تحذيراتٌ صارخة أطلقتها هيئاتٌ أممية عدة حيال أزمة المناخ، لا سيّما فيما يتعلق بتباطؤ جهود العمل المناخي، وما يترتب على ذلك من تداعياتٍ كارثية تضع أهداف احتواء الاحترار العالمي على المحك. تترافق هذه المخاوف مع استعداد دول العالم للاجتماع في مؤتمر الأطراف COP29، الذي تستضيفه أذربيجان في الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر المقبل، لمناقشة سبل التصدي لتحديات التغير المناخي.
ويشير التقرير التجميعي للمساهمات المُحددة وطنيًا، الذي أطلقته مؤخرًا اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، إلى أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري تزيد بمعدلاتٍ غير مسبوقة.
كما تبقى المساهمات المحددة وطنيًا من جانب الدول بعيدة تمامًا عن المسار المطلوب لتجنب التأثيرات الأسوء للتغير المناخي، بحسب التقييم السنوي للخطط المناخية الحالية التي قدمتها ما يقرب من 195دولة.
وبموجب الخطط الحالية مُجتمعة – في حال تنفيذها بشكل كامل – يُرجح وصول انبعاثات مُكافئ ثاني أكسيد الكربون إلى 51.5 جيجا طن في عام 2030.
إذ يتعين على الدول رفع طموح العمل المناخي لخفض الانبعاثات بنسبة 60% بحلول عام 2035، مقارنة بمستويات عام 2019، وهو ما يُعد حتميًا للإبقاء على درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية.
ما المساهمات المُحددة وطنيًا؟
وفقًا لـ اتفاق باريس للمناخ، تلتزم جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بتقديم خطط عملٍ وطنية مُحدثة كل خمس سنوات، وهي ما تُعرف بالـ (NDCs)؛ حيث تعمل الدول على تحديث التزاماتها المناخية الحالية لتقديمها في أوائل عام 2025.
وتتضمن هذه الخطط الإجراءات التي ستتخذها الدول للحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بجانب الإجراءات الرامية إلى التكيّف مع آثار التغير المناخي.
كما تحوي أنظمةً لرصد وقياس مدى التقدم المحرز في كافة جوانب العمل المناخي، إذ يُفترض ترفع كل جولةٍ جديدة من مستوى الطموح من خلال معدلات خفضٍ أكبر للانبعاثات، وإجراءات أوسع لبناء المرونة والتكيّف.
إلا أن التقدّم المناخي الضئيل الذي أحرزته الدول حتى الآن يُنذر باقترابنا من نقطة “اللا عودة” في مجابهة الأزمة المناخية، وهو ما يوضحه تقرير فجوة الانبعاثات الصادر حديثًا عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
يُقدم التقرير تفصيلاً للسيناريوهات التي قد يواجهها العالم جرّاء تفاقم الانبعاثات الكربونية، ففي حال تقاعس الدول عن تطوير السياسات الحالية والبدء في تحقيقها بشكلٍ فوري، من المُرجح أن يتجّه العالم إلى ارتفاعٍ كارثي في درجات الحرارة، قد يتراوح مابين 2.6 و 3.1 درجة مئوية خلال القرن الحالي.
هل مازال تصحيح المسار ممكنًا؟
من الناحية الفنية لا يزال تحقيق هدف اتفاق باريس للمناخ قابلاً للتنفيذ، لكنه مشروط بمدى التزام الدول بمضاعفة جهودها لخفض الانبعاثات حسبما يشير التقرير؛ حيث يتطلب الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري زيادة الاستثمار في تدابير تخفيف الانبعاثات بما لا يقل عن ستة أضعاف، مدعومةً بإصلاح البنية التحتية العالمية، والمشاركة القوية من القطاع الخاص والتعاون الدولي.
ويُشدد إسكندر الرزيني الباحث في مجال المناخ ومؤسس مبادرة إمال للمناخ والتنمية، على خطورة التباطؤ في تصحيح هذا المسار، فتجاوز عتبات الاحترار العالمي سيؤدي إلى خرق نقاط تحولٍ خطيرة في نظام المناخ على الأرض، كما يشير الرزيني، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تغيرٍ لا رجعة فيه، ما قد يضعنا في فوضى مناخية تخرج تمامًا عن نطاق السيطرة، في الوقت الذي تعاني منه المجتمعات والنظم الإيكولوجية الضعيفة بالفعل من آثار التغير المناخي اليوم.
نقاط التحول المناخية: تهديد وجودي للبشرية
وأضاف لـ “أوزون”: “يشترك العالم أجمع في مهمة مجابهة تغير المناخ، لكن المسؤولية تقع بالأساس على حكومات البلدان المتقدمة، التي يجب أن تتحلى بقدر أكبر من الجدية في تنفيذ التزاماتها بخفض الانبعاثات، وتوفير التمويل اللازم لدعم الدول النامية، في جهودها الرامية إلى التحول لمصادر الطاقة النظيفة”.
يثمّن الرزيني هذه النداءات الأممية مع اقتراب انعقاد مؤتمر الأطراف COP29 الذي نقف على أعتابه، والذي يمثل لحظةً مفصلية ومصيرية في عملية المناخ كما يرى؛ حيث تبرز أهمية الدفع من أجل الاتفاق على هدف كمّي جديد لتمويل المناخ، بما يكفي لسد الفجوة الحالية في ملفيّ التخفيف والتكيف، وتمويل الخسائر والأضرار لدعم البلدان الأكثر تأثرًا بالأزمة.
من جهته، يرى الدكتور محمد محمود مدير برنامج المناخ والمياه في معهد الشرق الأوسط، أن العمل المطلوب لإنقاذ الأهداف المناخية لابد أن يتم على جبهتين متزامنتين، فلا يجب أن تسير خطط خفض الانبعاثات بمعزلٍ عن استراتيجيات التكيف المحلية، والتي تشمل معالجة التأثيرات المناخية على الأمن المائي والغذائي، في مواجهة الحرارة الشديدة وموجات الطقس المتطرف، وجعل البنية الأساسية الحيوية أكثر قدرة على الصمود.
ويتابع في حديث خاص لـ “أوزون”: “نحن أمام كشفٍ واضح عن التكاليف المترتبة على عدم كفاية العمل المناخي، والتي يجب قراءتها في ضوء تفاوت تأثيرات الاحترار على المناطق المختلفة، والتي ستعاني منها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على سبيل المثال بشكلٍ غير متناسب، وذلك بسبب ميلها إلى الاحترار الشديد مقارنةً ببقية أنحاء العالم”.
ويختتم محمود حديثه بتحذيرٍ صارم من عواقب عدم كبح جماح هذه المستويات الكارثية، مشيرًا إلى أنها ستؤدي إلى تفاقم وتيرة وشدة الظواهر المناخية المتطرفة، وارتفاع منسوب مياه البحر، وما يصحب ذلك من مخاطر جسيمة على الصحة والسلامة العامة، فضلاً عن التداعيات السلبية الواسعة النطاق.