قمة المناخ في مصر.. والوصفة الألمانية
هل جربتم من قبل الوصفة الألمانية في تحقيق أقصى استفادة ممكنة من أقل فرصة متاحة؟
كان المستشار الألماني الأسبق “هلموت كول” يقول إن تلك الوصفة هي جزء لا يتجزأ من السياسة الألمانية خلال العقود الأخيرة، وأحد أبرز أسباب النجاح الاقتصادي الألماني.
الحقيقة أننا لا نحتاج لكلمات “كول” كي نتأكد بأنفسنا أن الألمان لديهم قدرات استثنائية على تحقيق مكاسب جمة من أنصاف وأرباع الفرص، فـ “العينة بينة”.
أما في مصر، فالأمر مختلف بعض الشيء، فأحيانًا تأتينا الفرص الكاملة فلا ننتبه ولا نستغل ولا نحقق.
هذا ليس بكاء على اللبن المسكوب، لكنه دعوة للانتباه إلى فرصة كاملة وتاريخية على الأبواب، لتحقيق مكاسب لا تعد.
الفرصة هي “قمة المناخ” أو المؤتمر السابع والعشرين للدول الاطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية COP27، والذي سوف ينعقد في شرم الشيخ نهاية 2022.
أما المكاسب، فهي كثيرة، وأبرزها الاتي:
اقتصاديا، سوف يساهم المؤتمر في الترويج لمصر سياحيًا وجذب العديد الاستثمارات من شراكات دولية وإقليمية، بجانب الترويج للصناعة والمنتجات المصرية والحرف والصناعات التقليدية من خلال المعارض التي سوف تقام على هامش القمة.
على مستوى التمويل المناخي، سوف يساهم المؤتمر في إتاحة الفرصة لإبرام شراكات وتوفير مصادر تمويل إضافية من المنظمات الدولية لتمويل المشروعات الوطنية المعنية بتخفيف أثار التغيرات المناخية، أو التكيف معها، نظرًا لأن مصر من أكثر دول العالم تضررًا من تغيرات المناخ، وتلقت بالفعل طوال السنوات السابقة تمويلات من صناديق المناخ الدولية لتنفيذ عدد من مشروعات التحفيف والتكيف مع تغيرات المناخ في دلتا النيل والسواحل الشمالية للبلاد.
ووفق الجهات المانحة، نجحت المشروعات المصرية في تحقيق أهدافها حتى الآن، ما يعني أن الفرصة مناسبة للاستمرار في جذب التمويلات وتنفيذ مشروعات أكثر.
على المستوى البيئي، سوف يعزز المؤتمر خطة مصر في تنفيذ استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة تعتمد على دمج بُعد تغير المناخ في كافة قطاعات التنمية بالدولة لتقليل الانبعاثات، والتعافي الأخضر، وتحويل التحديات الخاصة بالتغيرات المناخية إلى فرص من أجل تحقيق تنمية مستدامة، وزيادة المرونة والتكيف مع الأثار الناجمة عن تغيرات المناخ، وسوف تلزم القمة الحكومة بالمضي قدمًا في الخطة لتحقيق أبرز نتائج ممكنة قبل انعقادها.
لحظة واحدة، المكاسب لم تنته بعد.
لدينا الأهم، وهو استغلال المؤتمر وتوظيفه سياسيًا للدفع بأولويات القضايا المصرية، وفي مقدمتها قضية الأمن المائي المصري، وآثار التغير المناخي على نهر النيل، خاصة في ظل التطورات المرتبطة بمشروع سد النهضة الإثيوبي.
مؤتمر المناخ فرصة جيدة جدًا لجذب انتباه العالم، بشقيه الرسمي والشعبي، إلى قضيتنا العادلة في ملف سد النهضة الذي قد يضاعف الأثار الجانبية المتوقعة من التغيرات المناخية على قطاع المياه في مصر.
على المستوى الرسمي، تتحرك الجهات المعنية في مصر، قبل وأثناء المؤتمر ، لتوضيح الحقائق حول الأخطار التي تواجه أمن البلاد المائي، مستخدمة العديد من الدراسات الدولية والمحلية التي تؤكد أن قطاع المياه في مصر هو الأكثر تضررًا من أثار التغيرات المناخية، وكلما اشتدت التغيرات كلما تعرض أمننا المائي للخطر، وأن نربط بين تلك الدراسات من جانب، والتبعات الخطيرة المتوقع حدوثها أثناء سنوات ملء سد النهضة من جانب أخر، حيث أن الجفاف الطبيعي الذي يحدث خلال فترة الملء أو السنوات الأولى من التشغيل سيقلل من إمدادات المياه في مصر، ومع اشتداد تغيرات المناخ، قد تصبح حالات الجفاف تلك أكثر شيوعًا أو تستمر لفترة أطول، ما يهدد الأمن المائي لمصر بشكل كبير.
من المهم أيضًا التأكيد على أن ندرة المياه المتوقع حدوثها لسنوات بسبب سد النهضة والتغيرات المناخية، تزيد من صعوبة الوضع فيما يخص إدارة الموارد المائية في مصر، وتجعلها حساسة للغاية تجاه أي مشروعات أحادية الجانب يتم تنفيذها في دول حوض نهر النيل دون اتفاقيات قانونية عادلة وملزمة لتنظيم هذه المشروعات والحد من آثارها السلبية.
التركيز على هذه النقاط خلال الجلسات الرسمية قبل وأثناء قمة المناخ في مصر، سيؤكد للعالم عدالة القضية المصرية، وأحقية مصر في إلزام أثيوبيا باتفاق يسمح بتدفق كميات معينة، ومتفق عليها، من المياه في اتجاه مجرى النهر، تحديدًا في أوقات الجفاف، وليس لدى أدنى شك في أن الإدارة المصرية تعمل على ذلك .
أما على المستوى الشعبي، ونقصد هنا الجمهور الدولي المهتم بقضايا تغيرات المناخ، فأحد أهم ميزات المؤتمر أنه يحظى باهتمام شعبي بالغ في كل أنحاء العالم، فالقاعدة الجماهيرية العالمية المهتمة بقضايا المناخ تزداد يومًا بعد يوم، واتسعت جدًا في السنوات الأخيرة بعد أن أدركت الشعوب خطورة ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتأثيرها على حياتهم، وهذه فرصة جيدة للفت انتباه الجميع لقضيتنا.
نقترح تنظيم عدد من الورش والجلسات المتخصصة على هامش المؤتمر، تتناول التأثير المتوقع لسد النهضة على أمن مصر المائي في ظل ما يشهده العالم من تغيرات مناخية.
مع وضع خطة ترويجية وإعلامية مناسبة لجذب انتباه نشطاء المناخ حول العالم لهذه الورش والجلسات، وكسب تضامنهم مع مصر في قضيتها العادلة.
واستغلال ما لدى هؤلاء النشطاء من ثقل وتأثير دولي، ليضعوا القضية المصرية كأولوية على أجندة اهتمامات منظمات المجتمع المدني العالمية المعنية بالمناخ والبيئة، كما فعلوا مسبقًا في العديد من القضايا الخاصة بدول إفريقية ولاتينية، ونجحوا في لفت أنظار العالم لها.
لا بد أن نستفيد من قمة المناخ وتأثيرها أقصى استفادة ممكنة، حتى النشاطات الترفيهية المتوقع تنظيمها على هامش المؤتمر، يجب استخدامها لصالحنا، فلنكن مثل الألمان، ولو هذه المرة فقط.