تأتي معالجة تغير المناخ على رأس اهتمامات العالم خلال الأعوام العشرة الأخيرة؛ وإحدى الطرق التي يمكن من خلالها مواجهة تغير المناخ، والحد من أثاره، هي الوصول إلى صافي صفر انبعاثات، من أجل الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
يُقصد بـ “صافي صفر” أو “الحياد الكربوني” أو “الحياد المناخي” خفض انبعاثات الكربون إلى أقصى حد، والتعويض عما لا يمكن التخلّص منه.
يشير مصطلح “صافي صفر” إلى التوازن بين كمية غازات الدفيئة المنتجة والكمية المزالة من الغلاف الجوي، حيث نصل إلى صافي صفر انبعاثات، وذلك عندما يصبح حجم انبعاثاتنا الضرورية مساوي تمامًا لحجم الانبعاثات المزالة من الغلاف الجوي.
تظهر الأدلة العلمية أن الكوكب يزداد سخونة، والاحترار المتزايد له تأثير سلبي كبير على الأرض، والأكثر من ذلك، إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع، سيزداد الوضع سوءًا، مع تنبؤات بزيادة درجات الحرارة العالمية لما يصل إلى 3-5 درجات مئوية بحلول عام 2100.
رغم الارتفاع الضئيل في درجات الحرارة العالمية، إلا أننا نشعر بآثار تغير المناخ مع أنماط الطقس غير المنتظمة، بما في ذلك: موجات الحر؛ الفيضانات والعواصف الشديدة؛ فقدان الجليد القطبي وارتفاع منسوب مياه البحر. وسوف يزداد الأمر سوءًا إذا اشتد الاحتباس الحراري.
من المسلم به على نطاق واسع من قبل العلماء والحكومات أن تغير المناخ يحدث بسبب ارتفاع مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وهي الغازات التي تحبس الطاقة من الشمس.
أكثر غازات الدفيئة شيوعًا هي بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان، ويعتبر ثاني أكسيد الكربون هو أخطر غازات الدفيئة وأكثرها وفرة، ولهذا السبب يتحرك العالم الأن لخفض انبعاثات الكربون “البصمة الكربونية” أو البحث عن بدائل منخفضة الكربون كطرق لمعالجة تغير المناخ.
يتسبب فائض غازات الدفيئة في الغلاف الجوي في إحداث ظاهرة الاحتباس الحراري الضارة، لذا فإن تقليل كمية هذه الغازات يساعد في معالجة تغير المناخ، ويمكن أن يتم ذلك بطريقتين:
خفض الانبعاثات التي نرسلها إلى الغلاف الجوي، من الأنشطة الصناعية وتوليد الطاقة والنقل والزراعة المكثفة، عبر التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، ورفع كفاءة استخدام الطاقة.
إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الغلاف الجوي، عبر التعويض عن الانبعاثات الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ويتم ذلك عبر اتخاذ عدد من الاجراءات أبرزها استخدام تقنيات لإزالة الانبعاثات من الجو، سواء من خلال زراعة الأشجار وتعزيز الغطاء النباتي، أو عبر المفهوم الحديث للاقتصاد الكربوني، وهو يعني ببساطة احتجاز الكربون المنبعث من الأنشطة الصناعية، وتخزينه وإعادة استخدامه.
اقرأ أيضًا.. ما هو تغير المناخ؟ كل شيء عن أزمة القرن الـ 21
ما الفرق بين إجمالي صفر وصافي صفر؟
نظرًا لتأثير انبعاثات الكربون على كوكبنا، قد تتساءل لماذا لا نهدف الوصول إلى الصفر، أو الصفر الإجمالي، بدلاً من الصفر الصافي. قد يعني الصفر الإجمالي وقف جميع الانبعاثات، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بشكل واقعي في جميع قطاعات حياتنا وصناعتنا. حتى مع بذل أقصى الجهود لتقليلها، ستظل هناك بعض الانبعاثات الضرورية.
هدف صافي الصفر يستهدف تقليل الانبعاثات بشكل عام، ما يسمح بإزالة أي انبعاثات غير ضرورية ، مثل تلك الصادرة عن الطيران أو التصنيع. عبر استخدام السيارات النظيفة، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والمشاريع الصديقة للبيئة، بعيداً عن التصنيع كثيف الإصدار للانبعاثات، وكذلك التحوّل إلى مصادر الكهرباء الأكثر خضرة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، والتوسع في مبادرات التشجير.
كما يمكن إزالة غازات الدفيئة بشكل طبيعي، عن طريق زراعة الأشجار، حيث تمتص الأشجار ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، أو المنبعث من العمليات الصناعية المتغيرة على حد سواء.
يؤكد الخبراء أن تحقيق الحياد الكربوني أسهل في البلدان النامية الأصغر، وأصعب بكثير بالنسبة للبلدان الصناعية التي يصعب فيها تقليل الانبعاثات في جزء كبير من الاقتصاد ، مثل الصلب والزراعة واستخراج الغاز إلخ”.
في 2021 تعهدت نحو 140 دولة بتحقيق “صفر انبعاثات”، وأبرز الدول التي استهدفت ل “صافي صفر انبعاثات”، هي أوروغواي بحلول 2030، وفنلندا بحلول 2030، والنمسا بحلول 2040، وآيسلندا بحلول 2040، وألمانيا بحلول 2045، والسويد بحلول 2045.
كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتحقيق صفر انبعاثات بحلول 2050، والولايات المتحدة في 2050، والصين في 2060، وأوكرانيا في 2060، وأستراليا وسنغافورة بين 2050 و2100.
عربيًا، تقود 3 دول فقط قاطرة الحياد الكربوني العربي، متعهدة بالوصول رسميًا إلى صافي صفر من الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري، وفق خطة زمنية تتراوح بين 2050 و2060، وهي الإمارات والسعودية والبحرين.