اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم قرارا بالإجماع يسعى إلى الحصول على رأي استشاري بشأن تغير المناخ وحقوق الإنسان من محكمة العدل الدولية.
هذه اللحظة الفارقة بدأت بحملة منذ 4 أعوام، أطلقها مجموعة من طلاب جزر المحيط الهادئ الذين يكافحون تغير المناخ (PISFCC)، في فصل دراسي بكلية الحقوق في دولة فيجي الجزرية.
فيما بعد، تبنت حكومة فانواتو الحملة، ومضت فيها قدما كمسعى دبلوماسي وعملت جنبا إلى جنب مع 18 دولة على إعداد المسودة الأولى التي فازت في النهاية بدعم أكثر من 120 دولة عقب طرحها في الأمم المتحدة اليوم.
سيوفر الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية توضيحًا للدول بشأن التزاماتها بموجب القانون الدولي لحماية المواطنين من أضرار الآثار المناخية ومسؤوليتها في دعم حقوق الإنسان الأساسية.
وعلى الرغم من أن رأي المحكمة الدولية هنا غير ملزم للدول بطبيعته ، إلا أنه سيضيف وزنًا إلى الجهود الرامية لمساءلة الحكومات عن وعودها المناخية التي تتعهد بها في مفاوضات المناخ وفي المحافل متعددة الأطراف.
كما يمكن الاستشهاد برأي محكمة العدل في حال التقاضي بشأن وقائع مرتبطة بالمناخ وتأثيره على حقوق الانسان.
ما قصة القرار ومعناه؟
بدأ الأمر قبل أربع سنوات في فصل دراسي بجامعة جنوب المحيط الهادئ في دولة فيجي، عندما قرر طلاب القانون هناك أن رأيًا استشاريًا من محكمة العدل الدولية يمكن أن يكون أداة فعالة لتعزيز العدالة المناخية.
بدأ الطلاب في تبني هذا الأمر كحملة مدنية، وعملوا على إقناع حكوماتهم بأن تتبنى الأمر، واستجابت دولة فانواتو، وهي دولة جزرية في المحيط الهادئ، للحملة الطلابية.
صاغت فانواتو مشروع قرار يسعى للحصول على رأي استشاري من محكمة الأمم المتحدة بشأن حقوق الأجيال الحالية والمقبلة في الحماية من تغير المناخ.
يركز القرار على آثار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تغير مناخ العالم وتتسبب في آثار ضارة، خاصة على الدول الفقيرة.
تشرح الدكتورة أميرة الخلايلي استاذ الاقتصاد البيئي بجامعة ريودي جانيرو البرازيلية القرار لـ أوزون قائلة: “هذه ليست عملية تقاضي يرفعها فرد أو دولة ضد دولة أخرى، والرأي هنا لن يبت في أمور مثل التعويضات المطلوبة من الدول الملوثة الكبرى، ستقوم محكمة العدل الدولية فقط بتوضيح المسائل القانونية المهمة المتعلقة بأثار تغير المناخ على الناس، والتي لها تأثير مباشر وفوري عليهم”.
وفق الخلايلي، سيطلب القرار من محكمة العدل الدولية النظر في عدد من الأمور، أولها مدى التزامات الدول بموجب القانون الدولي لضمان حماية النظام المناخي وأجزاء أخرى من البيئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها النشاط البشري من أجل الدول والأجيال الحالية والمقبلة.
بموجب هذه الالتزامات، سيحدد رأي المحكمة الاستشاري التبعات القانونية للدول التي تسببت في إلحاق ضرر كبير بالنظام المناخي وأجزاء أخرى من البيئة، سواء بأفعالها أو بتجاهل الاستجابة السليمة، ويحدد حقوق أي شخص يتأثر بالآثار الضارة لتغير المناخ الآن وفي المستقبل، وفي أي دولة، ولا سيما الدول الجزرية الصغيرة النامية، التي تتضرر أو تتأثر بشكل خاص بالآثار الضارة لتغير المناخ، بسبب ظروفها الجغرافية.
اقرأ أيضًا.. معارك الخسائر والأضرار لم تنته بعد.. هل تنجح الدول المتقدمة في إجبار الصين على الدفع؟
ما هو الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية؟
عادة ما تحكم محكمة العدل الدولية، ومقرها لاهاي، في النزاعات بين الدول. لكنها تصدر أيضًا آراء استشارية تفسر كيفية تطبيق الاتفاقيات الدولية القائمة على القضايا الجديدة.
هذه الآراء ليست ملزمة للمحاكم الوطنية، ولكن يمكن استخدامها للضغط على الحكومات وخلق مسارات للدعاوى القضائية المستقبلية.
