تسبب الاحتباس الحراري في تأثيرات مناخية ضخمة على جميع مناحي الحياة على كوكب الأرض، من ارتفاع درجات الحرارة واشتداد حرائق الغابات وحتى الفيضانات والأعاصير في جميع أنحاء العالم، والتي تحتاج لسنوات من أجل التخلص من معظمها حتى في حال نجحنا في خفض الانبعاثات بشكل كبير.
خلصت دراسة جديدة إلى أن المعدل الحالي للتلوث الناتج عن غازات الاحتباس الحراري مرتفع للغاية لدرجة أن الأرض أمامها حوالي 11 عامًا لكبح جماح الانبعاثات إذا أرادت البلدان تجنب أسوأ ضرر من تغير المناخ في المستقبل.
على الرغم من انخفاض الانبعاثات في عام 2020 بسبب إجراءات الإغلاق التي تبعت انتشار الوباء العالمي، فإن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في طريقها للعودة إلى مستويات ما قبل الجائحة، وفقًا لتقرير منظمة “ميزانية الكربون” العالمية السنوي.
تؤكد النتائج أن الحاجة الملحة لخفض الانبعاثات أكبر مما كان يعتقد سابقًا إذا كان العالم يريد تجنب ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية كي لا تزيد عن 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة.
كان هذا هو الهدف الذي حددته اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 وسعت إليه البلدان المجتمعة قبل أسابيع في قمة المناخ الرئيسية للأمم المتحدة في جلاسكو، اسكتلندا.
يتم تجميع نسب الكربون العالمية مع مدخلات من عشرات الباحثين حول العالم.
يراقب الباحثون كمية ثاني أكسيد الكربون (CO2) التي يخرجها البشر ومقدار المساحة المتبقية لمثل هذه الانبعاثات لتبقى ضمن حد 1.5 درجة مئوية.
عندما صدر التقرير الأول في عام 2015، توقع العلماء أن الأرض لها أفق زمني مدته 20 عامًا قبل أن تؤدي الانبعاثات إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض فوق الحد المحدد بحلول نهاية القرن.
لكن إنتاج غازات الدفيئة ارتفع بشكل أسرع من المتوقع، حيث أنتجت نصف الكمية المتوقعة من الانبعاثات في السنوات الست الماضية فقط، ما يعني أن زيادة درجة حرارة الأرض بمعدل 1.5 درجة مئوية سوف يحدث قبل نهاية القرن بكثير.
ففي ظل المستويات الحالية للانبعاثات، هناك احتمال بنسبة 50٪ أن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، والذي نسعى لحدوثه بحلول نهاية هذا القرن، سوف يحدث بحلول عام 2033.
ومن المرجح أيضًا، إذا لم تنخفض الانبعاثات، أن نكون أمام عدد من السيناريوهات الأكثر خطورة، فقد نصل إلى زيادة بمقدار 1.7 درجة مئوية بحلول عام 2042، كما لا يمكن أن نتجنب قفزة بمقدار درجتين مئويتين بحلول عام 2054.
ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية على مدار الـ 150 عامًا الماضية بنحو 1.1 درجة مئوية (أو حوالي درجتين فهرنهايت)، مما أدى إلى اشتداد حرائق الغابات والفيضانات والأعاصير في جميع أنحاء العالم.
وجاء في التقرير أن “انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الأحفوري العالمية (باستثناء كربونات الإسمنت) في عام 2021 تعود إلى مستوياتها في عام 2019 بعد أن انخفضت بنسبة [5.4٪] في عام 2020”.
يشير التقرير إلى أن الوصول إلى صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050، وهو هدف المعنيون بالعمل المناخي في قمة جلاسكو، “يستلزم خفض إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون البشرية المنشأ” بمقدار “يمكن مقارنته بالانخفاض خلال عام 2020. ”
تعدت الانبعاثات من الصين، التي تجاوزت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة كأكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، مستويات ما قبل الوباء، حيث نمت بنسبة 5.5٪ وفقًا للبيانات الواردة في أحدث تقرير دولي. فيما زادت انبعاثات الهند بنسبة 4.4٪.
ومع ذلك ، هناك بعض العلامات المشجعة في التقرير، لا سيما أن الانبعاثات قد انخفضت خلال العقد الماضي في 23 دولة كانت اقتصاداتها تنمو قبل جائحة فيروس كورونا- بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
تضم القائمة، التي تمثل حوالي ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، العديد من الدول الغنية في أوروبا بالإضافة إلى اليابان.
لكن هل تتخلص البشرية من جميع تأثيرات الاحتباس الحراري والانبعاثات التي وقعت بالفعل في حال نجحت في الوصول إلى صفر كربون بحلول 2050؟
اقرأ أيضًا.. لهذه الأسباب.. قد يسبب التغير المناخي مزيداً من الأوبئة
تأثيرات الاحتباس الحراري مستمرة
تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة يجيب على هذا السؤال، ويقول إن بعض التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ بسبب الاحتباس الحراري العالمي لا يمكن التخلص منها أبدًا، وأن جهودنا للتكيف معها لا تزال متخلفة.
إنغر أندرسن، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة يقول: “حتى لو نجحنا في وقف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري اليوم، فإن آثار تغير المناخ ستظل معنا لعقود عديدة قادمة”.
يحث التقرير الأممي الجديد- بعنوان “عاصفة التجمع: التكيف مع تغير المناخ في عالم ما بعد الجائحة”- قادة العالم على جعل المجتمعات أكثر مرونة في التعاطي مع العمل المناخي.
ويقول التقرير: “يشترك تغير المناخ والوباء في بعض أوجه التشابه المذهلة: مثل الوباء، فإن أزمة تغير المناخ هي مشكلة منهجية تتطلب استجابات عالمية ووطنية ومحلية منسقة”. “العديد من الدروس المستفادة من التعامل مع الوباء يمكنها أن تكون بمثابة أمثلة على كيفية تحسين التكيف مع المناخ والتمويل.”
تم إنفاق أكثر من 16 تريليون دولار على مستوى العالم لتحفيز الاقتصادات خلال جائحة COVID-19، لكن جزءًا صغيرًا فقط من ذلك كان مخصصًا لجهود التكيف مع المناخ.
في غضون ذلك، أدى الوباء إلى تقلص الإيرادات الحكومية وتعطيل سلاسل التوريد، مما أعاق مشاريع التكيف، لا سيما في البلدان النامية.
في غضون ذلك، تتزايد الفجوة بين حجم الأموال المتاحة للمناخ- وما هو مطلوب- لحماية المجتمعات من ارتفاع منسوب مياه البحار وارتفاع درجات الحرارة وتفاقم العواصف.
غالبًا ما تكون البلدان الأقل مسؤولية عن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض هي الأكثر تضررًا، وتقول الأمم المتحدة إن التأثيرات المناخية تزداد سوءًا بشكل أسرع مما تتكيف معه البلدان.
في حين أن أغنى دول العالم، التي ساهمت بنحو 80 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، لم تفِ بوعدها بمنح البلدان النامية 100 مليار دولار سنويًا لمساعدتها على التعامل مع آثار تغير المناخ.