يعتبر فيلم Don’t Look Up أو “لا تنظر لأعلى” الذي أطلقته منصة “نتفليكس” قبل أيام، هو أعلى صرخة من نوعها يطلقها نجوم هوليوود بشأن تغير المناخ.
الفيلم، الذي أخرجه المخرج الأمريكي الشهير “آدم مكاي”، وكتبه ديفيد سيروتا، يوجه نقدا للواقع السياسي والإعلامي في أمريكا، ويتناول بسخرية لاذعة مسائل مهمة مثل التشكيك بالعلم، الجشع، تفوق المصلحة السياسية على المصلحة العامة، مواقع التواصل التي تحرك المجتمع وتصبح بوصلته، نظرية المؤامرة التي تحولت إلى حقيقة.
يضم الفيلم طاقمًا مرصعًا بالنجوم، من أهم وأشهر الأسماء في “هوليود” في الوقت الحاضر، ليوناردو دي كابريو وجينيفر لورانس وميريل ستريب وجونا هيل وكيت بلانشيت وأخرين.
يروي فيلم Don’t Look Up قصة عالميْن فلك مغموريْن، يجسّد دوريهما جينيفر لورنس وليوناردو دي كابريو، يحاولان مراراً وتكرارًا تحذير العالم من نيزك يوشك على تدمير الأرض في غضون ستة أشهر، ويفعلان كل ما بوسعهما خلال تلك الفترة لتحذير وحثّ صنّاع القرار على التحرّك وأخذ التحذيرات على محمل الجد، لكن بلا جدوى.
وعندما فشلوا، أطلقوا حملة إعلامية كبيرة لتحذير سكّان الأرض مباشرةً على مرأى ومسمع من الجميع، عبر نشر مسألة المذنب الذي يوشك على مهاجمة الأرض، ويهدد بفناء البشرية، مطالبين الجميع بالتحرّك قبل فوات الآوان، لكن التحذيرات تصطدم مجددًا باستخفاف وعدم اهتمام، وتواجَه بسخرية من الإعلاميين الذين سرعان ما حولوا الخبر إلى مادة للتسلية الإعلامية على مواقع التواصل، في انعكاس واضح لطريقة تعامل عالمنا مع المشاكل البيئية بإهمال كبير وانعدام جدية.
يلقي فيلم Don’t Look Up الضوء أيضًا على العديد من العيوب الضخمة في أسلوب حياة المجتمعات الإنسانية التي نعرفها اليوم، ورغم أنه يفعل ذلك باستخدام رمزية المذنب الخيالي الذي يتحرك في طريقه للأرض ويهدد بنهاية العالم، إلا أن الرسائل الإنسانية العميقة كانت حاضرة طوال الوقت.
في بداية الفيلم، نرى عالمًا لا يختلف عن عالمنا اليوم، وسائل الإعلام الشعبية تطارد المشاهير، وأخبار الصحف تبدو مألوفة، وتركز على توافه الأمور، والناس يهربون لوسائل التواصل الاجتماعي.
تجري العالمة الفلكية كيت ديباسكاي (جينيفر لورانس) المرشحة لنيل درجة الدكتوراه في علم الفلك، بعض الأبحاث باستخدام تلسكوب سوبارو، وتكتشف مذنبًا على مقربة من كوكب الأرض.
تتحرك كيت بسرعة، وتهرع على الفور لتبلغ أستاذها الدكتور راندال ميندي ( ليوناردو دي كابريو ) بما توصلت إليه، فيصدم الرجل مما قالته كيت من معلومات خطيرة ويقرر تصعيدها إلى وكالة ناسا.
يذهب راندال بصحبة كيت إلى البيت الأبيض حيث يلتقيان برئيسة الولايات المتحدة جاني أورليان (ميريل ستريب) التي تتجاهل تحذيرهما المذعور، وفي إطار كوميدي، نرى المفارقة في مواقف رئيسة الولايات المتحدة المتباينةى، حيث تهتم بشدة بحملتها الرئاسية المقبلة وتتجاهل في نفس الوقت خطر يهدد البشرية بالفناء.
تستمرّ أحداث الفيلم وسط كوميديا سوداء اعتبرها النقّاد تجسّد واقعنا اليوم، فبطلا الفيلم يحاولان تنبيه الجميع من أن خطورة المذنب تزداد، حيث اقترب من الأرض بما يكفي للتسبب في فناء الكوكب بما فيه، لكن بلا جدوى أيضًا.
نراهم مثلا يتوسلون للحصول على وقت من إحدى القنوات لبث ما لديهم، مؤكدين أن الوقت لم يفت بعد، وأن هناك إمكانية للتصدي لهذا الخطر في حال تحرك العالم فورًا لتجنب الكارثة.
لكن في غضون ذلك، تنفصل نجمة البوب الشهيرة رايلي بينا (أريانا غراندي) عن صديقها، والعالم ينشغل بقصة طلاق النجمة الشهيرة ويتجاهل الكارثة التي تتجه نحوه بأسرع مما يتخيل.
