لا شك أن تغيرات المناخ أصبحت الآن أولوية ملحة على جدول أعمال جميع الدول والمؤسسات والكيانات، بما في ذلك المؤسسات الدينية حول العالم، حيث أصبح المناخ جزءًا من الخطابات الدينية خلال الأعوام الماضية، لتحذير الشعوب من مغبة الممارسات الخاطئة التي تضر بالبيئة والمناخ.
الكنيسة المصرية لها دورًا مهمًا في ذلك، ظهر بوضوح في الفترة الأخيرة، عندما تبنى قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عددًا من المبادرات لمواجهة أثار تغير المناخ، بجانب دعمه المستمر لقضية المناخ، والذي يظهر بوضوح في تصريحاته، وكان أخرها ليلة عيد الميلاد المجيد.
لم يفوت قداسة البابا الفرصة خلال استقباله للدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، التي جاءت إلى مقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، لتقديم التهنئة بمناسبة عيد الميلاد المجيد، ليؤكد مجددًا على دعمه لحماية البيئة ولمؤتمر الأمم المتحدة للأطراف بشأن تغيرات المناخ كوب 27 المزمع اقامته في شرم الشيخ نهاية العام الجاري.
وفق بيان وزارة البيئة، الصادر اليوم الخميس، لم يقتصر اللقاء على التهنئة بـ عيد الميلاد المجيد فقط، بل تطرق لموقف الكنيسة المصرية من قضايا البيئة وتغيرات المناخ.
واتفق البابا مع وزيرة البيئة خلال اللقاء على أهمية دمج البعد البيئي في حياة المواطنين، والمشاركة المجتمعية في الحفاظ على البيئة وموارد البلاد الطبيعية.
وأشار البابا إلى أن قضية التغيرات المناخية التي يشهدها العالم بأكمله تحتاج إلى أن تضافر جهود الجميع، وأن تتعاون كل الأطراف لحماية البيئة من أثار التغيرات المناخية.
وطلبت وزير البيئة من البابا دعمه لجهود الوزارة من أجل استضافة مؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية cop27، وأعرب البابا، ردًا على فؤاد، عن تمنياته لمصر بالتوفيق في تنظيم مؤتمر تغير المناخ المقبل نهاية العام .
أسفر اللقاء أيضًا عن اتفاق بين الوزارة والكنيسية لتوثيق التعاون بشأن حملات رفع الوعى البيئي لدى المواطنين، والتدريب لحماية البيئة، استكمالا للدور الذي تقوم به الكنيسة في هذا الشأن.
للكنيسة المصرية مواقف بارزة فيما يخص قضية التغيرات المناخية، تحديدًا خلال العامين الماضيين، حيث أعلنت عن العديد من المبادرات الخضراء لمواجهة أثار التغيرات المناخية.
كان أخرها وأبرزها، في ديسمبر الماضي، عندما أطلقت الكنيسة المصرية برعاية قداسة البابا تواضروس الثاني، مبادرة ومسابقة في آن بين الكنائس والإيبارشيات، لزراعة الأشجار داخل الكنائس وخارجها، من أجل مواجهة تغيرات المناخ، حملت اسم “مبادرة في مسابقة”.
وقالت الكنيسة في بيانها أنذاك، إن مبادرة زراعة الأشجار بجميع الكنائس والإيبارشيات، جاءت من منطلق حرص الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الشديد بشأن قضية التغيرات المناخية.
أعلنت بطريركية الأقباط عن تخصيص 12 جائزة بقيمة ۲50 ألف جنيه تقدم للكنائس الفائزة بحسب أعداد الأشجار المزروعة والنامية والتنسيق الجمالي لها.
وتركت البطريركية حرية اختيار نوع الأشجار المزروعة للكنائس المشاركة وفق مناسبتها للبيئة الخاصة بالمكان، لكنها أيضًا أكدت أنها تفضل زراعة أشجار الزيتون والرومان والتوت.
كما شددت على مراعاة التنسيق في الزراعة والمظهر الجمالي، مرحبة بالزراعة داخل الكنائس وخارجها والبيئة المحيطة، ومطالبة بزراعة ما لا يقل عن ۱۰۰۰ شجرة في المطرانية الواحدة.
اقرأ أيضًا.. نعم.. التغيرات المناخية هي السبب في ثلوج الإسكندرية “3 خبراء يؤكدون”
عيد الميلاد المجيد ومفاجأة الكنيسة
علمت اوزون أن الكنيسة المصرية بتوجيه من البابا تواضروس، تجهز مشروعًا كبيرًا لمواجهة التغيرات المناخية، وأن مبادرة الأشجار سالفة الذكر مجرد تمهيد لهذا المشروع.
