يقترب مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف المعني بتغير المناخ COP29، والذي تم عقدة في باكو بأذربيجان من نهايته، وتشير التقارير إلى أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود، ينتظر المندوبون بفارغ الصبر آخر المستجدات حول تقدم المفاوضات المتعلقة حول اتفاق التمويل المناخي الجديد لتمويل الجهود المبذولة لمعالجة الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية.
من أين ستأتي مئات المليارات – أو ربما تريليونات الدولارات التي تقول الدول النامية إنها تحتاجها للتكيف مع مناخ سريع الاحترار: من حكومات الدول الغنية أو البنوك متعددة الأطراف أو القطاع الخاص؟
ناقش المفاوضين اهم الملفات على طاوله المفاوضات ،وأكدت على الحاجة الملحة لخفض الانبعاثات، والتكيف مع المناخ المتغير، وتقليل آثار الأزمة، وحماية الناس من الظواهر الجوية الكارثية، هي من بين الموضوعات التي تناولتها العديد من خطابات المسؤولين الحكوميين ورؤساء وكالات الأمم المتحدة وخبراء المناخ وقادة المجتمع المدني.
حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وهو وكالة الأمم المتحدة التي تتعامل مع المستوطنات البشرية والتنمية الحضرية المستدامة، إن مليارات الأشخاص الذين يعيشون حاليا في المدن قد يتعرضون لارتفاع إضافي في درجة الحرارة لا يقل عن 0.5 درجة مئوية بحلول عام 2040.
عدم وجود رقم للأموال المخصصة للمناخ يجعل الكثيرين يشعرون بخيبة الأمل
ويقول خبراء مستقلون إن هناك حاجة إلى ما لا يقل عن تريليون دولار من التمويل للمساعدة في التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري المسبب للاحتباس الحراري نحو الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتكيف بشكل أفضل مع آثار تغير المناخ ودفع الخسائر والأضرار الناجمة عن الطقس القاسي.
وحذرت أناكلوديا روسباخ المديرة التنفيذية للبرنامج، في كلمة ألقتها في الاجتماع الوزاري في مؤتمر المناخ، من أن التنمية الحضرية السريعة وغير المخططة تشكل تهديدات للتنوع البيولوجي والبيئة والأمن الغذائي، وفي الوقت نفسه لا تزال التدابير الرامية إلى التعويض عن تأثير تغير المناخ على سكان المناطق الحضرية، لا تتناسب مع حجم وشدة التحديات التي تواجهها المدن.
مبادرات باكو: خطة عمل “كوب 29” لمواجهة تحديات المناخ
وشددت السيدة روسباخ على أنه “لا يوجد سوى طريق واحد يجب اتباعه، مسار واحد نسير فيه بشكل جماعي حيث تتم تلبية الاحتياجات الاجتماعية والحضرية والمناخية بشكل متناغم على أرضية اقتصادية صلبة “، وشددت على ان التمويل الكافي والتعاون على جميع المستويات ضروريان لمواجهة هذين التحديين المزدوجين.
وأضافت أيضا: “نعم، نحن بحاجة إلى مزيد من التمويل المتدفق إلى المدن، نحن بحاجة إلى التخطيط وتحديد الأولويات، الأرض شحيحة وتحتاج إلى أداء وظائفها الاجتماعية والبيئية، فالاحتياجات الاجتماعية والسكنية هائلة”، وقالت “نحن نعتني بالناس، والناس يعتنون بالكوكب، ولا ينبغي أن نترك أحدا يتخلف عن الركب”.
ارتفاع الانبعاثات
أشار المتحدثون خلال جلسات المناخ الأخيرة إلى قضية مستمرة يمكن أن تعرقل بشكل خطير العديد من الجهود المبذولة لمعالجة الآثار الناجمة عن المناخ في المدن وأماكن أخرى، وفقا لأحدث تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، زادت الانبعاثات العالمية بنسبة 1.3 في المائة في عام 2023 عندما كان ينبغي لها أن تنخفض.
وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة: “للحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية، ينبغي أن تمكن المساهمات الوطنية المحدثة، الالتزامات المناخية التي يقدمها كل بلد، من خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 42 في المائة بحلول عام 2030، و57 في المائة بحلول عام 2035″.
52 في المائة من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة تأتي من 25 مدينة كبرى فقط، بما في ذلك من بين أمور أخرى، شنغهاي وبيجين وطوكيو وموسكو ومدينة نيويورك.
