كشف تقرير حديث نشرته مجلة The Lancet الطبية الدولية عن العلاقة بين التغيرات المناخية والصحة العامة، مؤكدًا أن تغير المناخ يؤدي إلى تدهور صحة الإنسان بكل الطرق التي يمكن قياسها تقريبًا، ويتسبب بشكل غير مباشر في أثار صحية خطيرة.
فبجانب ما ينتج عن ارتفاع درجات الحرارة واحتراق الغابات والفيضانات من تأثيرات مباشرة تتسبب في قتل العديد من البشر حرقًا أو غرقًا، إلا أن هناك أثارًا صحية خفية يسببها الاحترار العالمي.
يقول التقرير إن ارتفاع درجات الحرارة يثير العنف ويعطل النوم، كما أن أثاره خطيرة على المرأة أثناء الحمل، لكن معظم الأطباء يتجاهلون ذلك كثيرًا رغم أهميته.
كما يمكن أن يتسبب دخان حرائق الغابات في حدوث أمراض تنفسية للسكان المحيطين، وأيضًا للذين يسكنون على بعد آلاف الأميال من الغابات المحترقة.
الفيضانات أيضًا تؤدي إلى زيادة معدلات الانتحار ومشاكل الصحة العقلية. كما أن فصول الشتاء الأكثر دفئًا توسع نطاق ظهور البعوض والقراد الحامل للأمراض.
يتوقع تقرير لـ منظمة الصحة العالمية عن التغيرات المناخية والصحة العامة، أن يساهم تغير المناخ في حدوث ما يقرب من 250.000 حالة وفاة إضافية سنويًا بحلول نهاية العقد، بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري.
وتقول أيضًا إن البلدان النامية ذات النظم الصحية الضعيفة ستكون قدرتها أقل على التأقلم مع متلازمة التغيرات المناخية والصحة من باقي دول العالم.
في منطقة الشرق الأوسط، عاش سكان عدة دول حالة تأهب قصوى خلال العام الجاري بسبب كوارث طبيعية مختلفة ضربت المنطقة بسبب تغير المناخ وتسببت في قتل مواطنين وإصابة أخرين بالأمراض.
وضربت الكوارث والأضرار كلا من لبنان وإيران ومصر والمملكة العربية السعودية، وتسببت في أضرار بالغة.
شهد لبنان في نوفمبر الجاري موجة حرائق تلتهم مساحات شاسعة من الجنوب اللبناني، وسُمع صوت طائرات مروحية تحلق فوق بلدات مختلفة بالجنوب بعد اندلاع حرائق في المنطقة.
وحسب السلطات اللبنانية، فقد تسببت الحرائق في مقتل شخص واحد على الأقل، وهو عامل أجنبي، لقي حتفه بعد أن وصلت ألسنة اللهب إلى مستودع كان يأوي إليه في مدينة الجديدة (شمال بيروت).
وامتدت الحرائق التي تُعزى إلى ارتفاع درجات الحرارة إلى عدة مناطق جبلية، واقتربت من المناطق السكنية في بعض القرى المجاورة للغابات.
كما أدى انخفاض درجات الحرارة في السعودية إلى حدوث فيضانات في أجزاء كثيرة من مدينة جدة، وتسبب هطول الأمطار الغزيرة خلال الأيام الأخيرة في عرقلة سفر السكان.
وفي إيران، اضطر الناس إلى الفرار من منازلهم بعد أن ضرب زلزالان قويان جنوب البلاد، حيث لقي شاب عمره 22 عامًا حتفه بعد سقوط عمود كهربائي على رأسه نتيجة الزلزال.
وفي مدينة أسوان المصرية جرفت مياه الأمطار والفيضانات أعدادا كبيرة من العقارب إلى شوارع وبيوت المدينة باحثة عن ملاذ في ظل ظروف الطقس القاسية.
ولقي 3 أشخاص على الأقل مصرعهم جراء لدغات العقارب السامة، في حين أصيب ما لا يقل عن 400 آخرين بالتسمم.
