تردد بكثرة خلال الآونة الأخيرة مصلح “اللجوء المناخي”، الذي يصف ترك ملايين الناس سنوياً منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى أو اللجوء إلى دول أخرى لأسباب بيئية، تتعلق بـ الكوارث الناتجة عن التغير المناخي.
وتسبب انتشار المصطلح إلى حالة من اللغط والجدل حول قانونيته ومدى اعتراف المجتمع الدولي به، خاصة أنه يمس الملايين حول العالم، تتسبب التغيرات المناخية في دفعهم للهجرة.
تشير الأبحاث البيئية حول تأثير تغير المناخ على تنقل البشر إلى أنه بحلول عام 2050، سيضطر حوالي 250 مليون شخص إلى البحث عن ملاذ أو النزوح بسبب الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، بمعدلات أكثر من معدل الهجرة بسبب النزاع المسلح.
يتسبب التغير المناخي في كوارث طبيعية مختلفة في عدد من المناطق حول العالم، والتي أجبرت السكان على النزوح.
ومن الأمثلة على ذلك إعصار إيدي في الجنوب الشرقي للقارة الإفريقية، وإعصار فاني في جنوب آسيا، وإعصار دوريان في منطقة البحر الكاريبي، وفيضانات في إيران والفلبين وإثيوبيا.
ارتفع عدد النازحين حول العالم إلى أكثر من 40 مليون شخص، جراء الصراعات والكوارث الطبيعية وتفاقم تداعيات ظاهرة التغير المناخي خاصة ارتفاع درجات حرارة الأرض في عام 2020، وفقا لتقرير أصدره مركز مراقبة النزوح الداخلي.
من بين جميع الكوارث الطبيعية، تساهم الفيضانات والعواصف بشكل أكبر في النزوح.
الأشخاص الفارين إلى بلدان أخرى بسبب هذه الكوارث، بحاجة إلى حماية أفضل من خلال اللجوء لبلدان أخرى، ما جعل مصطلح “اللجوء المناخي” يطفو على السطح من حين لآخر.
لكن هل فعلًا هناك ما يسمى بـ اللجوء المناخي في القوانين الدولية؟
رغم أن الميثاق العالمي للاجئين، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية 2018 يقر بأن العوامل المناخية والكوارث الطبيعية تؤدي إلى تزايد حركات اللجوء، إلا أنه لا يوجد حتى الآن تعريف متفق عليه عالمياً أو ملزم قانونياً لمصطلح “اللجوء المناخي” أو “لاجئو المناخ” الذي تتناوله الأوساط الإعلامية والسياسية.
وفقًا لمكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن مصطلح “اللجوء المناخي” أو “لاجئ المناخ” يُستخدم أكثر في وسائل الإعلام فقط، ولا تحب المفوضية استخدام المصطلح – ربما لتجنب المسؤولية القانونية.
تعتقد المفوضية أن الوصف الأكثر دقة هو “الأشخاص المشردون في سياق الكوارث وتغير المناخ” لأن هذه الجملة قد تكون مثيرة للجدل لأنها غير موجودة في القانون الدولي.
وعرّف “اللاجئ” بأنه الشخص الذي يعبر الحدود الدولية “خشية التعرض للاضطهاد بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو الرأي السياسي”، وذلك وفق (اتفاقية اللاجئين لعام 1951)
في بعض الحالات، يشمل التعريف الأشخاص الذين فروا من “الحوادث التي تخل بالنظام العام بشكل خطير، وذلك وفق (اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969؛ إعلان قرطاجنة لعام 1984).
في نفس السياق، يؤثر تغير المناخ على الناس في بلادهم، وغالبًا ما يؤدي إلى النزوح الداخلي، وقد يؤدي أيضًا إلى نزوح الأشخاص عبر الحدود.
في بعض الحالات، يمكن تطبيق معايير اللاجئين الواردة في اتفاقية عام 1951 أو معايير اللاجئين الواردة في إطار قانون اللاجئين الإقليمي الأوسع.
على سبيل المثال، إذا كانت المجاعة الناجمة عن الجفاف مرتبطة بالنزاع المسلح والعنف، فإن هذه المنطقة تسمى “ديناميات العلاقة أو الترابط” على حد تعبير تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2018 حول هذا الموضوع، حيث تتفاعل الصراعات أو العنف مع تغير المناخ أو الكوارث.
جدل حول اللجوء المناخي
يجسد الصومال ديناميكيات العلاقة بين الصراع وتغير المناخ.
في أوائل التسعينيات، غرقت البلاد في هاوية الصراع المسلح الذي طال أمده ولم يرحم أحدا، مما أضعف مؤسسات الدولة، وأجبر الملايين من الناس على الهجرة أو إعادة التوطين، وفرض عبئًا عليهم، لا سيما أولئك الذين يعيشون على الزراعة والرعي.
لقد عانوا التجربة المأساوية للجفاف الكارثي الناجم عن انخفاض معدل هطول الأمطار خلال موسم الأمطار.
