تظهر دراسة جديدة أن كميات كبيرة غير متناسبة من الكربون تتراكم في قاع خنادق أعماق البحار والمحيطات.
ووفق الدراسة التابعة للمركز الدنماركي لأبحاث الحدال (HADAL) بجامعة جنوب الدنمارك، قد تلعب الخنادق دورًا مهمًا في تخزين المواد العضوية في أعماق البحار، وبالتالي في توازن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
تعدّ الخنادق المحيطية بمثابة منخفضات سطحية توجد في أعمق البقاع في قاع المحيط، وتتميز بأنها نصف كروية طويلة ولكنها ضيقة. وأشهرها توجد في المحيط الهادي.
تعد خنادق أعماق المحيطات من أقل الأماكن استكشافًا على الأرض، نظرًا لصعوبة الوصول إليها، فهي مناطق مظلمة تمامًا والضغط فيها مرتفع للغاية.
لذلك فإن جمع العينات وإجراء قياسات موثوقة للعمليات التي تنظم دوران المواد العضوية في أعماق المحيطات أمر صعب للغاية.
لكن في السنوات الأخيرة، قام الباحثون بعدد من الرحلات الاستكشافية إلى خنادق أعماق البحار، وطوروا واستخدموا روبوتات متطورة تحت الماء.
اقرأ أيضًا.. تعرف على أكثر 10 دول بالعالم تضررًا من تغير المناخ بينهم دولتان عربيتان
المحيط مكب نفايات
أظهرت هذه الدراسة وغيرها أن الخنادق شديدة الانحدار في أعماق البحار تتراكم فيها مواد مختلفة بما في ذلك الكربون العضوي الذي ينتهي في قاع الخنادق.
في ثلاث دراسات حديثة، أفاد الباحثون أن الكربون العضوي الذي يصعب تحلله، بما في ذلك ما يسمى بالكربون الأسود، يتراكم بكميات كبيرة في قاع الخنادق. يمكن الاطلاع على الدراسات هنا وهنا وهنا .
يتكون الكربون الأسود من جزيئات تشكلت أثناء حرق الوقود الأحفوري والخشب والغابات، وباقي الأنشطة التي تؤدي أيضا إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون.
وبالتالي فإن تكوّن الكربون الأسود يعد مؤشرا على مدى حرق الحفريات.
يمكن أن تساهم الجسيمات نفسها أيضا في الاحترار، حيث تحملها الرياح والطقس إلى المناطق المغطاة بالجليد، مثل المناطق القطبية، وتستقر على الجليد والثلج، مما يزيد من امتصاص الحرارة وبالتالي ذوبان الجليد.
يقول روني إن جلود، أستاذ ورئيس المركز الدنماركي لأبحاث هادال: “كميات كبيرة من الكربون الأسود ينتهي بها المطاف في قاع خنادق أعماق البحار”.
بحسب فريق البحث، ففي كل عام، يتم تخزين ما بين 500,000 و 1,500,000 طن من الكربون الأسود في أعماق البحار. تحديدًا في الجزء الذي يقع على عمق أكثر من ستة كيلومترات.
وبالمقارنة، ينبعث 66,600,000 – 7,200,000 طن من الكربون الأسود سنويا من حرق الوقود الأحفوري.
يبني الباحثون حساباتهم على عينات الرواسب التي استعادوها من مختلف الخنادق في أعماق البحار، والتي يتجاوز عمقها ستة كيلومترات وبالتالي فهي جزء من عالم الهادال، حيث تغطي منطقة هادال 1٪ من قاع البحر.
منطقة هادال، المعروفة أيضًا باسم منطقة هادوبلاجيك، أو الهاوية بالعربية، هي أعمق منطقة في المحيط، وتقع داخل الخنادق المحيطية.
بجانب ما يترسب في الأعماق من كميات كبيرة بشكل غير متناسب من الكربون الأسود، وجد الباحثون أنواع كربون أخرى مرنة والتي يصعب تحللها.
تظهر الدراسات أن كل متر مربع في الأجزاء المركزية من خندق أعماق البحار يدفن 70 ضعفًا من الكربون الأكثر مرونة مقارنة بأعماق البحار بشكل عام.
يقول البروفيسور جلود: “على الرغم من أن منطقة هادال لا تشكل سوى جزء صغير جدا من قاع البحر، إلا أنه يتم تخزين الكربون هنا بشكل غير متناسب أكثر من أعماق البحار بشكل عام، لذلك، على الرغم من حقيقة أن الخنادق العميقة لديها معدل دوران ميكروبي مرتفع نسبيا، فإن منطقة هادال وخنادق أعماق البحار بمثابة خزانات مهملة للكربون المخزن وبالتالي تمثل جزءا من دورة الكربون العالمية وتتصدى لمعدل تراكم CO2 في الغلاف الجوي”.
اقرأ أيضًا.. سيناريوهات غرق الإسكندرية.. هل يعيد التاريخ نفسه في 2050؟ تحقيق
من أين يأتي الكربون؟
لا يستطيع الباحثون أن يقولوا على وجه اليقين من أين يأتي محتوى خنادق أعماق البحار من كربون مترسب. ووفق ما أشار إليه جلود، فالعمل على هذا الأمر لا يزال مستمرا.
لكن يتوقع الباحثون أنه يمكن أن يكون نتيجة حرق الوقود الأحفوري في البلدان المجاورة مثل نيوزيلندا وأستراليا وتشيلي، والتي ترسل الكربون الأسود إلى البحر مع الرياح.
تتوافق هذه الفرضية مع حقيقة أن محتوى الكربون الأسود هو الأعلى في الخنادق القريبة من البلدان الصناعية، في حين أن الخنادق القريبة من البلدان الأقل تصنيعا مثل بابوا غينيا الجديدة تحتوي على محتوى أقل من الكربون الأسود.
ومع ذلك، فإن عوامل مثل اتجاه الرياح وتيارات المحيط وحرائق الغابات قد تربك مثل هذه العلاقات.
وفقا لروني ن. جلود، تعمل خنادق أعماق البحار كمناطق تخزين للمواد العضوية، وتسهل العملية عن طريق الزلازل المتكررة، والتي هي سمة من سمات أنظمة منطقة هادال.
ويقول: “تحمل الزلازل كميات كبيرة من المواد إلى أعمق أجزاء الخنادق وتدفنها في رواسب خالية من الأكسجين. هنا، سوف تتراكم المواد على مدى قرون وآلاف السنين”.
ويوضح: ” نعلم اليوم أن خنادق هادال تتمتع بحياة غنية ومتنوعة، فهي ديناميكية ومتنوعة للغاية، وأن هذه المواد من الأرض والسطح تجد طريقها إلى الداخل- للأسف هذا يشمل أيضًا البلاستيك والملوثات- على سبيل المثال، لقد أظهرنا سابقًا أن الرواسب في هادال تحتوي على مستويات عالية بشكل مدهش من الزئبق”.
ويضيف: “لطالما استخدم الإنسان البحر وأعماق البحار كمنطقة نفايات بحجة أنه “بعيدًا عن الأنظار وبعيدًا عن الأذهان”. لكننا نعلم اليوم أن هذا ليس صحيحًا”.