وفق الخبراء الأخرون الذين تحدثت إليهم أوزون فإن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل غير ملزم قانونًا، لكنه يحمل سلطة أخلاقية وسياسية يمكن أن تساعد في تشكيل القانون الدولي وتعزيز الجهود لمحاسبة الحكومات والشركات الملوثة.
سيساعد ذلك الدول على فهم وتكثيف الجهود لحماية حقوق الإنسان، والنظر في حقوق الأشخاص الذين يعيشون اليوم وفي المستقبل، وتعزيز الطموح في مفاوضات المناخ.
كما يمكن لمحكمة العدل الدولية أن تسد الثغرات القانونية في القضايا التي تخص تغير المناخ، كما فعلت مسبقًا في المفاوضات على معاهدات معينة.
تقول الخلايلي: “يبدو الأمر كما لو كان شخصًا يرسل مذكرة إلى محاميه، يطلب منه استشارة وفتوى قانونية توضح قانونية فعل ما من عدمه، وبمجرد علمه أن هذا الأمر غير قانوني سيكون من لحظتها مسؤولاً عن أفعاله”.
وأضافت: “استبدل الدول بالشخص المذكور في المثال السابق، سيتضح الأمر أكثر”.
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء قبل اتخاذ القرار: “من شأن الرأي أن يساعد الجمعية العامة والأمم المتحدة والدول الأعضاء على اتخاذ إجراءات مناخية أقوى وأكثر جرأة والتي يحتاجها عالمنا بشدة”.
وأضاف: “يمكن أن يوجه أيضًا تصرفات وسلوك الدول في علاقاتها مع بعضها البعض، وكذلك تجاه مواطنيها”.
ستنظر محكمة العدل الدولية في طلب تبني القرار التي ستتقدم به الأمم المتحدة بعد موافقة اليوم. وإذا قبلت، فسوف تقضي عامًا أو أكثر في مراجعة الطلبات قبل إبداء رأيها.
هذا الرأي يمكن أن يترجم إلى قانون محلي من قبل الدول أو يتم تبنيه على المستوى الدولي من خلال التأكد من أن الأدوات الحالية وتنفيذ الإجراءات تمتثل للمتطلبات كما حددتها محكمة العدل الدولية.
الأهم من ذلك، أن الفتوى يمكن أن تؤكد الالتزامات تجاه الشباب والأجيال القادمة، مما يعني أننا بحاجة إلى أخذ هذه المصالح في الاعتبار عند اتخاذ التدابير القانونية والسياساتية.
لم تعارض الولايات المتحدة، التي تعد صاحبة أكبر انبعاثات تاريخية في العالم، ولا الصين، التي تستعد قريبًا لتجاوز الولايات المتحدة في هذا الصدد، الإجراء، لكنهما لم يصوتا لصالحه أيضًا.
تتنافس القوتان العظميان على النفوذ داخل دول جزر المحيط الهادئ، وفي سعيهما لكسب تأييد دول المحيط، لم يقفا في وجه القرار.
ولكن حتى عندما تنحيت الولايات المتحدة جانبًا وسمحت بالموافقة على الإحالة دون اعتراض، قال دبلوماسي أمريكي أيضًا إن إدارة بايدن تعتقد أن الدبلوماسية وسيلة أفضل لاتخاذ إجراءات بشأن قضايا المناخ.
قال إسماعيل كالساكاو، رئيس وزراء فانواتو، في كلمته وهو يقترح مشروع القرار في الأمم المتحدة اليوم: “هذه ليست رصاصة حاسمة، ولكنها يمكن أن تقدم مساهمة مهمة في العمل المناخي. إن العالم يقف عند مفترق طرق، ونحن كمجتمع دولي ملزمون باتخاذ إجراءات أكبر”.
وأضاف: “معا يمكننا أن نبعث برسالة عالية وواضحة إلى المستقبل مفادها أنه في هذا اليوم بالذات قررت شعوب الأمم المتحدة التي تعمل من خلال حكوماتها أن تترك خلافاتها وراءها وأن تعمل معا لمواجهة تحدي تغير المناخ”.
اقرأ أيضًا.. حملة عالمية لـ تجريم الإبادة البيئية وضمها لاختصاصات المحكمة الجنائية الدولية
ردود فعل المجتمع المدني
قالت تسنيم إيسوب، المديرة التنفيذية للشبكة الدولية للعمل المناخي: “إن اعتماد الأمم المتحدة اليوم للقرار الذي يسعى إلى الحصول على رأي استشاري بشأن تغير المناخ من محكمة العدل الدولية بتوافق الآراء من قبل البلدان هو لحظة تاريخية حقا في سعينا لتحقيق مساءلة وإجراءات أقوى من الحكومات في معالجة تغير المناخ. هذه اللحظة أخذت وقتًا طويلًا حتى تحققت، وما بدأ كحملة من قبل طلاب جزر المحيط الهادئ في فصل دراسي في كلية الحقوق، وتلقفته حكومة فانواتو وتقدمت به كمطلب دبلوماسي، أصبح واقعًا الآن، ومن المقرر أن يذهب إلى أعلى محكمة في العالم”.
