يحدث تغير المناخ بسبب الأنشطة البشرية التي تطلق غازات الاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية. وإذا لم نتمكن من خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بشكل كبير، فمن المرجح أن نتجاوز نقاط التحول هذه، مما سيؤدي إلى تغيرات لا رجعة فيها في نظام الأرض.
ويشير تقرير “نقاط التحول العالمية الجديد”، الذي نشره نحو 200 عالم من جميع أنحاء العالم الجديد في محادثات الأمم المتحدة للمناخ COP28 في دبي، إلى أن الأرض على شفا نقاط تحول مناخية كارثية، ويمكن أن يكون لها آثار مدمرة على الطبيعة والناس على حد سواء.
التقرير من إعداد جيمس دايك، الأستاذ المشارك في علوم نظام الأرض، جامعة إكستر، وديفيد أرمسترونغ ماكاي، الباحث في مرونة نظام الأرض، جامعة ستوكهولم. ويحدد التقرير الجوانب العلمية المتعلقة بنقاط التحول “السلبية” في نظام الأرض، وتشمل نقاط التحول المحتملة هذه انهيار الصفائح الجليدية الرئيسية، وموت الغابات المطيرة، وتغير أنماط الطقس، والتي يمكن أن تضر بالطبيعة والناس على حد سواء، بالإضافة إلى نقاط التحول المجتمعية “الإيجابية” المحتملة التي يمكن أن تسرع إجراءات الاستدامة.
نقاط التحول المناخية
نقاط التحول المناخية هي نقاط في النظام المناخي عندما يمكن أن يحدث تغيير كبير وسريع وغير قابل للانعكاس، وهي العتبات التي يمكن أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة ولا رجعة فيها في النظام المناخي، مثل ذوبان الغطاء الجليدي أو ارتفاع مستوى سطح البحر. هذه النقاط قد تكون ناتجة عن التشعب أو التضارب أو التغذية الراجعة، ويمكن أن تؤثر هذه النقاط على حالة الأرض والحياة عليها بشكل سلبي.
هناك العديد من نقاط التحول المحتملة التي يمكن أن تحدث بسبب تغير المناخ، بما في ذلك:
انهيار الصفائح الجليدية: يمكن أن يؤدي ذوبان الصفائح الجليدية الضخمة، مثل غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، إلى ارتفاع مستويات سطح البحر بشكل كبير، مما يؤدي إلى الفيضانات في المناطق الساحلية وهجر ملايين الأشخاص.
فقدان الغابات المطيرة: يمكن أن يؤدي فقدان الغابات المطيرة إلى إطلاق كميات هائلة من الكربون إلى الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى تفاقم تغير المناخ. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان التنوع البيولوجي وتغيير أنماط الطقس.
تغير أنماط الطقس: يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم أحداث الطقس المتطرفة، مثل العواصف الشديدة والموجات الحارة والجفاف. يمكن أن يؤدي ذلك إلى خسائر في الأرواح والممتلكات وزيادة الهجرة.
هناك بعض التقارير والدراسات التي تحاول تحديد نقاط التحول المحتملة في نظام المناخ، وتقديم خطط للتخفيف من آثارها. وتشير الأبحاث إلى أن بعض نقاط التحول المناخية قد تكون بالفعل قريبة. على سبيل المثال، هناك مخاوف من أن انهيار الصفائح الجليدية في غرينلاند قد يحدث بحلول عام 2100.
نقاط التحول المناخية في جو الأرض وبرها وبحرها
حدد الباحثون أكثر من 25 نقطة تحول في نظام الأرض، وهي نقاط تؤدي إلى تغييرات جذرية في أنظمة الأرض الطبيعية والبشرية. تقع ست من هذه النقاط في الأجزاء المغطاة بالجليد من الكوكب، وستة عشر في المحيط الحيوي، وأربع في دوران المحيطات والغلاف الجوي.
نقاط التحول في الأجزاء المغطاة بالجليد
- انهيار الصفائح الجليدية الضخمة في غرينلاند وأجزاء مختلفة من القارة القطبية الجنوبية.
- الانقلاب المحلي في الأنهار الجليدية.
- ذوبان التربة الصقيعية.
نقاط التحول في المحيط الحيوي
- موت الأشجار على نطاق واسع في أجزاء من الأمازون والغابات الشمالية.
- تدهور السافانا والأراضي الجافة.
نقاط التحول في دوران المحيطات والغلاف الجوي.
- انهيار اختلاط أعماق المحيطات في شمال المحيط الأطلسي وفي المحيط الجنوبي حول القارة القطبية الجنوبية.
- تعطيل الرياح الموسمية في غرب إفريقيا.
عواقب تجاوز نقاط التحول
قد تكون عواقب تجاوز نقاط التحول كارثية. على سبيل المثال، إذا ماتت أجزاء من غابات الأمازون المطيرة، فسنفقد عددا لا يحصى من الأنواع، وسيتفاقم الانحباس الحراري العالمي، وسيتعرض ملايين الأشخاص للحرارة الشديدة.
دور تغير المناخ
يشكل تغير المناخ محركا رئيسيا لأغلب نقاط التحول هذه. يمكن الحد من خطر تجاوز هذه النقاط من خلال خفض انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي إلى الصفر على وجه السرعة.
عواقب كارثية
أصبح من المحتم الآن أن يكون عام 2023 الأكثر دفئا، الذي سجلته البشرية على الإطلاق، وربما الأكثر دفئا منذ 125000 عام على الأقل. وتم تحطيم سجلات درجات الحرارة المتعددة، حيث بلغ متوسط درجات الحرارة العالمية في بعض الفترات أعلى بكثير من 1.5 درجة مئوية. ويتسارع فقدان الجليد البحري في القطب الجنوبي بمعدلات مخيفة إلى جانب العديد من المؤشرات الأخرى للتغير المناخي السريع.
