منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

الجنس مقابل بضعة لترات من الماء.. ماذا فعل تغير المناخ بكينيا؟

أصبح الماء مادةُ ثمينة ونادرة في كينيا، بعدما هيمنت موجات الجفاف والعطش على مناطق واسعة بالبلاد، والتي زادها تغير المناخ تواتراً وشدة.

تقطع النساء والفتيات مسافات طويلة بحثاً عما يكفي من الماء للبقاء على قيد الحياة، لكن بعضهن تقعن ضحيةً للابتزاز والاستغلال بسبب الحاجة الماسة والدخل المتدني، خاصة في الأماكن الفقيرة بالبلاد.

يستغل تجار الماء في كينيا حاجة النساء والفتيات ويجبرونهنّ على ممارسة الجنس لقاء بضعة لتراتٍ من الماء، في ممارسات يؤكد خبراء أنها قانونية تماماً في البلاد، نظراً إلى عدم وجود قانون يجرّمها حتى الآن.

 

الجفاف في أفريقيا

ترك الجفاف في شرق أفريقيا 37 مليون شخص يواجهون الجوع الحاد، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، في أسوأ فترة جفاف شهدها القرن الأفريقي منذ 40 عاماً.

بينما عادت الأمطار أخيراً في القرن الأفريقي في شهر مايو/آيار 2023، بعد عامين من الانقطاع، فإن آثار الجفاف الشديد، لا تزال تطال حياة الملايين من اللاجئين والنازحين والمجتمعات المحلية في دول كينيا وإثيوبيا والصومال.

تعاني كينيا، إحدى الدول الواقعة في شرق أفريقيا، من موجة جفاف غير مسبوقة منذ 40 عاماً، وقد أدت إلى أزمة إنسانية وتهديد خطير للحياة البرية في البلاد.

لم تهطل الأمطار في كينيا لمدة ثلاثة أعوام تقريباً، وبسبب ستة مواسم متتالية من ضعف الحصاد، هلكت الماشية والمحاصيل، وتسببت الحرب في أوكرانيا في ارتفاع أسعار الغذاء والوقود العالمية.

في شمال كينيا المنسي، يعيش نحو أربعة ملايين شخص، وقد ارتفع عددهم بشكل مطرد هذا العام، ومع ذلك، لا تحظى هذه الأزمة بالاهتمام الوطني الكافي.

يعاني نحو 950 ألف طفل دون سن الخامسة و134 ألف امرأة حامل أو مرضعة، في المناطق القاحلة النائية في كينيا، من سوء التغذية الحاد، بحسب أرقام صادرة عن الحكومة في يونيو/حزيران 2023.

تضرب موجة الجفاف القاسية سكان 3 مقاطعات كينية في الشمال، هي الأكثر تضرراً، أجبرت بعض الأسر على العيش بوجبة واحدة فقط طوال اليوم، مع نقص شديد في المياه داخل جميع أرجاء المقاطعات الثلاث.

نساء السودان في الصفوف الأولى لمواجهة أزمة المياه وتغير المناخ (قصة)

نقص المياه

مع شروق الشمس، يخرج العشرات من النساء والرجال من منازلهم في المناطق الفقيرة بكينيا، ومعهم صفائح صفراء، ويقفزون فوق برك مياه الصرف الصحي ويتجهون إلى محطة بيع المياه القريبة.

لا توجد أنابيب مياه أو نظام صرف صحي في المناطق الثلاث الأكثر تضررًا، وقد أدى الجفاف إلى ندرة إمدادات المياه النظيفة وارتفاع تكلفتها بالنسبة للسكان المحليين.

تفاقمت أزمة المياه، المستمرة منذ سنوات في البلاد، مع موجة الجفاف الأخيرة، بعدما بدأت مصادر المياه في كينيا تجف بشكل ملحوظ، وما تبقى منها يقف أمامه أهالي البلاد طوابير طويلة للحصول على بضعة لترات فقط في اليوم.

تأتي الشاحنات الحكومية، التي تحمل ما بين 5000 إلى 10000 لتر من المياه، مرتين في الأسبوع فقط لتملئ محطات البيع في المناطق الفقيرة بالبلاد، ويمكن للسكان شراء 20 لتراً مقابل 20 شلن كيني (0.16 دولار).

لا تستطيع العديد من الأسر الفقيرة شراء ما يكفيها من الماء، إما بسبب الفقر الناجم عن تدني الأجور، أو لقلة عدد اللترات المخصصة لكل أسرة في محطات البيع الحكومية.

يحتاج الشخص العادي في كينيا إلى ما يصل إلى 100 لتر من الماء يومياً للشرب والطهي وإعالة الماشية والغسيل وتنظيف الملابس والأطباق، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

فيما يبلغ الدخل الأسبوعي للأسرة الواحدة في مناطق كينيا الفقيرة حوالي 13 دولاراً، وفقاً لبيانات وزارة المالية الكينية، مما يجعل معظم العائلات غير قادرة على شراء احتياجاتها من المياه.

تغير المناخ

تعد موجات الجفاف الشديدة من الكوارث بطيئة الظهور المرتبطة بتغير المناخ بشكل أو بآخر، وتكون مصحوبة بنقص شديد في هطول الأمطار، مما يؤدي إلى نقص المياه، الذي يتسبب في تأثير خطير على الصحة والزراعة والاقتصاد والطاقة والبيئة.