وتتوقع منظمة الأمم المتحدة أن الجفاف الكارثي سيسبب جوعًا شديدًا لأكثر من مليوني شخص، يمثلون حوالي خمس سكان الدولة الفقيرة.
وقد أظهرت الدراسات أنه يمكن التغلب على بعض هذه المشاكل من خلال توزيع المياه بشكل أكثر فعالية وزراعة سلالات نباتية مقاومة للجفاف.
بسبب هذه العلاقة الديناميكية بين النزاع المسلح وتغير المناخ والجفاف والفيضانات وأزمات الجوع، يطلب أكثر من 750 ألف صومالي اللجوء في البلدان المجاورة، ويطلب أكثر من 250 ألف صومالي اللجوء في كينيا، و 250 ألفًا في اليمن، و 192 ألفًا في إثيوبيا، في حين نزح أكثر من 2.5 مليون شخص داخل الصومال.
ورغم أن مصطلح اللجوء المناخي لا وجود له رسميًا حتى الآن، إلا أن هناك مطالبات واسعة بأن تكون تغيرات المناخ سببًا لقبوا طلبات اللجوء.
في سبتمبر الماضي، دعت الأمم المتحدة على لسان مفوضة حقوق الإنسان ميشيل باشيليه لجعل الظروف البيئية سببا من أسباب قبول طلبات اللجوء بسبب الآثار المدمرة لأزمة المناخ والتلوث على الحقوق في بعض أنحاء العالم.
وقالت باشليه في جنيف “عندما يضطر الناس للانتقال لأن ظروف بيئتهم لم تعد توفر لهم دعم حياة كريمة، فإن دفعهم للعودة إلى مثل هذا الوضع ليس فقط مجردا من المبادئ، بل هو (أسلوب) غير محتمل على الإطلاق”.
وقالت المسؤولة الأممية إن “أزمات الكوكب الثلاث” المتمثلة في تغير المناخ والتلوث وخسارة مساحات طبيعية تمثل أكبر تهديد منفرد لحقوق الإنسان عالميا.
وأضافت “مع ازدياد حدة تلك التهديدات البيئية، ستشكل أكبر تحد لحقوق الإنسان في عصرنا” مشيرة إلى أحداث مناخية وقعت مؤخرا وصفتها بأنها “بالغة الشدة وفتاكة” مثل فيضانات ألمانيا وحرائق الغابات في كاليفورنيا. وقالت “علينا أن نرفع مستوى ما نصبو إليه حقا لأن مستقبلنا المشترك يعتمد على ذلك”.
وكانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قد أصدرت حكمًا في العام الماضي، وصفَه مكتبها بأنه “تاريخي يؤكد أنه يجب على الحكومات والدول الأخذ بعين الاعتبار التغير المناخي، قبل قرار ترحيل طالبي اللجوء، وهو ما يعزز طلبات اللجوء السياسي على أساس التغيّر المناخي في المستقبل.
واستندت اللجنة في منطقها إلى الأحداث المتعلقة بالمناخ، والتي يمكن أن تحدث فجأة في أي مكان بالعالم مثل الأعاصير أو الفيضانات، أو الأحداث ذات الآثار التدريجية مثل ارتفاع منسوب مياه البحر أو انحسار التربة، هذه الأوضاع قد تدفع بالأشخاص إلى البحث عن الأمان في دول أو أماكن أخرى، وعلى المجتمع الدولي مساعدة الدول المتأثرة سلبا بتغير المناخ.
اقرأ أيضًا.. تغيرات المناخ والإرهاب.. رصاصة جديدة في قلب الشرق الأوسط
اللجوء المناخي ومصر والشرق الأوسط
حول مسألة اللجوء المناخي، يقول د. عزت جاد الله الخبير البيئي ورئيس منظمة “مصر الخضراء” البيئية إن مسألة الاعتراف بـ اللجوء المناخي لأسباب بيئية في القانون الدولي أصبحت مسألة وقت، حيث أن التطور التشريعي والأخلاقي لحقوق الإنسان لمواكبة المستجدات العالمية أمر طبيعي، بما فيها تفاصيل التغير المناخي الذي بات سببا لفقدان الأوطان ومهددا للحياة ويفرض على الدول الأخرى أخذه بعين الاعتبار عند تفنيد أسباب اللجوء.
ويؤكد جاد الله أن التحفظ الذي يلحق بمفاهيم ومصطلحات الظاهرة، من ذلك اللجوء المناخي أو الايكولوجي، أو الهجرة المدفوعة نتيجة التغيرات البيئية، سوف يختفي مع الوقت، عند تتردد بكثرة هذه المصطلحات في المستقبل، وتجبر العالم على الاعتراف بها.
لكنه أيضًا لا يتوقع حدوث ذلك قريبًا، مؤكدًا أن العمل على اتفاقية جديدة فيما يتعلق بـ”اللجوء المناخي” قد يستغرق وقتاً طويلاً جداً وقد لا توافق عليه بعض الدول.