قرب نهاية الفيلم، ينجح راندال وكيت أخيرًا في توصيل تحذيراتهم لبقية العالم عن المذنب الذي يندفع باتجاههم من الفضاء الخارجي، وفي هذه المرحلة، يدرك الناس مدى خطورة هذا التهديد، لكن بعد فوات الأوان.
المذنب يضرب الأرض بالفعل ويدمرها في مشهد بطيء الحركة، ويقضي على كل من عليها.
أما رئيسة الولايات المتحدة فتمكنت من الهرب على متن سفينة فضاء يمولها الملياردير التكنولوجي بيتر إيشرويل (مارك ريلانس) بعد أن قام العلماء بتجميد جسدها.
ثم يكشف المشهد الأخير للفيلم عن هبوط السفينة على كوكب آخر بعيدًا عن الأرض وفي المستقبل البعيد، ونرى الركاب جميعًا بعد أن فكوا تجميدهم، ثم هبطوا على الكوكب عراة تمامًا.
وينتهي الفيلم بمشهد لمخلوق فضائي طويل القامة يشبه النعامة يهاجم رئيسة الولايات المتحدة، أورليان، ويقتلها.
اقرأ أيضًا.. 5 نتائج ينتظرها العالم من قمة المناخ في مصر COP27
Don’t Look Up وتغير المناخ؟
منذ عرض Don’t Look Up على المنصة العالمية الجمعة 24 ديسمبر، خلق الفيلم ضجة وجدلاً واسعيْن، أولًا لربطه بأزمة تغيرات المناخية العالمية، وثانيًا لما أظهره من مفارقات ومواقف هزلية من أشخاص مسؤولين منوط بهم أخذ تحذيرات العلماء على محمل الجد، والتحرّك السريع لتوعية سكان الأرض وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
رغم أن الفيلم ساخر للغاية بطبيعته، إلا أنه يقدم صورة واقعية مخيفة لميل الجنس البشري لتكذيب الحقائق التي يصعب ابتلاعها والتي لا يمكن رؤيتها بشكل ملموس، لصالح الأكاذيب التي يمكن فصلها بسهولة.
في فيلم ” لا تنظر لأعلى”، يُفترض أن المذنب يمثل ما كان العلماء يحذروننا منه منذ سنوات، وهو تغير المناخ.
هذا ليس استنتاجًا، فـ ليوناردو دي كابريو قبل عرض فيلم “لا تنظر لأعلى” وصفه بأنه هدية فريدة من نوعها على نحو مدهش.
وكان دي كابريو يتطلع إلى عمل فيلم عن أزمة المناخ، لكن “العثور على قالب مناسب كان صعبًا ” حسب تعبيره.
وأضاف “كنا نريد نقل رسالة بشأن أزمة المناخ وحل آدم (مكاي) هذه الأزمة بابتكار هذا الفيلم”.
وبعد عودته من مؤتمر الأطراف الدولي السادس والعشرين للمناخ (COP26) في جلاسكو، قال دي كابريو إن الفيلم ينجح في إثارة الحماسة بشأن أزمة نشأت منذ أكثر من قرن، فكيف يمكننا كجنس بشري ومجتمع وثقافة أن ندير سياسيا، نهاية عالم داهمة.
وأضاف “خلال ساعتين، ينجح الفيلم في إظهار عبثية استجابتنا كجنس بشري لأزمة المناخ”.
كشف دي كابريو أيضًا عن أنه انجذب إلى الفيلم لأنه أراد أن يدعم العلماء، وقال: “أردت أن أرفع قبعتي للأشخاص الذين يكرسون حياتهم لهذه القضية ، والذين يعرفون ما الذي يتحدثون عنه “.
وتمنى دي كابريو التقدم في الجهود المبذولة لمعالجة أزمة المناخ، وقال: “نأمل أن تبدأ أفلام في إنشاء محادثات مختلفة لإحداث تغييرات هائلة” في قضية المناخ.
من المعروف أن دي كابريو يستخدم منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي بشأن أزمة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، وإلهام التغيير في الطريقة التي يتفاعل بها البشر مع آثارها.
ودعم نجم هوليوود من قبل خروج ملايين الشباب في مظاهرات عالمية للمطالبة باتخاذ إجراءات حاسمة لحماية البيئة والحد من تأثير التغير المناخي، داعيًا الجميع بالانضمام إلى الحركات المطالبة باتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لأزمة المناخ.
وعين دي كابريو الحاصل على جائزة الأوسكار مبعوثا للأمم المتحدة لمكافحة التغير المناخي في 2014، ويعد أحد أبرز النشطاء في مجال البيئة؛ إذ سبق وقاد تظاهرة حاشدة أمام البيت الأبيض في 2017؛ للتحذير من مخاطر تغير المناخ والاحتباس الحراري، ومطالبًا إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باتخاذ إجراءات حاسمة لحماية الأرض.