إذا تجاوزنا نقطة تحول واحدة، فقد يؤدي ذلك إلى سلسلتين من التغيرات المتتالية التي يمكن أن تؤدي إلى نقاط تحول أخرى. على سبيل المثال، إذا انهارت الصفائح الجليدية في غرينلاند، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع مستويات سطح البحر بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى الفيضانات في المناطق الساحلية وهجر ملايين الأشخاص. أو إذا ماتت غابات الأمازون المطيرة، فقد يؤدي ذلك إلى إطلاق كميات هائلة من الكربون إلى الغلاف الجوي، مما سيؤدي إلى تفاقم تغير المناخ.
بعض الحلول المقترحة لنقاط التحول المناخية:
هناك العديد من الأساليب التي يمكن استخدامها لتحقيق حلول لنقاط التحول المناخية، وتتضمن بعض هذه الأساليب ما يلي:
- تحويل الاقتصاد إلى مصادر الطاقة المتجددة: تعد الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مصدرًا نظيفًا وغير مكلف للطاقة. يمكن أن تساعدنا في خفض اعتمادنا على الوقود الأحفوري، وهو أحد أكبر مساهمي تغير المناخ.
- تحسين كفاءة استخدام الطاقة: مكننا تحسين كفاءة استخدام الطاقة من خلال إصلاح المباني والأجهزة القديمة واعتماد ممارسات جديدة، مثل إطفاء الأنوار عند مغادرة الغرفة. يمكن أن يساعدنا ذلك في تقليل كمية الطاقة التي نستخدمها، وبالتالي خفض انبعاثاتنا.
- إزالة الكربون من الغلاف الجوي: يمكننا إزالة الكربون من الغلاف الجوي من خلال زراعة الأشجار واستخدام تقنيات مثل التقاط وتخزين الكربون. يمكن أن يساعدنا ذلك في تعويض انبعاثاتنا ومنع تفاقم تغير المناخ.
- زراعة المزيد من الأشجار لتخزين ثاني أكسيد الكربون وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة.
- تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى صخور مفيدة لإنتاج مواد بناء ومعادن كربونية.
- جعل سطح الأرض أكثر انعكاسا للضوء الشمسي وتبريد المدن والطرق.
- تشجيع الاتجاه للطاقات المتجددة في وسائل النقل والإنتاج والتصدير.
- دعم الوقود الأحفوري والانخفاض في استهلاكه وإعادة تدويره.
- مراعاة المناخ في جميع القرارات وضع مخاطر المناخ والفرص في الاعتبار في جميع القرارات المالية والسياسات.
بالإضافة إلى هذه الأساليب، يمكننا أيضًا اتخاذ خطوات للحماية من الآثار السلبية لتغير المناخ. على سبيل المثال، يمكننا بناء السدود والحواجز لحماية المجتمعات الساحلية من ارتفاع مستويات سطح البحر.
فيما يلي بعض الأمثلة المحددة لكيفية استخدام هذه الأساليب:
- في الولايات المتحدة، يهدف قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف إلى استثمار 1.2 تريليون دولار في البنية التحتية المتجددة وكفاءة الطاقة.
- في الصين، تستثمر الحكومة في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع.
- في الاتحاد الأوروبي، يهدف الاتحاد إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
- من خلال العمل معًا، يمكننا تحقيق حلول نقاط التحول المناخية وحماية كوكبنا من آثار تغير المناخ.
اتخاذ إجراءات عاجلة
يحتوي النظام المناخي على العديد من نقاط التحول المحتملة، مثل اختفاء الصفائح الجليدية أو أن تصبح الغابات المطيرة الكثيفة أكثر جفافا وأكثر انفتاحا. وسيكون من الصعب جدا، بل من المستحيل فعليا، استعادة هذه الأنظمة بمجرد تجاوزها نقطة التحول.
من أجل تجنب هذه العواقب الكارثية، يجب علينا اتخاذ إجراءات عاجلة لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وهذا يتطلب منا تحويل اقتصادنا إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وإزالة الكربون من الغلاف الجوي. كما يجب علينا أيضًا حماية النظم البيئية الهشة، مثل غابات الأمازون وجليد القطب الشمالي.
لمنع نقاط التحول المناخية، يجب علينا اتخاذ إجراءات عاجلة لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. يمكننا القيام بذلك من خلال تحويل اقتصادنا إلى مصادر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة وإزالة الكربون من الغلاف الجوي.
بالإضافة إلى خفض انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري، سنحتاج أيضا إلى اتخاذ خطوات أخرى لمنع نقاط التحول، مثل تقليل فقدان الموائل والتلوث ودعم استعادة البيئة وسبل العيش المستدامة، ويتطلب تجنب نقاط التحول المناخية التزامًا من جميع البلدان والقطاعات، ولذلك فمن خلال العمل معًا، يمكننا حماية كوكبنا ومستقبل الأجيال القادمة.
نقاط التحول في نظام الأرض هي تهديد خطير للبشرية. من خلال اتخاذ إجراءات فورية لخفض انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري وتقليل فقدان الموائل والتلوث، يمكننا منع هذه النقاط من التحول إلى واقع.
إن مستقبل كوكبنا على المحك. وعلينا اتخاذ إجراءات الآن لتجنب نقاط التحول المناخية وحماية الكوكب للجيل القادم.
تابعنا على نبض