اتسع خلال السنوات الأخيرة نطاق الاهتمام بـ السيارات الكهربائية لدى المستهلكين حول العالم، بل فرض نفسه بقوة في ميزانيات شركات السيارات العالمية.
واكتسحت السيارات الكهربائية، خلال العامين الماضيين، أسواق الاستهلاك في العالم، لدرجة أن الشركة الأمريكية “تسلا” Tesla أعلنت قبل أيام أنها سلمت 24130 سيارة كهربائية خلال الربع الثالث من عام 2021، وأنتجت نحو 237823 سيارة حتى نهاية سبتمبر، وهو ما تجاوز جميع التوقعات.
اهتمام الزبائن بشراء السيارات الكهربائية لم يكن فقط لأسباب اقتصادية بعد ارتفاع أسعار المحروقات، وإنما لعبت المخاوف البيئية من التلوث واحترار كوكب الأرض دورًا محوريًا في هذا الرواج.
في مصر خططت الحكومة للانضمام إلى مساعي الشرق الأوسط عبر اعتماد السيارات الكهربائية، عبر خطة وطنية شاملة.
لكن يبدو، رغم النفي الرسمي المتكرر، أن الخطة تعرضت خلال الشهور الماضية لبعض التعثرات، التي تسببت في إرجاء موعد البدء في الإنتاج أكثر من مرة.
وتزامنًا مع استعدادات مصر لاستضافة قمة المناخ COP27 في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر العام المقبل، كثفت البلاد إنتاجها من الطاقة الخضراء، وأعلنت مؤخرًا موعد نهائي لبدء إنتاج السيارات الكهربائية، مؤكدة تقدمها في خطتها الشاملة لتوطين صناعة السيارات الكهربائية في البلاد، والعمل على انتشارها في السوق المصرية.
في منتصف 2019، تبنت مصر مشروعًا لإنتاج السيارة الكهربائية رسميًا، حيث أعلنت وقتها استراتيجية وطنية لتوطين صناعة السيارات الكهربائية والاستفادة من أحدث التكنولوجيات التي توصلت إليها، مستهدفة الحفاظ على البيئة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والانبعاثات الحرارية التي لها تأثير سلبى على المواطنين والاقتصاد.
الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري قال وقتها إن هناك تكليفات من الرئيس عبدالفتاح السيسي للعمل على توطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر، وأن السيارات الكهربائية “تعد مستقبل الصناعة عالميا”.
مؤكدا “سعي الحكومة المصرية تدشين تعاون مع الشركات العالمية التي تعمل في هذا المجال بغـرض توطينه، والاستفادة من أحدث التكنولوجيات التي توصلت إليها، حتى تتحول مصر إلى مركز إقليمي لصناعة السيارات الكهربائية وتصديرها إلى الدول العربية والأفريقية”.
وتستهدف الاستراتيجية، وفق رئيس الوزراء، عائدًا اقتصاديًا باستخدام الكهرباء بدلاً من الوقود التقليدي، بالإضافة إلى عائد آخر بيئي تقليلا للانبعاثات الكربونية التي تنتج عن استخدام البنزين والسولار، في ظل دعم الموازنة العامة للدولة المصرية المنتجات البترولية في العام المالي الحالي 2018-2019 بنحو 89 مليار جنيه.
وشكّلت على إثر ذلك لجنة تضم مجموعة وزارات وهيئات لدراسة حجم الطلب المتزايد على السيارات والأتوبيسات الكهربائية، ودراسة السوق الاستثمارية لاستكشاف الفرص المتاحة والشركات المناسبة لإقامة شراكات واستثمارات في مصر للنهوض بمجال صناعة السيارات الكهربائية، إضافة إلى التفاوض ودراسة العروض المقدمة من الشركات العالمية العاملة في مجال تصنيع السيارات والأتوبيسات الكهربائية، حتى يتسنى اختيار العروض الأفضل التي تحقق أقصى استفادة ممكنة لمصر.
أحد المصادر داخل وزارة قطاع الأعمال كشف لنا أن الخطة تستهدف أن تكون 70 % من السيارات بمصر كهربائية في الفترة بين 2026، و2030.
حيث تشمل الخطة إحالة جميع أتوبيسات النقل القديمة والمتهالكة التي تعمل بالسولار إلى المعاش، بما فيها أتوبيسات المدارس والسياحة، واستبدلها بأتوبيسات أخرى تعمل بالغاز الطبيعي أو الكهرباء خلال السنوات الخمس المقبلة.
