تدهور جودة المياه، مما يؤثر على صحة الإنسان والحيوان”.
لفتت الزوي إلى أن الأراضي الرطبة تلعب دورًا مهمًا في التخفيف من آثار الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات، ويؤدي فقدانها إلى زيادة مخاطر الكوارث الطبيعية، مما يعرض الناس والمجتمعات للخطر.
قالت إن الأراضي الرطبة في ليبيا تتعرض للفقد كل يوم إما بسبب التغييرات المناخية أو تعديات الإنسان عليها لذلك.
أضافت: “من أجل المحافظة عليها يجب على الحكومة الليبية وضع قوانين وأنظمة لحماية الأراضي الرطبة، مثل حظر البناء والزراعة والصيد في المناطق المحمية، مع توفير الحماية الكاملة لها، ولجميع الكائنات الحية التي تعيش فيها”.
أوضحت: “دعم المجتمعات المحلية التي تعتمد على الأراضي الرطبة كمصدر رزق أو كمصدر للمياه والغذاء، أمرًا مهما، بجانب نشر الوعي بالأهمية البيئية لها، وذلك من خلال الحملات الإعلامية والتعليمية”.
كشفت الزوي عن أهم سبل التوعية التي يمكن اتباعها في المحافظة على الأراضي الرطبة قائلة: “البدء بتعليم الأطفال في المدارس عن أهميتها، وعقد الندوات والمؤتمرات حولها، وتشجيع السكان على المشاركة في أنشطة حماية الأراضي الرطبة”.
أضافت: “من المهم أن تستهدف التوعية جميع الفئات العمرية والمجتمعات المختلفة، وذلك لضمان وصول المعلومات إلى أكبر عدد ممكن من الناس. كما يجب أن تركز التوعية على الجوانب العملية، مثل كيفية حماية الأراضي الرطبة من التلوث والصيد الجائر”.
تابعت: “يمكن تنظيم رحلات استكشافية إلى الأراضي الرطبة، وإقامة معارض حولها، وإنتاج الأفلام الوثائقية عنها، فمن خلال اتخاذ هذه الإجراءات، يمكننا حماية الأراضي الرطبة في ليبيا والحفاظ على تنوعها البيولوجي ووظائفها البيئية المهمة”.
القانون رقم 15
وعن القوانين التي وضعتها الدولة الليبية للمحافظة على الأراضي الرطبة يقول مدير إدارة البيئة الطبيعية بوزارة البيئة بحكومة الوحدة الوطنية: “لا يوجد قانون خاص مفصل للأراضي الرطبة وسبل حمايتها ودائما ما نعود إلى القانون رقم 15 ولائحته التنفيذية في حماية البيئة بصفة عامة”.
وذكر أن الوزارة قامت بعمل دراسات مطولة على الأراضي الرطبة وتوصلت إلى إعلان ستة مناطق منها كمحميات طبيعية، وهذه المواقع هي بحيرة قبر عون، بحيرات جبال واو الناموس، بحيرة بزيمة شمال غرب الكفرة، بحيرة الملفا بالجغبوب، بحيرة ام الماء، عين الدبان بغدامس”.
أكد أن الوزارة تعمل عليها حاليا لإعلانها ضمن مواقع رامسار حيث تم إحالة الملف إلى رئاسة الوزراء للموافقة عليه ومن ثم المباشرة في العمل.
أضاف إن الوزارة تبذل مجهودا مضاعفا لحماية الأراضي الرطبة باعتبارها مؤولا مهما للطيور المائية والتي قدر عددها بـ 102 نوعا في ليبيا.
يعترف القرار رقم 273 لسنة 2021، بشأن إنشاء المحميات الطبيعية للأراضي الرطبة في ليبيا، بالمناطق الست سالفة الذكر فقط، كمحميات طبيعية، ولم يتطرق لباقي الأراضي الرطبة بالبلاد، ومن بينها 7 مناطق في بنغازي وحدها.
تصوير: ابتسام اغفير