منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

دراسة جديدة: النشاط البشري يفاقم “تغير المناخ” أكثر مما تصورنا

دراسة جديدة تكشف أن التلوث الناتج عن الأنشطة البشرية وصل إلى مناطق نائية للغاية، حتى وصل إلى الغطاء الجليدي في شمال غرب التبت، مما يُفاقم من آثار تغير المناخ.

كشفت دراسة حديثة النقاب عن وصول التلوث الناجم عن النشاط البشري إلى بعض أكثر بقاع الأرض عزلة. وقد توصل الباحثون إلى هذه النتيجة المقلقة بعد تحليل عينات جليدية مستخرجة من الغطاء الجليدي في منطقة جوليا، شمال غرب التبت.

وأظهرت الدراسة أن قياس نظائر الرصاص في تلك العينات يكشف عن تغيّر ملحوظ في مستويات ومصادر الرصاص في البيئة، وذلك بعد فترة طويلة من بدء الثورة الصناعية.

رغم وجود زيادات ملحوظة في كمية الرصاص بعينات الجليد التي تعود إلى بداية الثورة الصناعية، إلا أن تحولًا جذريًا طرأ على مصدره بدءًا من عام 1974، حين شرعت الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة بسنّ سياسات صارمة للحد من انبعاثات الرصاص؛ للتقليل من مخاطر التعرض المفرط لهذا المعدن.

اقرأ أيضًا

الأنهار الجليدية بجبال الألب تذوب بمعدل قياسي وتحرك الحدود بين إيطاليا وسويسرا

وبالرغم من أن هذه السياسات أدّت إلى انخفاض استخدام أنواع معينة من البنزين في بعض الدول، إلا أن مصادر أخرى لانبعاثات الرصاص بلغت ذروتها في وقت لاحق، وفقًا لـ روكسانا سييرا هيرنانديز، الباحثة الرئيسية في الدراسة وزميلة الأبحاث في مركز بيرد لأبحاث القطب الشمالي والمناخ بجامعة ولاية أوهايو.

تقول هيرنانديز: ” تعود عينات نظائر الرصاص التي جمعناها إلى ما يقرب من 36 ألف عام، وهي حقبة نعلم يقينًا أن الحضارات آنذاك لم تكن تستخدم الرصاص، مما يعني أن معظم ما وجدناه ذو أصل طبيعي. أما الآن، وبفضل هذه الدراسة، أصبح بإمكاننا تحديد الرصاص المنبعث من الأنشطة البشرية وتاريخ بدء تأثيره على المنطقة”.

تلوث الأنهار الجليدية

تعتمد حياة ملايين البشر في هضبة التبت على المياه المتدفقة من الأنهار الجليدية. لكن مع تزايد ذوبان هذه الأنهار بفعل الاحتباس الحراري، أصبحت هذه المجتمعات تواجه خطرًا مزدوجًا يتمثل في انخفاض منسوب المياه وتسرب الملوثات المخزّنة في الجليد إلى مصادر المياه، كما أشارت سييرا هيرنانديز.

أضافت هيرنانديز: “تتسلل الملوثات البيئية إلى الأنهار الجليدية بنسب متفاوتة، ومع ذوبان هذه الأنهار، تتدفق تلك الملوثات إلى الأنهار القريبة”.

العينات الجليدية المستخرجة من الغطاء الجليدي تثير قلق الباحثين – هذه الصورة مرخصة بموجب رخصة المشاع الإبداعي CC BY-SA 4.0

أشارت هيرنانديز إلى أن كميات ضئيلة من الرصاص تنبعث من باطن الأرض، لكن الخطر الحقيقي يكمن في انتشار الرصاص بفعل الأنشطة البشرية. فالتعرض المستمر لهذا المعدن الثقيل يشكل خطرًا على صحة الإنسان، سواء بتناوله أو استنشاقه عبر الغذاء أو الماء أو الهواء الملوثين. ومن المعروف أن الرصاص يسبب مجموعة واسعة من المشاكل الصحية، منها السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية ومشاكل في الخصوبة.

أكدت الدراسة أنه من خلال الحصول على بيانات أكثر دقة حول مستوى الرصاص الطبيعي، سيتمكن الباحثون من فهم تأثير البشر على البيئة بشكل أفضل، واتخاذ الخطوات اللازمة للحد من تداعياته.

كما أكدت سييرا هيرنانديز أن تميز هذه الدراسة يكمن في حساسية الأدوات والنماذج المستخدمة، والتي مكّنت فريق البحث من تحديد مصدر تلوث الرصاص بدقة. وكشفت النتائج أن البنزين الصيني كان المصدر الرئيسي للتلوث بالرصاص حتى عام 2007، قبل أن تنخفض انبعاثاته وتحل محلها انبعاثات الفحم وخامات الرصاص والزنك.

تحولات هائلة

يلقي هذا البحث الضوء على التحولات الهائلة في مصادر الرصاص على مدار القرون القللة الماضية، ويكشف عن مدى انتشار التلوث حتى في المناطق النائية كالأنهار الجليدية، مما يُبرز البُعد العالمي للتلوث المحلي.

وأكد الباحثون أن التصدي لهذه المشكلة يتطلب تضافر جهود جميع الدول. وحثّت سييرا هيرنانديز القادة السياسيين على إدراك خطورة التلوث بالرصاص، ودعتهم لوضع سياسات فعّالة للحد من انبعاثاته من مختلف المصادر، سواءً من الفحم أو البنزين.

“تعدّ نظائر الرصاص بمثابة بصمات كيميائية فريدة تتيح للباحثين تتبع مصادر التلوث وتحديدها بدقة”

روكسانا سييرا هيرنانديز، الباحثة الرئيسية في الدراسة

وترى الباحثة الرئيسية أن نظائر الرصاص، تعدّ بمثابة بصمات كيميائية فريدة، تتيح للباحثين تتبع مصادر التلوث وتحديدها بدقة. وهذا يفتح آفاقًا جديدة لدراسة عينات الجليد الملوثة من مختلف أنحاء العالم، ومقارنة مستويات وتاريخ التلوث فيها.

اختتمت هيرنانديز حديثها قائلة: “تُشكّل هذه الدراسة حجر أساس لبحوث مستقبلية تقارن بين اتجاهات التلوث عبر الزمن، وتُحدد مصادر التلوث البشري بدقة أكبر. لا شك أن دراسات نظائر الرصاص معقدة وتستغرق وقتًا طويلًا، إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من المعلومات القيمة التي يجب الكشف عنها”.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة تدق ناقوس الخطر حيال تأثير النشاط البشري على البيئة، والذي باتت يتخطى حدود المدن ليصل إلى أعماق الطبيعة البكر. وتؤكد على ضرورة التعاون العالمي لحماية كوكبنا، من خلال الحدّ من التلوث ومواجهة التغير المناخي. فمستقبل بيئتنا، ومستقبلنا جميعًا، يعتمد على وعينا بمدى تأثير أنشطتنا على هذا الكوكب.

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.