وقالت لرؤساء البلديات من جميع أنحاء العالم المجتمعين في هذا الحدث: “هذا يعني أن الإجراءات التي تتخذونها في وضع معايير لكفاءة الطاقة، وتحديد مصادر الطاقة، وإدارة النفايات وانبعاثات الميثان، وتحسين وسائل النقل العام، وتشجيع التنقل الكهربائي، وتعزيز المدن الصديقة للمشاة، يمكن أن يكون لها تأثير كبير”.
التحول في مجال الطاقة المتجددة
ذَكَرَ سيلوين هارت المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالعمل المناخي، الحاضرين في المؤتمر بأن البشرية لديها بالفعل المعرفة والأدوات اللازمة لمكافحة تغير المناخ بشكل فعال.
وقال “هناك ثورة في التحول إلى الطاقة المتجددة جارية بالفعل ولا يمكن إيقافها، ومع ذلك يبقى السؤال المطروح هو، ما إذا كانت سرعة هذا التحول ستحول دون حدوث أسوأ عواقبه، وثانيا، ما إذا كانت ستكون عادلة بما يكفي للحد من عدم المساواة داخل البلدان وفيما بينها”.
هل سيحقق COP29 نجاحا في ملف تمويل المناخ؟
ينصب تركيز محادثات باكو على الاتفاق على هدف جديد لتمويل المناخ من شأنه أن يوفر للبلدان، لا سيما الأكثر ضعفا، الوسائل اللازمة لاتخاذ إجراءات مناخية أقوى، وعلى المحك تريليونات الدولارات التي تحتاجها البلدان النامية للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف مع الظروف المتغيرة بسرعة.
وشدد وزير البيئة وتغير المناخ في سيراليون، جيوه عبد الله، على القلق الذي تتشاطره العديد من البلدان النامية، بشأن الشكل الذي ينبغي أن تتخذه هذه الأموال، وقال: “لا تستخدم كلمة ’ مانح ‘، فهذا ينطوي على الصدقة،هناك دين مناخي يجب سداده، نحن نتحدث عن الأرواح وسبل العيش، إن شعبنا يدفع الثمن بحياته.
وتطرقت المناقشات أيضا إلى تعريف “البلد النامي” ذاته، جادل بعض المفاوضين بأن دولا مثل الصين أو بعض دول الخليج لم تعد تندرج ضمن هذه الفئة، نظرا لنمو اقتصاداتها منذ اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992.
وأشارت سيسيليا كينوثيا-نجينغا، مديرة شعبة الدعم الحكومي الدولي والتقدم الجماعي في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، إلى أن كل وفد يأتي إلى مؤتمر المناخ بتطلعاته وآماله.
وقالت: “في تعددية الأطراف، تختلف النتائج في بعض الأحيان عما يتخيله أي بلد واحد، وهذا يؤكد أهمية التمويل المناخي فى تحقيق المرونة والتعاون والاستعداد للتكيف مع الظروف المتغيرة والعلاقات الدولية”.
التوصل إلى اتفاق بشأن تمويل المناخ
المهمة الرئيسية للدول المجتمعة في قمة المناخCOP29، أن تضع هدفًا تمويليًا جديدًا ليحل محل هدف الـ 100 مليار دولار الذي تم تحديده في عام 2009 لدعم البلدان النامية في الحد من الانبعاثات والتكيف مع تهديدات الاحتباس الحراري العالمي، حيث تحتاج البلدان النامية إلى تريليونات الدولارات لمكافحة تغير المناخ ومعالجة آثاره.
دعت بعض البلدان، مثل الهند نيابة عن البلدان النامية ذات التفكير المماثل والمملكة العربية السعودية نيابة عن المجموعة العربية، البلدان المتقدمة إلى توفير ما لا يقل عن تريليون دولار سنويًا للبلدان النامية، لكن هذا اقتراح بعيد المنال، الرقم الذي يتم طرحه بدلاً من ذلك في المناقشات الخاصة هو 200 مليار دولار، والذي رفضته الدول النامية باعتباره غير مقبول على الإطلاق، وفي الوقت نفسه، انتهت قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل دون إحراز تقدم ملموس بشأن تمويل المناخ و” كلمات دعم فقط لباكو “.
ومن المشكوك فيه للغاية أن نرى نصًا نهائيًا في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين بأرقام ملموسة لهدف التمويل الذي يتوافق مع الاحتياجات الفعلية ومطالب الجنوب العالمي، والأسوأ من ذلك السياق الجيوسياسي الحالي، وتراجع شهية العمل المناخي بين زعماء العالم، وحقيقة أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لا تبشر بالخير لمستقبل العمل المناخي بشكل عام.