بدأت تتأكد لدى العديد من الهيئات العلمية الدولية ظاهرة جديدة لم تكن في الحسبان، وهي “اختفاء الضباب” من العديد من المناطق الساحلية، في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان حول العالم.
حيث أكد عدد من علماء البيئة أن الضباب آخذ في التراجع في الآونة الأخيرة، باعتباره ضحية أخرى للاحتباس الحراري، و التغيرات المناخية، وهو ما حذرت منه الهيئات العلمية الدولية وأيضًا سكان الشواطئ منذ سنوات مضت.
الضباب ظاهرة طبيعية عبارة عن سحاب منخفض قريب من سطح الأرض. وغالبًا ما تكون هذه السحب من نوع الرهل، هو قطرات مائية عالية في الهواء ويحدث نتيجة تكاثف بخار الماء قرب سطح الأرض ويساعد على تكوين الغبار والدخان والشوائب المختلفة في الجو حيث يعلق عليها البخار.
ينظر معظمنا للضباب نظرة سلبية بامتياز، ويعتقد أكثرنا أنه ظاهرة طبيعية مضرة للبشر حتى النهاية، وعلى الرغم من أن الأضرار الناتجة عن تجمعاته أمر لا يمكن إنكاره، فهو يسبب الإصابة بالربو، ويعطل حركة النقل، والشحن والمرور على الطرق والطيران ويفسد المحاصيل الغذائية الهامة ما يكلفنا مليارات الدولارات سنويا، لكنه أيضًا له فوائده التي لا يكاد يذكرها أحد.
للضباب ضرورة في حياة النباتات والحيوانات والإنسان، وللزراعة أيضًا، فالحقول الضخمة من الخرشوف والقرع تعشقه.
بالإضافة إلى أن المياه التي يتم حصادها منه أصبحت ذات أهمية متزايدة للناس في المناطق القاحلة وشبه الاستوائية التي تجف مع الاحترار العالمي. كما أنه ضروري جدًا للحياة في جميع المناطق الساحلية حول العالم.
بداية رصد اختفاء الضباب
رصد العلماء الظاهرة لأول مرة بحلول عام 2009 تقريبا، عندما بدأت البيانات الواردة من محطات الأرصاد الجوية في جميع أنحاء العالم تشير إلى انخفاضه على نطاق واسع، وهو ما دفع أوتو كليم، الخبير بـ معهد إيكولوجيا المناظر الطبيعية في جامعة مونستر في ألمانيا، إلى إجراء دراسة عالمية حول الأمر.
أظهرت نتائج الدراسة، التي نشرت في عام 2016، انخفاضا للضباب في مئات المحطات في جميع أنحاء العالم.
قال كليم إن البيانات الواردة من مواقع فردية، بما في ذلك في ساو باولو، البرازيل، وتايوان، أظهرت أن “انخفاض الضباب يرتبط بانخفاض مستويات التلوث وارتفاع درجات الحرارة على حد سواء”.
واظهرت الدراسة أيضًا أن زيادة درجة الحرارة بمقدار 0.18 درجة فهرنهايت لها نفس تأثيرها تقريبا على الضباب مثل خفض تلوث الهباء الجوي بنسبة 10 في المائة .
ومع حبس غازات الاحتباس الحراري المزيد من حرارة الشمس على سطح الكوكب، تظهر الأبحاث أن تيارات المحيطات الرئيسية تتغير باتجاه القطب وأن المناطق المدارية وشبه المدارية آخذة في التوسع، مما يغير موقف واتجاه الرياح التي تؤثر على تكوينه واستمراره.
وهدد هذا المزيج من العوامل النظم الإيكولوجية الأكثر اعتمادا على الضباب، بما في ذلك الغابات الجبلية ذات التنوع البيولوجي في المكسيك وكوستاريكا وهاواي.
وفي نفس الوقت تقريبا الذي بدأ فيه متوسط درجة الحرارة العالمية في الارتفاع بشكل حاد في الثمانينيات والتسعينيات بسبب الاحتباس الحراري، بدأت العديد من البلدان في التعامل مع تلوث الهواء، باعتباره مشكلة بيئية أكثر وضوحا، وذلك من خلال إنفاذ قوانين جودة الهواء، ما تسبب في انخفاض التلوث في العديد من الأماكن، وكذلك ما حدث للضباب.
كليم قال إن سياق التلوث والزيادات في الزراعة والتنمية أمر بالغ الأهمية في دراسة التغيرات في تكوين الضباب من جميع الأنواع المختلفة واستمراره خلال السنوات الخمسين الماضية.
بدأ كليم دراسته للضباب في أواخر السبعينيات، بالقرب مما كان يعرف آنذاك بالحدود بين ألمانيا الشرقية والغربية، وقال إنه وجد “مستويات عالية بشكل لا يصدق من التلوث” نسبها إلى المصانع ومحطات توليد الطاقة بالفحم في ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا التي تنبعث منها كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكبريت.
وقال كليم إن هذه الغابات قد تكون الأكثر عرضة للخطر لأن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يدفع بسرعة حزام الضباب إلى الأعلى، “مما يعرض الغابات السحابية الحساسة مع العديد من الأنواع التي لا يمكنها البقاء إلا في تلك المنطقة. بعض المجتمعات النباتية متخصصة لدرجة أنها لن تعيش في شكلها الحالي دون ضباب”.
اقرأ أيضًا.. لهذه الأسباب.. قد يسبب التغير المناخي مزيداً من الأوبئة
توثق أبحاث الطقس في صحراء ناميب في جنوب غرب أفريقيا، حيث الضباب هو المصدر الرئيسي للرطوبة في بعض النظم الإيكولوجية، كيف تتفاعل بعض الحيوانات معه.
كاثلين ويذرز، عالمة البيئة المتخصصة في أبحاث الضباب في معهد كاري لدراسات النظم الإيكولوجية في نيويورك، قالت إنه قبل وقت طويل من بدء العلماء في تتبعهم للضباب، أدركت العديد من المجتمعات أهميته للنظم الإيكولوجية والبشر.
وقالت “هناك أحزمة ضباب في جميع أنحاء العالم والعديد من الثقافات المحلية لديها أسماء للضباب وموسمه”. “والشعوب تهتم به بسبب أهميته في أن إبقاء النباتات والحيوانات على قيد الحياة.”
أليسيا توريغروسا ، عالمة المشروع في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية ومديرة مشروع ضباب ساحل المحيط الهادئ، تقول إنه إذا استمر الضباب الساحلي في الانخفاض بشكل كبير، فإنها تشعر بقلق بالغ بشأن التأثيرات على صحة الإنسان والتي تم التأكيد عليها خلال موجة الحر الشديدة في الولايات المتحدة في عام 2006.
وتضيف: ” الضباب ليس مسألة حياة أو موت للنباتات فقط. لكن اختفائه يمكن أن يكون مميتًا للبشر أيضًا”.