عالميًا، تسببت حرائق الغابات، التي غذتها تغيرات المناخ، في إشعال النيران في بلدات بأكملها في كندا وحوض البحر الأبيض المتوسط. فيما تسببت الفيضانات في أضرار بمليارات الدولارات في الصين والهند وأوروبا.
في وقت سابق من هذا العام، لقي مئات الأشخاص حتفهم خلال موجة الحر التي اجتاحت شمال غرب المحيط الهادئ وكندا، ومات آلاف الأشخاص خلال موجة الحر في أوروبا الغربية بمعدل أكبر مما كان يحدث في السنوات السابقة، في نفس الوقت الذي أكد فيه العلماء أن تغير المناخ هو المتسبب الرئيس في تلك الموجة الحارة.
يقول جيريمي هيس، طبيب وأستاذ علوم البيئة والصحة المهنية في جامعة واشنطن: “لسوء الحظ، كانت هذه هي السنة الأولى التي أستطيع أن أقول فيها بثقة إنني عانيت ومرضاي من آثار تغير المناخ”. “رأيت المسعفين الذين أصيبوا بحروق شديدة بسبب الركوع على ركبهم فوق الرصيف الساخن لرعاية المرضى الذين يعانون من السكتة الدماغية الحادة بسبب الحرارة، كما رأيت عددًا كبيرًا جدًا من المرضى يموتون بطرق مختلفة نتيجة تعرضهم للحرارة.”
وبينما تتزايد حدة حرائق الغابات وتواترها، ازدادت الفيضانات سوءا خلال العام الماضي والحالي؛ وحوصر الناس في منازلهم، وغرقت سيارات وقطارات داخل الأنفاق خلال العواصف الأخيرة.
في العام الماضي فقط، تسببت 22 كارثة مرتبطة بالمناخ في أضرار بأكثر من مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها.
اقرأ أيضًا: التغيرات المناخية في السعودية.. درجة الحرارة ستصل إلى رقم مرعب في 2050
التغيرات المناخية والصحة.. تهديد كبير
في وقت سابق من هذا العام، أصدرت أكثر من 200 مجلة طبية بيانًا مشتركًا غير مسبوق، ووصفت تغير المناخ بأنه “التهديد الأكبر” للصحة العامة العالمية وحث البيان الاقتصادات الكبرى في العالم على بذل المزيد من الجهد لإبطائه.
في حال لم تحدث انخفاضات سريعة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسببة للاحتباس الحراري، من المتوقع أن ترتفع درجة حرارة كوكب الأرض إلى حد تصبح فيه أجزاء كبيرة من الكوكب غير صالحة للسكن، بسبب غرق المدن بمياه البحار، ووقوع العديد من الكوارث الطبيعية المدمرة التي سوف تصبح فيما بعد أمرًا شائعًا.
وحذر التقرير لانسيت العد التنازلي من أن الفئات الأكثر ضعفًا- الأفراد ذوو الدخل المنخفض وكبار السن- هم الأكثر عرضة للخطر من متلازمة التغيرات المناخية والصحة.
مؤكدًا أن هناك حاجة إلى تمويل عاجل لحماية هؤلاء السكان وضمان تكيفهم مع التغيرات. كما يلزم اتخاذ إجراءات لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بسرعة “لضمان مستقبل أكثر ملاءمة للجميع”.
يقول تقرير صادر عن الأمم المتحدة في نوفمبر الجاري: “كان عام 2021 هو العام الذي ضربت فيه تأثيرات المناخ البلدان المتقدمة والنامية بضراوة جديدة”. “لذا، حتى في الوقت الذي نتطلع فيه إلى تكثيف الجهود لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري- والتي لا تزال غير قوية بما يكفي- يجب علينا تحسين مجتمعاتنا بشكل كبير للتكيف.”
يسعى العالم الأن لمنع درجات الحرارة العالمية من الارتفاع فوق 1.5 درجة مئوية. حيث أن درجة حرارة العالم ارتفعت بالفعل بمقدار 1.1 درجة مئوية (أو درجتين فهرنهايت) في المتوسط مقارنة بأوقات ما قبل العصر الصناعي.