أضافت: “هذا نجاح دبلوماسي هائل حققته فانواتو ودول جزر المحيط الهادئ ومثال قوي آخر على كيفية عمل المجتمع المدني والحكومات معا لتحقيق النجاح، كما اتضح أيضا من الاتفاق المتعلق بصندوق الخسائر والأضرار. ونتطلع إلى دعم الجهود الرامية إلى الحصول على الوضوح والسعي لتحقيق العدالة من خلال محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الدول تجاه مواطنيها في الحماية من تغير المناخ، الآن وفي المستقبل”.
يقول لافيتانالاجي سيرو، منسق السياسات الإقليمية، شبكة العمل المناخي لجزر المحيط الهادئ: “إن نتيجة اليوم هي فوز للأشخاص والمجتمعات في جميع أنحاء العالم التي تقف في الخطوط الأمامية لأزمة المناخ. لقد أكد تكتل منطقة المحيط الهادئ مرة أخرى أنه على الرغم من تهديدات هذه الأزمة الوجودية، فإنه مصمم على جهوده لزيادة طموح المناخ بشكل فعال وعاجل، والبحث عن سبل لحماية حقوق الأشخاص الأكثر ضعفا، بما في ذلك الأجيال القادمة، ودعم مبادئ الإنصاف بين الأجيال. لقد بدأ العمل للتو، والطريق إلى لاهاي يتطلب من الجميع دفع حكوماتهم إلى تقديم مذكرات تسلط الضوء على الروابط الواضحة بين أزمة المناخ وحقوق الإنسان عندما تدعوها المحكمة.”.
تقول نيكي رايش، مديرة برنامج المناخ والطاقة في مركز القانون الدولي: “يؤكد هذا الإنجاز الذي تم التوصل إليه اليوم على قوة الحملات التي يقودها المجتمع المدني والتي تركز على الناس من أجل العدالة المناخية والمساءلة. يمثل هذا القرار خطوة بالغة الأهمية نحو توضيح ما يتطلب القانون الحالي من الدول القيام به للحد من تغير المناخ وحماية حقوق الإنسان. يمكن لمحكمة العدل الدولية ترجمة الأدلة العلمية الواضحة على أن الوقود الأحفوري يقود أزمة المناخ إلى ضرورات قانونية واضحة، ما يقود بدوره للتخلص التدريجي من الآن وتنفيذ الحلول المتاحة التي أثبتت جدواها. كما يمكنها – بل ويجب عليها – محاسبة الدول على المعاناة المتزايدة الناجمة عن فشلها في التحرك.”.
أما سانجاي فاشيست، مدير شبكة العمل المناخي في جنوب آسيا (CANSA) فيقول: “إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم هو معلم هام في الحملة من أجل فتوى محكمة العدل الدولية بشأن تغير المناخ وحقوق الإنسان بقيادة طلاب جزر المحيط الهادئ الذين يكافحون تغير المناخ والمجتمع المدني لدول المحيط الهادئ. إن الرأي الاستشاري الصادر عن أعلى محكمة في العالم سيعزز الإجماع على الأدلة العلمية لتغير المناخ، والزخم لاتخاذ إجراءات أكثر طموحا بموجب اتفاقية باريس وخارطة طريق للتعاون والمساعدة الدوليين لمكافحة آثار تغير المناخ على الدول الأكثر ضعفا في العالم “.
يقول رومان ديدي، خبير في حوكمة المناخ وسياسة حقوق الإنسان، بشبكة العمل المناخي (CAN) بأوروبا: “تزدهر الدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ في أوروبا في الوقت الحالي، ويمكن أن يؤدي رأي استشاري من محكمة العدل الدولية إلى المزيد من القضايا، ويجب أن يكون لهذا الرأي وزن ويساعد المحاكم الوطنية والأوروبية على التفكير عند البت في قضايا تغير المناخ”.
جدير بالذكر أن فانواتو تتبنى أيضًا معاهدة عالمية لمنع انتشار الوقود الأحفوري، ودعت إلى التخلص التدريجي التام من النفط والفحم والغاز في أسرع وقت ممكن. وكانت رائدة في الجهود الدولية لإنشاء نظام لتعويض البلدان الأكثر تضررًا من “الخسائر والأضرار” الناجمة عن تغير المناخ، وهو ما تحقق في مؤتمر المناخ السابق بشرم الشيخ.