ووفق المصدر، من المقرر إنشاء 3 آلاف محطة مزدوجة تضم 6 آلاف نقطة شحن للسيارات الكهربائية خلال 18 شهرا.
اقرأ أيضًا.. الاحتباس الحراري يهدد 10 محاصيل زراعية في مصر “الطماطم في خطر”
إطلاق تجريبي
في يونيو الماضي، أطلقت مصر أول سيارة كهربائية مصرية E70 بشكل تجريبي، معلنة أنه تقرر البدء في إنتاجها مطلع العام 2022 في شركة النصر لصناعة السيارات التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، بالتعاون مع شركة دونج فينج الصينية، وذلك خلال مؤتمر صحفي برعاية وزارة قطاع الأعمال العام، وفي حضور وزيري الكهرباء والصناعة.
وقال وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، وقتها إن شركة النصر سوف تبدأ مراحل تصنيع السيارة الكهربائية الجديدة، حيث سننتج 25 ألف سيارة أولا ثم زيادتها لـ50 ألف و100 ألف سيارة كهربائية مصرية بهدف التصدير.
وقتها أعلن وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر، أنهم يقدمون تعريفة جاذبة جدا لشحن السيارات الكهربائية بقيمة أقل من الوقود التقليدي، في إطار توجه الدولة نحو الاقتصاد الأخضر والحد من مظاهر التلوث.
فيما أكدت نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة، على الأهمية الشديدة لدخول السيارات الكهربائية إلى السوق المصرية، في إطار الحرص على نظافة البيئة، لافتة إلى إن محطات الشحن سيتم نشرها في كل المحافظات، وتقديم مزايا لشراء السيارات.
وفي يوليو الماضي، أقر مجلس الوزراء تعريفة مقترحة لبيع الكهرباء إلى محطات شحن السيارات الكهربائية، وكذلك تعريفة البيع لشحنها.
كما أقرت الحكومة حافزًا أخضر لمن يمتلك سيارات كهربائية، وذلك من أجل دعم التوجه وتشجيعه محليًا نحو استخدام السيارات صديقة البيئة، ومنها السيارات الكهربائية.
وناقشت الحكومة قيمة هذا الحافز، الذي يتوقع البعض أن يصل إلى 50 ألف جنيه مصري (3.19 ألف دولار أمريكي)، لمشتري سيارات النصر الكهربائية.
وفي منتصف العام الجاري، بدأت تتردد أنباء عن إرجاء الحكومة المصرية لموعد البد في إنتاج السيارات الكهربائية لمدة 6 أشهر، أي في منتصف 2022 بدلًا من يناير 2022، وذلك بسبب تعثرات في الاتفاق النهائي مع الشركة الصينية المشتركة في المشروع.
تطورت تلك الأنباء إلى تكهنات بإغلاق مصر ملف المشروع نهائيًا، التراجع عن تنفيذه.
لكن في أغسطس الماضي، أصدرت الحكومة المصرية بيانا رسميا تعلق فيه على ما تردد من أنباء حول التراجع عن تنفيذ مشروع تصنيع السيارة الكهربائية محليًا.
ونفى مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري هذه الأنباء مؤكدًا أنها عارية تمامًا عن الصحة، وناقلًا على لسان وزارة قطاع الأعمال العام المسؤولة عن المشروع، معلومات تفيد بالبدء بشكل فعلي في خطوات المشروع التنفيذية، وتوطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر كوسائل نقل حضارية وبلا انبعاثات مضرة وصديقة للبيئة.
واستشهدت الوزارة على جدية المشروع بتوقيع شركة النصر لصناعة السيارات المسؤولة عن تنفيذ المشروع، اتفاقيتين لإنتاج أول سيارة كهربائية مصرية مع شركة “دونج فينج” الصينية.
وبحسب البيان، فإن استوردت مصر 13 سيار كهربائية مصنوعة بالكامل في الشركة الصينية طراز “E70″، وإطلاقها للاستخدام التجريبي على الطرق المصرية لمدة 3 أشهر، للتأكد من مدى توافقها مع الأجواء في مصر، والوقوف على مواصفاتها النهائية قبل البدء في تصنيعها محليًا داخل مصانع شركة النصر للسيارات والتي سوف تحمل علامتها “نصر”.
