اتفاقية باريس للمناخ.. ما الذي تحقق؟
تغير المناخ هو حالة طوارئ عالمية تعبر الحدود الوطنية، وهذه مشكلة تتطلب التنسيق على جميع المستويات والتعاون الدولي لمساعدة البلدان على التحرك نحو اقتصاد منخفض الكربون.
استجابة لتغير المناخ وآثاره السلبية، أقرت 197 دولة اتفاقية باريس في COP21 الذي عقد في باريس في 12 ديسمبر 2015.
دخلت “اتفاقية باريس” حيز التنفيذ في 4 نوفمبر 2016، وتواصل الدول الأخرى الانضمام إلى الاتفاقية أثناء استكمال إجراءات الموافقة الخاصة بها.
وتهدف إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير والحد من الزيادة في درجات الحرارة العالمية. ومكافحة ارتفاع درجات الحرارة للكوكب درجتين هذا القرن، مع محاولة حصر الزيادة في 1.5 درجة.
تتضمن الاتفاقية التزامات من جميع البلدان لخفض الانبعاثات والتكيف بشكل مشترك مع آثار تغير المناخ، وتدعو الدول إلى تعزيز التزاماتها بمرور الوقت.
توفر الاتفاقية طريقة للدول المتقدمة لمساعدة البلدان النامية في التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه ، مع إنشاء إطار عمل لرصد الأهداف المناخية الوطنية والإبلاغ عنها بشفافية.
وتوفر أيضًا إطارًا دائمًا يوجه الجهود العالمية في العقود القادمة، كبداية للانتقال إلى عالم منخفض الكربون، ويعد تنفيذ هذه الاتفاقية أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لأنها توفر خارطة طريق للعمل المناخي لتقليل الانبعاثات وزيادة المرونة في مواجهة تغير المناخ.
الهدف الأبرز هو زيادة طموحات البلدان المناخية بمرور الوقت. ولتعزيز ذلك، نصت اتفاقية باريس على مراجعتين، مدة كل منهما خمس سنوات.
وتزامنت قمة جلاسكو مع المراجعة الأولى، وكشفت المراجعة أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به.
تظهر الإحصاءات الصادرة عن الأمم المتحدة عقب مؤتمر المناخ في جلاسكو أن جهود المجتمع الدولي للحد من انبعاثات الكربون ليست كافية على الإطلاق لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ.
سلط التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة الضوء على الفجوة بين الهدف الوطني والتدابير اللازمة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة.
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يمكن أن تؤدي التزامات خفض الانبعاثات الخاصة بكل دولة على حدة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 7.5٪ بحلول عام 2030. لكن إذا أردنا خفض الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة، يجب أن نخفض الانبعاثات بنسبة 55٪ بحلول عام 2030. من أجل الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين، من الضروري أيضًا تقليل الانبعاثات بنسبة 30٪.
على صعيد أخر، لا تزال بعض الدول تراوغ في مسألة خفض الانبعاثات، الهند مثلا، التي تعد رابع أكبر مصدر لانبعاث ثاني أكسيد الكربون في العالم بعد الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، طرحت خلال فعاليات قمة المناخ في جلاسكو، خططًا طموحة من أجل الوصول إلى الحياد الكربوني الذي حددته بعام 2070، أي بعد 20 عامًا من غالبية دول العالم.
لكن الخطة واقعيًا تصطدم بالعديد من الإجراءات التي تتبناها نيودلهي على أرض الواقع، ومن بينها التوسع في إنتاج الفحم، واستمرار عمل محطات توليد الكهرباء باستخدام الفحم، إلى جانب مساعيها لزيادة إنتاج النفط؛ لتقليل فاتورة الاستيراد.
لا زالنا بعيدين جدًا عن تحقيق أهداف اتفاقية باريس.
كما أن الدول الغنية التزمت في اتفاقية باريس بتوفير 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة البلدان الفقيرة في مواجهة تغير المناخ، والتحول إلى الطاقة النظيفة، وبناء قدراتها على التعامل. وقالت دول نامية، مثل إندونيسيا وبنغلاديش، إنها لن تستطيع الوفاء بتعهداتها بشأن المناخ دون مزيد من الدعم المالي.
لكن فعليًا، جمعت الدول الغنية تقريباً 80 مليار دولار، بما يقل بنحو 20 مليار دولار عن 100 مليار دولار مستهدفة، في عام 2019، وهي آخر سنة أُعلن فيها عن إجمالي ما جُمع من تمويل.
هناك مسألة خلافية أخرى تتعلق بكمية الأموال التي ينبغي تخصيصها للتأقلم مع التغير المناخي، إذ تطالب الدول الضعيفة والفقيرة بزيادة المساعدات الموجهة إليها حتى تتعامل مع النتائج المترتبة على ارتفاع درجة حرارة العالم، ومنها موجات الجفاف التي تدمر المحاصيل الزراعية، والعواصف العنيفة التي تحطم المجتمعات المحلية، وارتفاع منسوب البحار الذي يهدد بابتلاع بعض الجزر.
أمامنا الكثير لتحقيقه في أزمة القرن، ولا نزال بعيدين عن التزامات اتفاقية باريس، ونحتاج إلى تكاتف عالمي لمواجهة شاملة وفعالة للتغير المناخي، وإلا ستفقد مناطق كثيرة في كوكبنا صلاحية الحياة، ونواجه أثار أشد كارثية لارتفاع درجات حرارة، وربما نندم أشد الندم على ما أهملناه.