منصة رقمية متخصصة بقضايا تغير المناخ في الشرق الأوسط

العراق.. رمال الإهمال تبتلع الحزام الأخضر بـ كربلاء

تضرب العاصفة الترابية محافظة كربلاء -97 كيلومترًا من بغداد، ومعها يعيش مصطفى حمزة (30 عامًا) أصعب أيامه؛ فحمزة لا يطيق استنشاق الغبار الكثيف الذي يغلف أجواء المحافظة في هذا الوقت. 

يعاني حمزة مثل الكثيرين من أبناء محافظته من ضيق التنفس والربو المزمن، وتفاقم من معاناتهم زيادة تواتر هبوب العواصف الترابية على كربلاء. 

يسترجع الشاب الثلاثيني ذكرياته مع محافظته، مقارنًا بين ماضيها وحاضرها: “كنا نرى الأشجار والمزروعات، لكن الآن لا نرى سوى الصحراء التي تزحف إلى المحافظة”.

لم يكن من المخطط قبل 16 عامًا أن يكون هكذا هو الوضع في المحافظة؛ فلقد أطلقت الحكومة المحلية في كربلاء مشروع الحزام الأخضر الذي كان من المفترض أن يطوق المحافظة، حاميًا إياها من العواصف الترابية. 

نتتبع عبر هذا التحقيق مصير هذه المشروع؛ لنصل إلى أن سوء الإدارة والإهمال تركا المشروع أطلالًا، وأبناء المحافظة رهائن للعواصف الترابية التي تضربها من الوقت إلى الآخر. 

وحذرت الدائرة الفنية في وزارة البيئة من العواصف الترابية في البلاد، لاسيما بعد ارتفاع عدد الأيام المغبرة إلى 272 يومًا في السنة، مرجحة أن يصل عددها إلى 300 يوم في العام 2050.

وسجلت  وزارة الصحة العراقية 5000 حالة اختناق جراء العواصف الترابية في العام الماضي ، 750 حالة منها في كربلاء وحدها.

 

الحزام الأصفر 

على أطراف كربلاء، ووسط أرض جرداء قاحلة توجد لافتة بيضاء مهترئة، تعلن عن وضع حجر الأساس لمشروع الحزام الأخضر الشمالي الذي أطلقته الحكومة المحلية لكربلاء في العام 2006.

تحمل اللافتة تفاصيل الجزء الشمالي من المشروع الذي كان من المفترض أن يمتد على طول 50 كيلومترًا، بقيمة 16 مليار دولار (13 مليون دولار بسعر الصرف وقتها)، على أن ينتهي تنفيذه في العام 2011.

ويبلغ إجمالي طول المشروع 76 كيلومترًا، ولكن ما نفذ منه فقط 22 كيلومترًا في الجزء الشمالي، و26 كليومترًا في الجنوب.

 في جولة عبر الأقمار الاصطناعية، تظهر الصور في العام 2020 معالم الإهمال بادية على مناطق إنشاء الحزام، بالإضافة إلى إقامة مناطق سكنية في المساحات المخصصة للأجزاء الأخيرة من الحزام.

صورة جوية للتجاوز على الحزام الاخشر في كربلاء

 

هلاك الأشجار

بدأت المرحلة الأولى من المشروع بزراعة 20 ألف نخلة، و40 ألف شجرة زيتون، و20 ألف شجرة يوكاليبتوس.

رصدنا اليوم، بعد مرور 12 عامًا من التاريخ المحدد للانتهاء من تنفيذ المشروع، أن المئات من أشجار الحزام ماتت، وتحولت مساحة واسعة من الأراضي المخصصة من المشروع إلى أراضٍ صحراوية.  

يرجع أمل الدين ماهر، رئيس منظمة التنمية والارتقاء بالبيئة العراقية، اندثار أشجار الحزام إلى إهمال رعاية الأشجار التي غرست؛ ما أدى إلى هلاكها.

يقول ناصر الخزعلي، العضو السابق لمجلس محافظة كربلاء -المجلس الرقابي لعمل الحكومة المحلية- إن نسبة الأشجار التي هلكت من إجمالي أشجار الحزام وصلت إلى نحو 50 في المئة، بعد إنفاق نحو 9 مليارات دينار (7.5 مليون دولار) على زراعتها.

ويحمل الخزعلي وزارة الزراعة مسؤولية تردي وضع الحزام الأخضر؛ لعدم توفيرها التمويل الكافي لرعاية نخيل الحزام وأشجاره.

فيما يرى الناشط البيئي يحيى الحسناوي، أن الإهمال تمثل في عدم توفير مرشات لسقي الأشجار والنخيل، لتُترك فريسة للبيئة الجافة المحيطة بها، التي أدت إلى موتها، وزحف الرمال عليها. 

عقود من الإهمال 

لم يكن مشروع حزام كربلاء الأخضر هو الأول من نوعه، فقد سبقته مبادرات -بدأت في سبعينيات القرن الماضي- لتطويق المحافظات الأكثر عرضة للعواصف الترابية بأحزمة خضراء.

وراعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) المشروع في مرحلته الأولى، إلا أنه توقف بسبب الحرب العراقية الإيرانية فيما بين 1980 و1988، ثم حرب الخليج. 

وفي نهاية التسعينيات من القرن الماضي، تجددت مبادرات إنشاء حزام أخضر حول كربلاء، وبالفعل نفذ جزء من هذا المشروع، إلا أنه توقف في 2003، إثر الغزو الأمريكي للعراق.

يقول أحد المهندسين الذين واكبوا تنفيذ المشروع الأول، إن المشروع الأول كان يشتمل على زراعة غابات، ولكن -قبل 2003- كانت المباني السكنية تشيد على المساحات المخصصة له، قبل أن تأتي ظروف الحرب، لتكتب شهادة وفاة المشروع هذا. 

ويضيف المهندس الذي رفض ذكر اسمه، أن مصير مشروع 2006 يتشابه مع سابقه، إلا أنه عند تنفيذه تم مراعاة زراعة الحزام الأخضر بالنخيل؛ لحمايته من التعدي، إذ إن القانون العراقي يمنع اجتثاث النخيل. 

وإن بقى النخيل من دون أن تمسه أي يد، إلا أن الإهمال طاله، وأدى لموت الكثير منه. 

الحاجة إلى أحزمة خضراء 

يعاني أحمد حسين -أحد أبناء مدينة كربلاء- من تكرار العواصف الترابية وشدتها، متحسرًا على ما آل إليه مصير الحزام الأخضر: “لو كان هذا الحزام موجودًا اليوم، لاستطاع أن يحد من شدة العواصف الترابية التي ضربت المحافظة مؤخرًا”.

ويعد العراق من أكثر البلدان عرضة للتصحر، وتشير تقديرات وزارة البيئة إلى أن التصحر يبلغ نحو 70 في المئة من مساحة العراق. 

يفاقم من حدة الأمر تدهور موارد العراق المائية، إذ حذر البنك الدولي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي من انخفاض الموارد المائية في العراق بنسبة 20 في المئة، بحلول العام 2050؛ جراء التغيرات المناخية.

وتؤدي قلة المياه إلى تدهور حالة التربة، ومن ثم انخفاض المساحات الصالحة للزراعة. 

يقدر خبير الموارد المائية نظير الأنصاري، المساحات التي تتعرض سنويًا لخطر التصحر، بـ 100 ألف دونم؛ أي 250 كليومترًا مربعًا. 

ويلفت وزير الموارد المائية عون ذياب -في لقاء سابق له قبل تسلمه منصبه الوزاري- إلى أهمية إنشاء أحزمة خضراء حول المحافظات المعرضة للعواصف الترابية، مضيفًا أن العراق شهد -في هذا الصدد- بعض التجارب السابقة التي لم تكتمل.

بين المصانع والمباني 

بينما تتمدد المباني السكنية على أنقاض الحزام، تقف على الجهة المقابلة عشرات المعامل المنتجة للحديد والصلب والمواد الأولية، وغيرها من المنتجات. 

تصدر من مداخن هذه المعامل أدخنة سوداء، وينبعث منها غبار مخلوط بمواد كيميائية، مهددًا سكان هذه الوحدات باحتمالية الإصابة بالأمراض الصدرية. 

يشير الناشط البيئي على رشيد إلى أن الحزام الأخضر كان من شأنه أن يقف مصدًا لهذا الغبار، مانعًا إياه من الدخول إلى الحيز السكاني من المحافظة. 

تشير دراسة بحثية نشرت في جامعة كربلاء للعلوم الإنسانية العام الماضي، إلى عدم معالجة النفايات الخاصة بتلك المعامل -خاصة معامل البلاستيك والصناعات الكيماوية- الواقعة في أطراف كربلاء بشكل صحيح، عبر رميها بشكل مباشر في الماء أو حرقها من دون معالجة، ما يتسبب بانبعاثات، وصفتها الدراسة بـ”الخطيرة”؛ لما لها من تأثيرات على صحة الإنسان والحيوان والنبات.

توجهنا إلى وزارة مديرية زراعة كربلاء لسؤالها عن سبب إهمال الحزام، رغم الحاجة إليه في ظل التلوث المحيط بالمحافظة، ومعاناة العراق من التغيرات المناخية. 

اعترف مدير الإعلام بالمديرية باهر غالي بأن المشروع آل إلى الاندثار؛ نظرًا إلى أن وزارة الزراعة قررت عدم إدراجه ضمن خطتها الاستثمارية في 2014، معللة ذلك بأن الأحزمة من اختصاص دائرة البلدية. 

في المقابل -والكلام على لسان غالي- رفضت البلدية استلام المشروع، ما أدى إلى وقف دعم المشروع. 

وعلى مدار أكثر من شهر، حاول معد التحقيق التواصل مع المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي، لكنه لم يتلق منه ردًا.

 

(تم انتاج هذا التقرير ضمن اطار مشروع أصواتنا المنفذ من قبل منظمة انترنيوز.)

ينشر هذا التحقيق بالتنسيق مع “إنترنيوز” في إطار اتفاق شراكة

تابعنا على نبض

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.