ووفق مصادرنا، فور إعلان الفائزين وتقديم الجوائز الخاصة بالمبادرة في نوفمبر المقبل، أي في نفس توقيت انعقاد قمة المناخ، سوف تتقدم الكنيسة بالمشروع كاملًا إلى المؤتمر العالمي الذي سوف ينعقد في شرم الشيخ، بحضور رؤساء دول ووزراء ومسئولي ملفات البيئة على مستوى العالم.
المشروع، وفق ما لدينا من معلومات، سيقدم الحلول وسبل الدعم لحل مشكلة تغير المناخ، من منطلق دور الكنيسة في المساهمة في حل مشكلات المجتمع المحيط بها، باعتبارها جزء منه.
وتؤكد تصريحات الكاتب الصحفي كرم جبر، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ما وصلنا من معلومات حول المشروع الذي تعده الكنيسة، حيث قال جبر خلال لقاء مع إحدى القنوات التلفزيونية، إنه التقى بالبابا تواضروس لتهنئته بـ عيد الميلاد المجيد، مؤكدًا أن الكنيسة ستطلق مبادرة في الداخل والخارج استعدادا للاحتفالية المتعلقة باستضافة مصر قمة المناخ هذا العام.
وفق جبر، ستشمل المبادرة زراعة أشجار في المدن وتحديدًا في شرم الشيخ، وأن البابا يرى استضافة مصر لقمة المناخ سوف تنقلها لمكانة كبيرة دوليًا.
ومن ضمن الأفكار التي تدرسها الكنيسة من أجل ضمها للمشروع، وفق مصادرنا، مبادرة الكنائس الخضراء، والتي اقترحتها مؤسسة شباب بتحب مصر العام الماضي، وتعتمد على التحول نحو الطاقة النظيفة في إضاءة المباني التابعة للكنيسة، سواء الدينية أو الإدارية، وذلك باستخدام الكهرباء المولدة عن طريق الطاقة الشمسية، من أجل التكيف مع أثار التغيرات المناخية.
مبادرة “الكنائس الخضراء” نالت دعم قداسة البابا تواضروس، وذلك في إطار البناء على نتائج مؤتمر الأطراف السابق في جلاسكو، والإعداد للمؤتمر المقبل بشرم الشيخ.
وتتولى وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ملف المبادرة حاليًا، لبحث ودراسة طرق تحقيقها على أرض الواقع.
وكان للمتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية المطران موسى إبراهيم تعليقًا مهمًا عن دور الكنيسة في مواجهة التغير المناخي، حيث أكد أن الكنيسة تتعاون مع وزارة البيئة وفروعها في جميع المحافظات، وكذلك مع إدارات الطاقة الحيوية ، والأحياء، والمجالس المحلية، ووزارة الموارد المائية والشركة القابضة لمياه الشرب، وشركة الصرف الصحي، لتوعية المواطنين بالبيئة وطرق حمايتها والتغير المناخي وطرق مواجهته.
وقال المطران موسى إن التغير المناخي من أكبر التحديات التي تواجه العالم خاصة على المستويين البيئي والزراعي، فهو يهدد استقرار الأمن الغذائي ويقوض سبل العيش ويزيد من احتمالات النزاعات والصراعات لتوفير الاحتياجات الأساسية لحياة البشر.
وأضاف أن التغير المناخي السريع الذي يشهده العالم حاليًا زاد من احتمالية حدوث كوارث بيئية وفاقم من حدتها ما يقوض الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لدول العالم و يؤدي إلى زيادة عدد المهاجرين.
لذلك، تعمل المجتمعات الدولية والوطنية جاهدة لإيجاد استراتيجيات للحد من تأثير تغير المناخ وتوفير الحماية للمتضررين، والكنيسة تضع هذا الملف ضمن أولوياتها.
جدير بالذكر أن مصر سوف تستضيف الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ لعام 2022، والمقرر عقدها في مدينة شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر.
وتستعد كافة الوزارات وأجهزة الدولة لهذا الحدث الاستثنائي، والذي يشارك فيه قادة ورؤساء ومسئولون من مختلف دول العالم، ويحظى باهتمام رسمي وشعبي كبير.
تعد مصر من أكثر الدول المتضررة من أثار التغيرات المناخية، نظرًا لوقوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي أكثر بؤرة عالمية مهددة باحترار مضاعف عن بقية العالم، وفق الدراسات الدولية.
وتنتج مصر حوالي 250 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنويًا، ما يعادل حوالي 0.6% من جملة الانبعاثات العالمية، وفق البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو رقم ضئيل لا يتناسب أبدًا مع حجم الضرر المتوقع للبلاد من جراء الانبعاثات الدولية.