وأكدت الحكومة وقتها أنها تستهدف بدء إنتاج أول سيارة كهربائية مصرية الصنع في النصف الثاني من عام 2022.
اقرأ أيضًا.. خريطة التمويل المناخي العالمي في مصر خلال 5 سنوات
موعد جديد لبداية إنتاج السيارة الكهربائية
لكن يبدو أن الحكومة قررت مرة أخرى إرجاء موعد البدء في الإنتاج، وذلك وفق ما ألمح إليه وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، قبل يومين، حيث أكد أنه تقرر البدء في إنتاج السيارة الكهربائية المصرية مطلع عام 2023، على أن يزيد الإنتاج تدريجيًا حتى 20 ألف سيارة سنويًا خلال 3 سنوات.
وأعلن الوزير أن السيارة الكهربائية المصرية سوف تكون رخيصة الثمن، وقد يصل سعرها إلى نحو 320 ألف جنية “20 ألف دولار، قائلا إنَّ السلطات تتواصل مع 3 شركات محتملة -لم يُسمّها- ضمن سعيها للحصول على شريك لشركة النصر لتصنيع السيارات في المشروع الذي سيجري فيه استثمار ملياري جنيه إسترليني (2.6 مليار دولار أمريكي).
وقال الوزير إن ” تنتج مصر حاليًا جميع أنواع الطاقة النظيفة، وهذا يعني أن لدينا البنية التحتية من أجل القفز إلى المستقبل من خلال صناعة السيارات الكهربائية”.
وتوقّع الوزير أن يكون نصف المشترين من سائقي سيارات الأجرة أو “أوبر”، مشيرًا إلى أن سعر السيارة المصرية سوف يماثل أرخص سيارة كهربائية في أوروبا، وهي السيارة “داسيا سبرينج” التابعة لشركة “رينو”، والمصنوعة في الصين.
وأضاف الوزير أنَّه سيعرض على القطاع الخاص المصري المساهمة في هذه الشركة بحصة تبلغ 40%، على أن تستحوذ شركة النصر على ما يعادل 10%، على أن يكون النصف المتبقي من نصيب “كيان حكومي” لم يُفصح عنه.
وأشار إلى أن 3 آلاف نقطة شحن تمثل الدفعة الأولى من النقاط المستهدف تأسيسها، ستقام حول مدينتي القاهرة والإسكندرية قبل أن تتوفر في أيّ مكان آخر.
ويقدر الوزير أن حوالي 350 سيارة كهربائية فقط تسير في الشوارع المزدحمة.
مؤكدًا أن هذا يمثل جزءا ضئيلا من إجمالي يقترب من 5 مليون سيارة خاصة مسجلة، على الرغم من الحوافز المالية التي تقدمها الدولة لمالكي المركبات الكهربائية لتشجيع الشراء.
جدير بالذكر أن عدد السيارات المرخصة في مصر وصل إلى نحو 10 ملايين سيارة، خاصة وعامة، وفقا لإحصاء رسمي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء من عام 2012 إلى 2017.
ولم تشهد السيارات الكهربائية رواجًا في مصر حتى الآن بسبب ارتفاع أسعارها، وندرة نقاط شحن السيارة في البلاد، وهو ما تعمل الدولة على معالجته في خطتها الشاملة.
وعلى الصعيد الدولي، تؤكد وكالة الطاقة الدولية، في تقرير صادر عام 2019، أن عدد السيارات الكهربائية على الطرق بلغ نحو 3.1 مليون في عام 2017 بجميع أنحاء العالم، وهو معدل قياسي في كل الأحوال.
وتوقعت “الطاقة الدولية” أن تتضاعف الأعداد 3 مرات أو أكثر بحلول عام 2020، ورجحت أن ترتفع أعداد السيارات الكهربائية إلى 125 مليون سيارة في عام 2030 بحسب التقرير.
تواصل الصين سيطرتها على السيارات الكهربائية في العالم، حيث وصلت مبيعاتها إلى 26% في السوق الصينية بحلول عام 2030، ووفق “الطاقة الدولية” تعد الصين أكبر سوق للسيارات الكهربائية خلال الأعوام الأربعة الماضية، حيث باعت في عام 2017 ما يقرب من 580 ألف سيارة كهربائية، بزيادة قدرها 72% عن العام 2016.