يحذر العلماء دائمًا من التأثيرات المعروفة لـ تغير المناخ، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، والجفاف والفيضانات وأحداث الطقس المتطرفة، لكن قد يكون للاحترار العالمي تداعيات أكثر خطورة، تتعلق بالهواء الذي نتنفسه.
أظهرت دراسة جديدة أجراها باحثين في جامعة نانيانغ التكنولوجية بسنغافورة (NTU) أن تغير المناخ يمكن أن يؤثر أيضًا على الهواء الذي نتنفسه.
قالت الورقة البحثية، التي نُشرت اليوم الثلاثاء (8 فبراير 2022) في المجلة العلمية التابعة للأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية، إن كل جرعة من الهواء الذي يتنفسه الإنسان تحتوي على أكثر من مجرد أكسجين يمنحه الحياة، بل يصاحب الأكسجين عددًا كبيرًا من الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا والفطريات، التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
من خلال دراسة عينات الهواء المأخوذة على ارتفاعات مختلفة من مستوى الأرض وحتى 3500 متر، أظهر الباحثون في مركز سنغافورة لهندسة علوم الحياة البيئية التابع لـ NTU أنه مع ارتفاع درجة حرارة العالم، يمكن أن يتغير تكوين الكائنات الدقيقة الموجودة في الهواء.
قال البروفيسور ستيفان شوستر من NTU، الذي أشرف على الدراسة، إن هناك بالفعل مؤشرات تظهر أن التركيبة المتغيرة للكائنات الحية الدقيقة المحمولة جوًا يمكن أن تؤثر على صحة الإنسان والزراعة.
على سبيل المثال، وجد فريق البروفيسور شوستر في وقت سابق أنه في حين أن الأشخاص الأصحاء لا يعانون من آثار سيئة من استنشاق الكائنات الدقيقة من الهواء، أظهر الأشخاص المصابون بأمراض الجهاز التنفسي استجابة مناعية متزايدة، مما أدى إلى تفاقم أعراض الجهاز التنفسي.
قال البروفيسور شوستر لصحيفة ستريتس تايمز: “أي تغيير في ديناميكيات المجتمعات الميكروبية المحمولة جواً يمكن أن يؤثر على صحة الجهاز التنفسي بطريقة غير معروفة حتى الآن، وبالتالي يحتمل أن تكون مقلقة”.
مع ارتفاع درجات الحرارة في العالم وتغير المناخ، يمكن أن تنتشر الكائنات الحية الدقيقة المقاومة للحرارة والتي تزدهر في المناخات الاستوائية إلى خطوط العرض الأعلى، مما يؤثر على التنوع البيولوجي والزراعة هناك.
وأضاف البروفيسور شوستر: “يمكن أن يغير هذا ديناميكيات المرض لمختلف أنواع المحاصيل، وربما أيضًا الماشية، التي لا تتكيف مع المجتمعات الميكروبية الاستوائية المحمولة جواً”.
اقرأ أيضًا.. ما هو تغير المناخ؟ كل شيء عن أزمة القرن الـ 21
تغير المناخ والهواء
عادة ما تظل الكائنات الحية الدقيقة مثل الفطريات والبكتيريا معلقة في الغلاف الجوي، فقط جزء ضئيل منها يجد طريقه مرة أخرى إلى سطح الأرض، جنبًا إلى جنب مع جزيئات أكبر مثل حبيبات الرمل أو الغبار.
في الدراسة المشار إليها، التي شارك فيها أكثر من 30 عالمًا من جامعة NTU بالإضافة إلى المتعاونين معهم من مؤسسات في ألمانيا والبرازيل، أخذ الفريق 480 عينة من الهواء في ألمانيا.
تم جمع العينات من قبل باحثين تسلقوا برجًا للأرصاد الجوية بطول 200 متر، وباستخدام طائرة بحثية حلقت على ارتفاعات مختلفة من مستوى الأرض حتى 3500 متر.
من العينات، تمكن الباحثون من تحديد حوالي 10000 كائن جرثومي محمول جواً، ورسموا خريطة بأماكن العثور عليها في عمود الهواء.
تشير النتائج التي توصلت لها الدراسة إلى أن درجة الحرارة ستكون عاملاً رئيسًا في الارتفاع المتغير للطبقة الكوكبية الحدودية، ما ينتج عنه بطريقة أو بأخرى تغيير في تكوين ميكروبيوم الهواء.
أي أنه في عالم أكثر دفئًا، يمكن أن تؤدي درجات حرارة السطح المرتفعة إلى ارتفاع هذه الطبقة.
الطبقة الكوكبية الحدودية هي الجزء الأدنى من الغلاف الجوي والأقرب إلى الأرض، وهي جزء من عمود الهواء الأكثر تأثراً بالأرض، من خلال التفاعلات مع الأرض الصلبة أو الأسطح المائية.
قد يعني هذا أن جميع البكتيريا والفطريات المحمولة جواً، بما في ذلك تلك التي يمكن أن تسبب الأمراض نباتية أو تسبب أمراض الجهاز التنفسي للإنسان والحيوان، يمكن أن تصل إلى مناطق مكتظة بالسكان في المجتمعات البشرية غير المتأثرة حاليًا بارتفاع درجات الحرارة.
قال البروفيسور شوستر إن الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها التركيبة المتغيرة للكائنات الدقيقة في الهواء على صحة الإنسان والنظم البيئية تتطلب مزيدًا من البحث.
أضاف أن الفريق يأمل في إجراء دراسات مماثلة في بيئات عالمية أخرى، داخلية وخارجية، للتحقق من تغير تكوين ميكروبيوم الهواء في أماكن أخرى.