ويرى جاد الله أن ظاهرة اللجوء المناخي هي أقرب ما تكون للشرق الأوسط، حيث أن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيؤثر بقوة على الشرق الأوسط وسيتسبب في إطلاق موجات لجوء جديدة قادمة من دول المنطقة.
حيث أن الكثير من المناطق سوف تكون غير صالحة للسكن بالنسبة للإنسان والحيوان بحلول 2050، ما سوف يؤدي إلى زيادة الضغط نحو الهجرة واللجوء المناخي.
فيما يقول دكتور خالد أبو دوح، أستاذ علم الاجتماع السياسي المساعد بجامعة سوهاج، أن اللجوء المناخي أو البيئي مــن الظواهـر الجديـدة التــي بـرزت نتيجـة تدهـور مسـتويات الأمن البيئـي فــي بعــض الــدول، ما أطلــق عليــه مصطلـح “اللاجئون البيئيـون”.
وهــم هؤلاء الأشخاص الذيـن لـم يعـودوا قادريـن علـى الحياة وكسـب العيش الآمن في مناطقهـم الجغرافية أو أوطانهـم؛ بسـبب المشكلات البيئيـة، مثــل، الجفاف، أو تآكل التربة والتصحر وإزالة الغابات، وارتفـاع مسـتوى البحـر، وغيرهـا مـن مشكلات البيئـة والتغيـر المناخـي.
ومـن ثـم يشـعر هؤلاء الأشخاص أنـه لا بديـل أمامهـم سـوى البحث عن ماذا فــي مـكان آخـر، سـواء أكان داخـل وطنهـم أو خارجـه، وهنــاك مــن انتقـد هـذا المفهـوم، واسـتبدل مفهـوم الهجـرة البيئية، أو المهاجريـن البيئييـن به.
ويرى أبو دوح أن مسألة الهجرة المناخية والبيئية ليست بعيدة بأي حال من الأحوال عن مصر، والشرق الأوسط بشكل عام.
وأنه مـن المرجـح أن تتسـبب الضغـوط البيئيـة الحاليـة والمسـتقبلية في تنامـي معدلات الهجرة الداخليـة في مصر، إمـا مـن البيئـات الريفيـة إلـى البيئـات الحضريـة، وإمـا مـن البيئـات الريفيـة المتدهـورة إلـى تلـك التـي لا تـزال قـادرة علـى الحفـاظ علـى النمـو الزراعـي، كما يمكن للنزوح أن يتجاوز الحدود، لـو تزايـدت الضغـوط البيئيـة.
ويقول: ” إنه في حالـة حـدوث التغييـرات البيئيـة المتوقعـة فـي مصـر، فـإن الزيـادة فـي أعـداد النازحيـن داخليـا، خاصـة تيـار النـزوح المتدفق إلـى القاهرة والمدن الكبـرى، يمكـن أن تتسـبب فـي تدهـور البنيـة الاقتصادية؛ وفي مستوى الرفاهية الاجتماعية.
ويجـب الانتباه هنـا، إلـى أنـه مـن المعتـاد، النظـر إلـى الهجـرة الداخليـة عمومـا، علـى أنهـا هجـرة اقتصاديـة، نظـرا لعـدم وجـود أسـلوب للتمييـز بيـن المهاجريـن داخليـا حسـب الأسباب، كمـا أن هنـاك العديـد مـن العوامـل التـي تتدخـل فـي قـرارات الهجـرة، بالنسـبة للأشخاص المتأثرين.
وينوه أبو دوح لنقطة مهمة، وهي أن مصـر كانـت تاريخيـًا بلـدًا مقصـودا للاجئين التقليدييـن والمهاجريـن لأسـباب اقتصاديـة، علـى حـد سـواء، ومعظمهـم مـن الـدول المجـاورة ومـن شـرق إفريقيـا.
حيث تستضيف مصر بالفعل لاجئين من ٣٥ دولة على الأقل، أسـهم فـي ذلـك، موقـع مصـر بين الشـرق الأوسط وإفريقيـا وأوروبـا الـذي جعلهـا دولـة عبور رئيسـة، وإحدى الوجهات من حيث التحركات المختلطـة للسـكان.
لـو أضفنـا إلـى ذلـك، أنـه تـم تحديـد شـرق إفريقيـا وجنـوب الصحـراء، علـى أنها المناطـق الأكثر عرضـة لمخاطـر التدهـور البيئـي فـي القـارة الإفريقية.
مـع الوضـع فـي الاعتبار طـرق الهجـرة الثابتـة من هذه المناطق إلى مصر، فمن المتوقع، حسـب إحدى الدراسـات أن ينتهي الأمر بالعديـد مـن الأشخاص إلـى عبـور الحـدود إلـى مصـر وطلب اللجوء المناخي، إذا اسـتمر الوضـع البيئـي المتدهـور في مناطقهـم، مما يزيد من العبء على الدولة المصريـة.