وفق منظمة الصحة العالمية، يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم حالات الجفاف في جميع أنحاء العالم من خلال جعلها أطول وأكثر تواتراً وأشد حدة.

يتسبب ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ في جعل المناطق الجافة بالفعل، كالموجودة في شرق أفريقيا، أكثر جفافاً؛ حيث يتبخر الماء بسرعة أكبر، وبالتالي يزيد خطر الجفاف أو إطالة فتراته أو زيادة شدته.

تشير الدراسات إلى أن تغير المناخ هو أحد العوامل الرئيسية وراء الجفاف في كينيا؛ حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تبخر المزيد من المياه من الغلاف الجوي، مما تسبب في انخفاض هطول الأمطار بمناطق واسعة بالبلاد.

وفق دراسة حديثة صادرة عن اليونيسف، يؤثر تغير المناخ في كينيا بنحو متزايد على حياة المواطنين وخاصة الأطفال، وأدى إلى أحداث مناخية متطرفة أكثر تواتراً مثل الجفاف الذي استمر لفترة أطول من المعتاد، وجعل هطول أمطار غير منتظم ولا يمكن التنبؤ به.

كما تساهم إزالة مساحات كبير من الغابات بكينيا في زيادة حدة الجفاف؛ حيث تعمل الغابات على امتصاص بخار الماء من الغلاف الجوي، مما يساعد على زيادة هطول الأمطار، وفقدانها يؤثر على الهطول بشكل كبير.

الجنس مقابل الماء

تعيش ميلا باراسا في أزقة حي كيبيرا الفقير بنيروبي العاصمة الكينية، وهو أكبر حي في أفريقيا، وأحد المستوطنات غير الرسمية في البلاد التي تعاني من ندرة المياه المستمرة.

قالت ميلا: “عشت هنا في الأحياء الفقيرة في كيبيرا لأكثر من 10 سنوات، والمياه هي مشكلتنا الأكبر، ليس لدينا أنابيب مياه صالحة للشرب، وهنا الكثير من سماسرة المياه الذين يشكلون جزءا من مشاكلنا أيضا”، كما أورد تقرير نشرته “دويتشه فيله” في يونيو/حزيران 2023.

يرسل الآباء والأمهات أطفالهم، وخاصة الفتيات، للبحث عن الماء، وفق ميلا: “نحن عادة نرسل فتياتنا الصغيرات لجلب المياه من الباعة الذين بدورهم يستغلونهن”.

تعرضت ابنة ميلا مؤخراً، 16 عاماً، للاستغلال الجنسي من قبل العديد من رجال الحي الذي تسكن فيه عندما كانت تبحث عن مياه صالحة للشرب.

أوضحت: “معظم أطفالنا يستدرجوا لممارسة الجنس مقابل الحصول على الماء، ثم يلتقط الجناة صورًا ومقاطع فيديو لهذه الأفعال، ويهددونا بها، هذا النوع من الاستغلال شائع جدًا”.

هدد الجناة ميلا بأنهم سينشرون مقطع فيديو لابنتها وهي تتعرض للاستغلال الجنسي، من أجل إجبارها على الصمت.

تابعت: “بعض الضحايا يضطرون إلى الاستمرار في ممارسة الأنشطة الجنسية لأنهم في حال لم يوافقوا، سيشارك المجرمون مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي”.

وفقًا لميلا، فإن بعض الاعتداءات الجنسية تحدث بالقرب من المنزل، والبعض الآخر داخل المراحيض العامة، والبلاغات التي يتقدم بها بعض السكان للسلطات لا تسفر عن شئ.

تنظم قوانين البلاد الدعارة كنشاط معترف به، ومن ضمن بنود القوانين التي تنظم الدعارة، ما يسمح بمبادلة الجنس بالمال أو بالخدمات.

وعندما تخبر المرأة تجار المياه إنها لا تملك المال، يقترحون عليها “الدفع عينًا مقابل ممارسة الجنس”، وبعضهن يقبل على الفور كي لا تموت عائلاتهن من العطش.

قالت أطلقت شبكة المجتمع المدني للمياه والصرف الصحي في كينيا (Kewasnet)، حملة لإنهاء هذه الانتهاكات، مطالبة بحماية النساء من هذه الجرائم.

قال فنسنت أوما، رئيس البرامج في الشبكة الحقوقية، إن عدد النساء المتضررات من هذا الاعتداء قد يكون أعلى مما كان يعتقد في السابق، لأن العديد من الضحايا كانوا يعانون في صمت.

أضاف: “تخبرنا الأمهات أنهن يقايضن الجنس مقابل جرة واحدة من الماء لإبقاء أطفالهن على قيد الحياة. لا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو”.

قال أوما: “قمنا بدراسات في المناطق العشوائية وما اكتشفناه هو أن الابتزاز الجنسي يحدث لـ 9% على الأقل من الفتيات، لذا فهي مشكلة بالفعل، وليست مجرد حوادث فردية”.

تقول منظمات حقوق المرأة في كينيا أنّ الحكومة تنظر في قانونٍ يجرّم هذه الممارسة، ولهذا فإنّ الضغط الشعبي العالمي قد يحدث فرقاً حاسماً.

أكدت الحكومة الكينية مؤخرًا التزامها بإنهاء مبدأ “الجنس مقابل الماء”، لكنها تواجه مهمة شاقة تتمثل في ضمان الوصول الآمن إلى المياه النظيفة في المجتمعات المحرومة.

 

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.