مع استمرار البشرية في إطلاق غازات الدفيئة، يحبس الغلاف الجوي للأرض المزيد والمزيد من الحرارة الآتية من الشمس، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة كوكبنا باطراد، ليصبح البشر أمام معضلة وجودية باتت تعرف بـ “أزمة التغير المناخي”.
تتمثل إحدى الإستراتيجيات لمواجهة هذا التحدي، في اعتراض جزء من أشعة الشمس في الفضاء قبل وصولها إلى كوكبنا. ولعقود طويلة، دأب العلماء على البحث عن آلية تحدّ من وصول بين 1 أو 2 في المائة من أشعة الشمس؛ للتخفيف من آثار الاحتباس الحراري.
يبدو أن سعي العلماء بدأ يؤتي ثماره أخيراً، إذ نُشرت دراسة حديثة، يوم الأربعاء، في دورية PLOS Climate، تقول إنّ ثمة إمكانية لاستخدام الغبار الكوني لدرء أشعة الشمس، قاد هذه الدراسة علماء بمركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء، بمشاركة جامعة هارفارد ومؤسسة سميثسونيان وجامعة يوتا.
وعن منهجية الدراسة، يقول سكوت كينيون، المؤلف المشارك في الدراسة: “أجرينا بحث حول إمكانية وضع مجموعة من جزيئات الغبار الصغيرة بين الأرض والشمس، والتي من شأنها أن تكون بمثابة “مظلة شمسية”. كما أجرينا مجموعة من الحسابات الدقيقة؛ لتحديد أفضل أنواع جزيئات الغبار والكمية المطلوبة منه، وأفضل مكان يمكن أن يوضع فيه.
ويضيف في تصريحات خاصة لـ “أوزون”: “من بين عدّة احتمالات، حددنا أنّ وضع غبار القمر عند نقطة لاغرانج L1 يمكن أن يعمل كمظلة شمسية للأرض؛ حيث تكون قوى الجاذبية في هذه النقطة بين الشمس والأرض متساوية وفي اتجاهات متعاكسة”.
وتعرف نقاط لاغرانج بأنها نقاط مميزة في ميكانيكا الأجرام السماوية، وهي النقاط التي تتوازن عندها قوى الجاذبية.
وتميل الأجسام في نقاط لاغرانج إلى البقاء على طول المسار بين الجسمين الأرض والشمس، ولهذا السبب يقع تلسكوب جيمس ويب الفضائي في نقطة L2، وهي إحدى نقاط لاغرانج، من بينها أيضاً نقاط L1 التي اعتبرها العلماء النقطة المناسبة لوضع الغبار الكوني.
اقرأ أيضًا.. الهندسة الجيولوجية الشمسية.. محاولات علمية للتدخل في نظام المناخ على الأرض
الغبار القمري
تشكل الكواكب عملية فوضوية تؤدي إلى إطلاق الغبار الكوني، والذي يشكل حلقات حول النجوم المضيفة. تعترض هذه الحلقات الضوء القادم من النجم المركزي، وتعيد إشعاعه مجدداً، ألهمت هذه المعرفة فريق البحث لتطوير هذا مفهوم ابتكار مظلة تحمي الأرض من أشعة الشمس.
أثناء المحاكاة الحاسوبية كان ثمة عدد من الاحتمالات، من بينهم سيناريوهان واعدان لوضع الغبار الكوني في نقطة لاغرانج L1، بالاعتماد على دراسة تكوين الكواكب حول النجوم.
السيناريو الأول اعتمد على وضع منصة في محطة فضائية، تطلق الغبار الكوني الذي يمكن توفيره ونثره بسهولة من الرياح الشمسية والإشعاع والجاذبية داخل النظام الشمسي، لكن ثمة صعوبة ينطوي عليها تنفيذ هذه العملية، كون الغبار يتبدد سريعاً، وهو ما يترتب عليه وجود حاجة دائمة لتوفير إمداد لا نهائي من الغبار الكوني كل بضعة أيام.
في السيناريو الثاني، أطلق الباحثون الغبار القمري من منصة على سطح القمر باتجاه الشمس. ووجدوا أن الخصائص الكامنة في الغبار القمري كانت مناسبة تماماً للعمل بفعالية كواقي شمسي. اختبرت عمليات المحاكاة الحاسوبية كيفية نثر الغبار القمري على طول مسارات متباينة، حتى اكتشفوا مسارات ممتازة تستهدف نقطة لاغرانج L1، والتي كانت بمثابة حاجب شمسي فعال.
يقول الفريق البحثي إنّ هذه النتائج زفت أخباراً سارة، لأن الطاقة اللازمة لنثر الغبار من القمر أقل تكلفة بكثير من الاعتماد على غبار الأرض، وهذا مهم لأن كمية الغبار المطلوبة لعمل “مظلة شمسية” كبيرة للغاية.
اقرأ أيضًا.. 3 نبوءات لـ ستيفن هوكينغ عن مصير الأرض في حال استمر الاحتباس الحراري
مهمة صعبة
بن بروملي، أستاذ الفيزياء وعلم الفلك في جامعة يوتا والمؤلف الرئيسي للدراسة، يقول من جانبه إنّ “جوهر دراستنا هو أنه من خلال بذل جهد كبير، يمكننا استخدام غبار القمر لتعتيم الشمس لفترة زمنية قصيرة، إذا كان ذلك سيكون مفيداً كجزء من استراتيجية مكافحة تغير المناخ”.
ويضيف لـ “أوزون”: “الهدف هو تقليل الإشعاع القادم من الشمس بنسبة 1 إلى 2 في المائة، وربما لن يكون هذا التأثير ملحوظاً بالنسبة لنا، لكن نأمل من خلاله في كبح جماح التغير المناخي على مدار السنين المقبلة”.
وحول صعوبة تطبيق هذه الاستراتيجية عملياً، يرى بروملي أنّ ثمة إمكانيات لوجستية لدى البشر تُمكِّنهم من حجب أشعة الشمس من طريق “الغبار القمري”، لكن هذه المهمة ستتطلب تقنيات جديدة، والتزاماً كبيراً من البشر، كما أن ثمة حاجة لمزيد من الأبحاث حول العديد من التفاصيل.
سكوت كينيون، المؤلف المشارك في الدراسة، يعلق على إمكانية تنفيذ هذه الاستراتيجية، فيقول: لست متأكداً من أن الأمر سيكون سهلاً على الإطلاق! رغم أننا نرسل باستمرار مركبات فضائية إلى مدارات الأرض وحول النظام الشمسي، فإن هذه الجهود ليست بهذه السهولة.
ويستطرد: “من الناحية الفنية، هناك متطلبات عديدة، لأن الأدوات ستكون متطورة للغاية، ولن يكون هناك مجال لارتكاب أي أخطاء”.
استقبل المجتمع العلمي الدراسة بشيء من التحفظ، على نقلت وسائل إعلام عالمية، إذ أكد ستيوارت هازيلداين من جامعة إدنبره إمكانية استخدام الغبار القمري كمظلة، مشدداً على ضرورة اختيار “شكل الجسيمات المناسب والحجم المناسب والمكان المناسب تماماً”، وهو ما لا يعتبره سهلاً.
من جهتها، اعتبرت جوانا هاي من جامعة إمبريال كوليدج لندن أنّ “المشكلة الرئيسية هي الإيحاء بأن مثل هذه المشاريع ستحلّ أزمة التغيرات المناخية، بينما هي تعطي المتسببين فيها ذريعة للتوقف عن معالجتها، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.