تحقيق “غرق الإسكندرية” جزء من مشروع المدن الغارقة، وهو مشروع استقصائي يغطي استجابة 6 مدن حول العالم لارتفاع مستوى سطح البحر وتغير المناخ.
إذا أردت زيارة أشهر متاحف مدينة الإسكندرية، فتجهز لرحلة غوص؛ حيث يرقد جزء كبير من المدينة في قاع البحر الأبيض المتوسط، منذ أن ابتلعتها الأمواج وأغرقت أجزاء منها بين القرنين الثاني والثالث الميلاديين.
في متحف “أبو قير للمدن الغارقة” وعلى بعد 2,5 كيلومترًا قبالة الشاطئ، تستقر أطلال مدينتي “هيرقليون” و”كانوب”، وأجزاء من فنارة الإسكندرية، إحدى عجائب الدنيا السبع، وعدد من المراسي البحرية والعملات الذهبية، وأيضاً أطلال القصر الذي استضاف الملكة كليوباترا ومارك أنطونيو في أيامهما الأخيرة، بخلاف عدد من القطع الأخرى التي تشهد على عظمة المدينة وتحكي عن ضعف قدرة البشر أمام قوى الطبيعة.
منذ اكتشاف وجود المدينتين المفقودتين، والعثور على أطلالهما الغارقة، تركزت جهود الباحثين حول تحري ملابسات هذا الانهيار وما تلاه من ابتلاع البحر للمدينتين منذ 1500 عامًا، وبحث إمكانية أن يعيد التاريخ نفسه من جديد.
التاريخ الحاضر
في عام 2000، اكتشف فرانك جوديو العالم الفرنسي المتخصص في الآثار الغارقة مدينة “ثونيس-هرقليون”، وبعد بحث عن أسباب غرق أجزاء عدة من ساحل المدينة العتيق، رجح أن الأمر يعود لـ “مزيج من الظواهر الطبيعية التي تتضمن: “التعرض للزلازل متتالية، وأمواج متلاحقة وعنيفة من المد والجزر”.
يتفق مع هذا الرأي أستاذ الجغرافيا الطبيعية بكلية الآداب جامعة دمنهور، مجدي تراب، والذي أمضى جزءًا كبيرًا من مسيرته المهنية الطويلة في دراسة الإسكندرية القديمة، ويوضح ما حدث: “تقع مدينة الإسكندرية بالقرب من بعض الصفائح التكتونية النشطة أي طبقات صخرية صلبة تتحرك بصورة قوية، وهو الأمر الذي يعرض المدينة لزلازل نابعة من مصادر قريبة وبعيدة، وما تسبب في الإضرار بالمدينة قديماً هو ذاته ما يهدد بإضرارها حديثاً”.
دراسة مجدي تراب المنشورة في دورية “أوستريان أكاديمي أوف ساينسز برس” (Austrian academy of sciences press) عام 2018، رصدت التغيرات الحادثة في مستوى سطح البحر عند مدينة الإسكندرية على مدار آلاف السنين وكما يوضح: “حدث ارتفاع نسبي في سطح البحر في الإسكندرية بصورة مفاجئة بين منتصف القرن الثامن، ونهاية القرن التاسع، الميلاديين، وهو ما يفسر أسباب غرق أجزاء من أرض المدينة خلال تلك الفترة”.
ولاستكشاف الأسباب المختلفة التي أدت إلى انغمار هذه المدينة الساحلية أهمية خاصة، حيث يستخدم العلماء بحوثهم على الإسكندرية للتنبؤ بمخاطر الزلازل في المناطق الساحلية اليوم.
يصف أستاذ الجغرافيا الطبيعية، في دراسته، الأنشطة الزلزالية التي أثرت في مدينة الإسكندرية القديمة خلال تلك الفترة، قائلًا: “أغلب الظن أن هبوطاً أرضياً نجم عن التعرض لزلزال تابع لزلزال آخر بدأ في عمق البحر وهو ما يعرف بتسونامي”.
ويعرف الهبوط الأرضي بأنه انخفاض تدريجي للقشرة الأرضية، وهي ظاهرة تنتج عن أسباب عدة، يتعلق بعضها بالأنشطة البشرية، ويرتبط البعض الآخر بحدوث الظواهر الطبيعية، مثل الزلازل.
شهدت منطقة البحر المتوسط عدة هزات أرضية مدمرة، لعل أشهرها زلزال جزيرة كريت 365، الذي وقع بين القرنين الرابع والسادس ميلادياً، وتبعه موجات تسونامي اجتاحت الإسكندرية ودلتا النيل، متسبباً في مقتل آلاف المصريين.
إذًا فالميناء العظيم الذي أحتضن مكتبة الإسكندرية غمره جدار مائي عملاق قادم من شواطئ المدينة، لتغوص أجزاء كبيرة من اليابسة تحت الماء، فهل يشير ذلك إلى إمكانية أن يتكرر غرق أجزاء من الإسكندرية في المستقبل؟
بحسب منظمة “يونسكو” (UNESCO) فالإسكندرية واحدة من ضمن خمس مدن أوسطية مهددة بالغمر بموجات تسونامي قادمة من البحر الأبيض المتوسط قبل سنة 2030، لذا يجب تجهيزها بنظم إنذار مبكر. فبحسب تقرير المنظمة: “احتمالية حدوث موجات تسونامي يتخطى ارتفاعها مترًا واحدًا في منطقة البحر المتوسط تصل إلى 100% خلال الثلاثين عامًا المقبلة”.
اقرأ أيضًا.. هربوا من مدينة غمرتها المياه لأخرى مهددة بالغرق.. الفيضانات تطارد مهاجري المناخ في دكا
اقرأ أيضًا.. من يدفع ثمن مواجهة الفيضانات وتغير المناخ في كراتشي الباكستانية؟ الفقراء طبعًا